الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٢ مساءً

عن جنيف «اليمني» وإخوته

نبيل البكيري
الاثنين ، ٢٥ مايو ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٥٨ صباحاً
الذهاب إلى جنيف كما حدده مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، يوم 28 من هذا الشهر، لكل الأطراف اليمنية، لا معنى له مطلقًا سوى أنه أشبه بدعوى لحضور حفلة “زار” في أحد فنادق جنيف الراقية، للاحتفاء بمنسابة الاعتراف الدولي بسلطة الأمر الواقع الانقلابية بصنعاء.

الأغرب في الأمر كله هنا، هو هذا الحماس الأممي لعقد مؤتمر جنيف بين من يسمونهم بالأطراف اليمنية؛ فيما كل قرارات الإجماع الدولي بخصوص اليمن وخاصة تلك التي تدخل تحت مفهوم الفصل السابع الملزم للمجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف المعرقلين للانتقال السياسي، لم يتم ليس فقط تطبيقها؛ بل مجرد الإشارة إليها وخاصة القرار الأخير 2216 الملزم لميليشيات الرئيس السابق صالح والحوثي بالانسحاب من المدن المحتلة.

لم يعد مفهومًا الدور الذي تقوم به المنظمة الأممية وخاصة بعد كل هذه الإخفاق المكشوف في الحالة اليمنية من خلال ممثلها السابق جمال بن عمر الذي عمل بمثابة عراب لدبلوماسية المتمردين الحوثيين في أروقة مجلس الأمن وغالط كثيرًا بخصوص الأوضاع في اليمن.

وهذا الإخفاق المنكشف لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر، هو ما كنا تنمنى عدم تكرراه مع المبعوث الجديد السيد إسماعيل ولد الشيخ، لكن كما يبد أن ولد الشيخ لا يختلف كثيرًا عن سابقه إلا من حيث الاسم فقط، خاصة وهذا المبعوث بدأ يتصرف على نحو واضح يراد منه الاعتراف بسلطة الميليشيات الانقلابية بصنعاء من خلال حماسه لانعقاد مؤتمر جنيف المشؤوم.

هذا الحماس، الذي فسره بوضوح الترحيب الحوثي بجنيف، والذي يعني أن أي جنيف ليس سوى التنفس الصناعي للانقلاب الذي أوشك على الاختناق بفعل الحصار الدولي والإقليمي والمحلي الذي يعانيه الانقلابيون سياسيًا وعسكريًا.

لكن الأغرب هنا، برأيي، ليس في المجتمع الدولي الذي هو في الأخير قوى ذات مصالح وليسوا عبارة عن جمعيات خيرية ونوادٍ للإصلاح الاجتماعي؛ بل الأغرب هو الطرف اليمني الشرعي الذي بحسب تصريح لوزير خارجيته السيد رياض ياسين بتاريخ 20/5 الجاري، والذي قال إن الطرف اليمني لم يتلقَ دعوة بهذا الخصوص، بمعنى أنه مع المشاركة في هذا المؤتمر ولكن الدعوة لم تصلهم بعد؛ مما يعني أننا أمام كارثة سياسية ودبلوماسية كبيرة إن صح هذا التصريح، بعد الكارثة التي أوصلت حكومتنا الشرعية من صنعاء إلى منافي الأشقاء في الرياض.

إن الذهاب إلى جنيف بعد مؤتمر الرياض، يعني إلغاء لمؤتمر الرياض وكل ما يتعلق به من مخرجات تصب في صالح دعم واستعادة الشرعية اليمنية المنقلب عليها، وأن الذهاب إلى جنيف يعني نسف كل تلك الجهود التي تبذلها المملكة مع الإخوة والأشقاء العرب في التحالف العربي.

لكن بحسب تصريح أخير لدبلوماسي يمني للشرق الأوسط بتاريخ 22 مايو الجاري، قال إن الرئيس هادي اعتذر عن حضور مؤتمر جنيف، وهذا الاعتذار خطوة مهمة جدًا بالنسبة للرئيس هادي، وهو باعتقادي قرار ليس يمنيًا فقط؛ وإنما هو قرار سعودي بحت، وهذا هو الأهم في الأمر كله؛ باعتبار أن المملكة هي المعنية بكل هذه القرارات بالنظر إلى أن اليمن حالياً صار جزءًا أساسيًا من الأمن الاستراتيجي لها وأي فشل في اليمن هو فشل كارثي للمملكة.

وقبل هذا كله، كان الأجدر بمجلس الأمن الدولي بدل الذهاب إلى جنيف وحث الأطراف اليمنية للذهاب إلى جنيف، تطبيق قراراته كلها المتعلقة باليمن والتي تقع تحت الفصل السابع وخاصة قرارها الأخير 2216، والذي ينص صراحة على انسحاب الميليشيات الحوثية من كل المحافظات والمدن والمؤسسات الحكومة، وباعتقادي: هذه هي المهمة الأولى بولد الشيخ أن يسعى لتحقيقها؛ لعدم تكرار تحيزات سلفه بن عمر للميليشيات لا أن يسعى جاهدًا إلى إكسابها شرعية دولية للاعتراف بها كشريك أساسي في السلطة الشرعية المنقلب عليها.

ختامًا، بات الحديث عربيًا عن جنيف وأخواتها، ليس سوى بحث عن سراب خادع في ظل توجهات غربية مثابرة في البحث عن مخارج طوارئ للثورات المضادة وحلفائهم المثار ضدهم، ومحاولة غربية حثيثة لشراء الوقت لتمكين الثورات المضادة من العودة سالمة إلى أروقة الحكم المنهارة كما هو الحال في سوريا وليبيا.

ولا شك هنا أن المفتاح الحقيقي للتوجهات الغربية لتغليب المسارات السياسية في الحالة العربية ليست سوى التقارب الغربي الإيراني الذي يتخذ من الأزمات الداخلية في البلدان العربية بمثابة كروت وأوراق سياسية على طاولة صراع المصالح الغربية-الإيرانية في المنطقة العربية التي تعيش حالة فراغ سياسي، كانت تحاول ثورات الربيع العربي ملأه.