الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٠ مساءً

اليمن… عاصفتان وواقع إنساني تتزايد معاناته

د.فؤاد الصلاحي
الخميس ، ٣٠ ابريل ٢٠١٥ الساعة ١١:٤٩ صباحاً
عاصفة الامل.. تضع مدينتي عدن وتعز في عاصفة الحرب بطريقة اكثر ضراوة من العاصفة الاولى.. وفقا لأهمية المدينتين سياسيا واجتماعيا وتاريخيا ووطنيا.
وللعلم فإن الحوارات المقبلة أو التسويات لن تحسمها إلا هاتان المدينتان، من خلال السيطرة عليهما، إما من قبل الشرعية أو الحوثيين، والطرف الذي يسبق في السيطرة الكاملة سيعلن قبوله الحوار وفق انجاز ميداني يمكنه من فرض شروط المفاوضات أو فرض كثير من مطالبه في المفاوضات. وهنا يتم الهجوم على تعز وعدن بضراوة شديدة، وباستخدام كل انواع الاسلحة، مع العلم أن سكان المدينتين من المدنيين لا يملكون اسلحة ثقيلة ولا سندا قبليا ولا دعما خارجيا، وهما قاطرتا التحديث والتغيير في اليمن، بل أن مستقبل اليمن الموحد واليمن الحديث بدولته الوطنية يعتمد على دور وموقف عدن وتعز ورسم خياراتهما السياسية وموقفهما الوطني.

وهما مدينتان يتجسد فيهما الوطن اليمني كله، فهما لا تعرفان التعصب الجهوي أو المذهبي، بل هما جوهر الوطنية اليمنية، ومن هنا نفهم الانتقام المخطط من صالح وحلفائه الحوثيين. فصالح ينتقم منهما لان المعارضات الاولى والمسارات الشعبية الرافضة له بدأت من تعز وعدن، وتجذرت فيهما مطالب الشعب في التغيير والتجديد. صالح يستخدم اللعبة الطائفية والمذهبية، ويدفع بالحوثيين للانتحار السياسي من أجل إحراقهم شعبيا وسياسيا، وهم يستجيبون لتكتيكات صالح بوعي زائف منهم، وبجهل في فهم الاهداف الحقيقية للحرب التي يخوضها صالح معهم، وربما للحوثيين هدف انتقامي مسبق يؤسس لحكم شمولي.. ومن جانب آخر هناك جهل من قبل التحالف العربي والمملكة بديناميات الصراع السياسي في اليمن، وخلفياته الاجتماعية والثقافية والمذهبية، فهم اضاعوا شهرا كاملا من «عاصفة الحزم» من دون معرفة حقيقية بالأهداف التي يجب تحييدها، لان كل الضربات الجوية لم يتضرر منها الحوثي، وان تضرر صالح إلى حد ما، لكن قواتهما لاتزال كبيرة من حيث المقاتلين والعدة القتالية، وهي ارتال حديثة متطورة من الدبابات والصواريخ والمدرعات وغيرها من انواع الاسلحة.

ثم أن بدء العاصفة، من دون وجود قيادة عسكرية يمنية في الداخل لتعمل ميدانيا وتخلق شبكة واسعة من الاتصالات مع جنود وضباط وتجمعات مدنية وقبلية، ناهيك عن رسم مواقع ميدانية حقيقية لأهداف تمكن من اعادة الاعتبار للدولة، زد على ذلك أن وجود هادي ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء خارج اليمن، قل إلى حد كبير من معنويات الشباب والمقاومات الشعبية، وتم استخدام هذا الامر لصالح اطراف اخرى من خلال الاعلام والتعبئة المجتمعية المضادة، إذ تم تدمير تعز وعدن بشكل انتقامي من صالح والحوثيين بهدف اثارة الخوف في كل سكان المدينتين للسيطرة عليهما، كورقة ضغط قوية ورئيسية في المفاوضات المقبلة لدلالاتهما الرمزية والشعبية والوطنية، وهو الامر الذي لم تستوعبه قيادات العاصفة، وبجهل من المستشارين اليمنيين في الرياض.. وانا اعتقد جازما أن المستشارين العسكريين اليمنيين في الرياض يقدمون معلومات خاطئة للمملكة لتوريطها اكثر في حرب لا ضرورة منها، أو لا ضرورة لاستمرارها..

ما نروم الإشارة اليه يكفي ما تم من العاصفة، وهناك بدائل سياسية عبر حوارات اقليمية ودولية واسعة لفرض اجندة حوار ودعوة الاطراف، بل واجبارهم على الحضور في جولات متعددة تبدا في عُمان اولا باعتبارها محايدة في عملية العاصفة، ثم بعد عدة جلسات حوارية تتخفف حمولة المتحاورين من الرفض والاقصاء، إلى اعتماد منطق الشراكات الوطنية والتأكيد على تجاوز منطق الحرب والعدوان، هنا يمكن أن تبدأ جولة ثانية من الحوار في مدينة خليجية اخرى لتستكمل المفاوضات اجندتها، وصولا إلى خلق افق يقبل بالتعامل مع كل دول الخليج، ويمكن للحوار أن يضع نهاية له وفق اجندة محددة البنود والاتفاقات برسم سياسي وطني يعيد الاعتبار للدولة ويضع اليمن في استحقاق سياسي يتمثل بانتخاب للرئاسة والبرلمان، خلال فترة سنة، مع اعادة النقاش في مشروع الدستور لإقراره والاستفتاء عليه.

هنا ينبغي الاشارة إلى ملاحظات مهمة وجوهرية لا مجال للحوار والسلم الاهلي من دونها.. فاذا كان الهدف دولة لكل اليمنيين فلا مجال للمحاصصة المناطقية والقبلية والجهوية ولا الحزبية، بل حكومة كفاءات تكنوقراط ممن لم يكونوا مشاركين في حكومات سابقة والاقرار من الجميع، بأن الدولة وحدها صاحبة السلاح وان العمل السياسي الحزبي هو الاطار المشروع للقوى والجماعات التي ترغب أن تشارك في العملية السياسية، وان المليشيات والسلاح خارج الدولة مُجرما دستوريا وقانونا، وكل الاحزاب يجب أن ترفض هذا الامر.. أنبه إلى أن الحل السياسي الذي نريده يجب أن لا تدفعنا اليه الاحداث المؤلمة الراهنة، وقبول اسوأ الخيارات والحلول من قبيل الدولة الطائفية فهذا امر سيشكل بداية لحروب واقتتال لا ينتهي الا بتدمير لليمن ومنطقة الخليج.
ولا يتصور أي خليجي من الخاصة والعامة أن بلدانهم بعيدة عن شرور ومخاطر الحرب والفوضى التي تعم اليمن، وهو امر يؤكده كل الخبراء والمراقبين عربا واجانب. وعلى الوسطاء من الخليج والامم المتحدة فهم هذه المسألة بدلالاتها الوطنية والسياسية حاضرا ومستقبلا، فاليمن لابد ان يكون دولة موحدة في جغرافيتها ذات نظام سياسي وطني لا مجال معه للطائفية أو المحاصصة الجهوية، وإلا ستنتقل تداعياته بأسرع ما يمكن إلى دول الجوار وفق التقسيمات نفسها التي توجد في هذه الدول.

صفوة القول اليمن يحتاج للتنمية والاستقرار لا للحرب، ولان اليمن يشكل مجالا حيويا لدول الخليج وللسلم الاستقرار الدوليين، عبر الامساك بممر باب المندب، وما يمثله من اهمية للتجارة العالمية خاصة تدفقات النفط، هنا يمكن القول إن المسار العسكري العبثي والمسار السياسي البائس يجب أن لا ينسينا المعاناة الانسانية لملايين اليمنيين المحتاجين للغذاء والمياه والعلاج، وهو امر لابد ان يكون في اولوية الاهتمامات لدول الخليج وللمنظمة الاممية، وأتمنى من المندوب الاممي الجديد أن يرفع صوته عاليا في اول عمل له في الشأن اليمني، في التعبير عن معاناة اليمنيين وحاجتهم للسلام والاستقرار، واتمنى من حكومات الخليج والهيئات والمجتمع الاهلي أن تلعب دورا كبيرا في انقاذ اليمنيين المحتاجين للعلاج والغذاء في عموم المدن والريف اليمني.

الخليج عامة والسعودية خصوصا ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في الوضع المأساوي الذي يعيشه اليمن من سنوات، فالدعم قدم لنخب فاسدة قبلية وعسكرية وحزبية، وتم تمزيق الاواصر بين مختلف المكونات والجماعات، وفقا للدعم الخارجي، ووفقا لذلك تم فرض وكلاء الخارج في مختلف دوائر السلطة خلال 33 سنة وحتى اليوم، ولذا فإن من يقتل اليمنيين في الداخل هم من ينفذون اجندة انتقام محلية لصالح الخارج الاقليمي واخراج اليمن من العبث السياسي والعسكري هو القاء القبض على رموز الفساد وسراق المال العام، وللعلم سيكون هذا الامر محل ترحيب شعبي واسع، ومن دونه سيكون الشعب رافضا لأي تسويات سياسية تتم بين النخبة نفسها التي تسببت في قتل الشعب وتدمير مؤسساته العمومية والخاصة؟ على دول الخليج والسعودية امتلاك رؤية استراتيجية تعتمد معلومات دقيقة وتحليلا معمقا للواقع اليمني، ووضع البدائل السياسية التي تمكن اليمن من عبور نفق مظلم تم الولوج اليه بفعل سياسات مقصودة من صالح وحلفائه محليا وخارجيا..؟

"القدس العربي"