الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٧ مساءً

انتحار الحوثي

عبدالله الصنوي
الأحد ، ١٠ مايو ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٣٠ مساءً
ما أصدق من قال ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً، جماعة الحوثي ما فتئت تهدد العالم، وتتوعده بالسحق والقتل، مؤمنين بخرافة النازية (الرب يقف مع البندقية). أثبت الحوثيون، بما لا يدع مجالاً لشك، في أنهم حركة نازية فاشية، لا يمكنها التعايش مع الآخرين واحترام ما لديهم، فضلا عن تقديم أنفسهم بشكل محترم. ويا لله، كم يذكّرني غباؤهم بقصة الفأرة التي تغزلت بجمل، وجرته من لجامه، حتى أوصلته إلى باب جحرها، نظر الجمل إلى بيت الفأرة، وقال لها إما أن تعشقي من هو في حجمك، أو تبني بيتا بقدر محبوبك، ثم تركها وذهب، وظلت الفأرة في جحرها تقلب كلام الجمل في رأسها، ولم تألُ على شيء من ذلك.
عندما خرج الحوثيون من صعدة بسلاحهم، واقتحموا قرى ومدناً، وكأنهم خرجوا من غياهب التاريخ، وفي كل قرية أو مدينة اقتحموها، تركوا شاهدا وذكرا لمرورهم، فهذه مئذنة محطمة، وذلك بقايا بيت كانا شامخاً في يوم ما، وتلك آثار مدرسة كانت تعلم القرآن. وفي حقيقة الأمر، خروجهم من صعدة كان شيئا لا يمكنهم استدراكه، وهي أولى خطواتهم إلى الانتحار الكبير، لأنهم حكموا على أنفسهم بالموت سياسيا، إذ لا توجد دولة في العالم تؤمن بالديمقراطية والتعددية والمساواة والمدنية، فيها مكان لأفكار شاذة، ترى أن شخصا له ميزة التفضيل، وفوق الجميع، وله الأمر في الأولى والآخرة، بسبب جيناته الوراثية.

كانت هذه أكبر مشكلاتهم التي أوردتهم حتفهم، لم يكن الحوثيون يؤمنون بحوارنا الكبير، ولا بدستورنا، ولا بالمبادرة الخليجية، ولا بثورة الشباب السلمية، لا شيء من ذلك أبدا، فلهم حوارهم الخاص، ودستورهم الخاص، ولجنة ثورية خاصة بهم، وأب روحي قابع في أحد الكهوف، يقول أنا ابن رسول الله، ولي الحق المطلق في كل شيء.

لم يقدم الحوثيون لليمنيين برنامجا سياسياً، أو خطة لإنهاء معاناتهم الأبدية، لم يقدموا سوى الموت، والموت فقط. ففي عام واحد، قتل ما لا يقل عن 7000 ألف يمني، بسبب حروب شنتها جماعة الحوثي في أكثر من مكان على خارطة اليمن الكبير.

وفي طريق انتحارهم الجماعي، وقعوا ضحية لعبة هم بدأوها فتحالفوا مع المخلوع، وكانوا يضمرون في أنفسهم شيئاً، ويظهرون شيئا آخر، حتى وقعت الفأس في الرأس، كل منهم استخدم الآخر، ورقة لعب متى ما فرغ منها ألقاها على الطاولة، ليربح اللعبة. وللمخلوع تجارب في استخدام الآخرين، لتنفيذ مآرب في نفسه، أجادها قديما، لكنه غفل عن القاعدة التي تقول من الغباء استخدام الشيء نفسه، وبالطريقة نفسها وانتظار نتائج مختلفة. ومن سوء طالع صالح والحوثيين، التغير الجذري في سياسة المملكة العربية السعودية، خصوصا ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقد عاد إلى المملكة دورها المأمول في قيادة وسيادة الأمة العربية والإسلامية، نظرا لما تحظى به من حب وتقدير في قلوب المسلمين.

لم يبق الكثير لجماعة الحوثي سوى زيادة معاناة الشعب اليمني، وهذا ما يجيده فعلا، ولا نتوقع شيئا آخر، فالجماعة انتحرت سياسيا وعسكريا، ولم يستطيعوا حكم اليمن، على الرغم من دخولهم قصور الرئاسة، وجلوسهم على كراسي فخمة، ولبس بعضهم "الجاكيت والكرافتة" وألبسوا مليشياتهم اللباس العسكري.

لم نعد ننظر إلى اليمن، الآن، المحطم والمدمر والمشتت، تجاوزنا هذه المرحلة، وبتنا ننظر إلى ما بعد الحوثيين، وكيف سنحكي هذه المرحلة للأجيال المقبلة. سأقول لأولادي وأحفادي، إنه في يوم من الأيام، خرجت رائحة كريهة قادمة من كهوف الجبال، وانتشرت لتصل إلى كل القرى والمدن، وأي قرية وصلت إليها تلك الرائحة البشعة، مات بعض أهلها وفر آخرون، لكن جيراناً لنا ساعدونا بسد الثقوب والشقوق التي خرجت منها تلك الرائحة، وزرعنا حدائق للزهور والورود العطرة التي أزاحت تلك الرائحة إلى الأبد.. إلى الأبد.