الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٠ مساءً

لا .. لتقرير مصير شعب الجنوب

اسكندر شاهر
الثلاثاء ، ٢٢ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
(لا ، لتقرير مصير شعب الجنوب) .. يمكن القول أن هذه العبارة هي لسان حال السلطة الأحمرية في صنعاء والتي يتصارع أطرافها اليوم بعد أن تشاركوا في خراب البلاد عموماً طيلة ثلاثة عقود وفي احتلال الجنوب صيف 94م على وجه الخصوص .. اليوم يرقصون الرقصة الأخيرة على هامش الثورة الشبابية الشعبية السلمية ( البيضاء) التي لا علاقة لها بلونهم (الأحمر) ، ولا بفسادهم المستشري ، ولا باحتلالهم لأراضي ومنازل وعقارات الجنوبيين ونهب ثرواتهم ، ولا بحروبهم العبثية في صعدة ، ولا بتفريخهم للإرهاب .

هذا هو حال "أسرة آل الأحمر الدموية" ، كما كان يصفها الأستاذ عبد الرحمن الجفري إبان حرب 94م ، والذي تقول الأنباء -ولم يتم نفيها حتى الآن- بأنه انخرط مع الرئيس علي سالم البيض في مؤتمر جنوبي مزمع يُعتقد بأنه مناقض لمؤتمر القاهرة الجنوبي الذي يتزعمه الرئيسان علي ناصر وحيدر العطاس ، بالرغم من أن حزب الرابطة ومنذ وقت مبكر تبنى موقفاً واضحاً ومحدداً إزاء القضية الجنوبية ومشروعه حول الفيدرالية الاتحادية من المشاريع المعتبرة وذات الأسبقية مما اطلعت عليه ، على أنه من الواضح أن التكتيك يفرض نفسه أحياناً للقيام بنقلات سياسية وإن على حساب النظرية المُتبناة ، ولعله هنا بالذات تكرار مع الفوارق لماحدث في 94م حينما أصبح الجفري نائباً لرئيس جمهورية اليمن الديمقراطية التي أعلنها البيض أثناء الحرب ، أو لعل الأقرب إلى الواقع أن صراع الأخوة الأعداء يقتضي هذا الفرز وفقاً لرؤى محلية تعززها رغبات إقليمية تتصارع هي الأخرى على كل شيء حتى على شم رائحة موتنا .

لا لتقرير مصير شعب الجنوب .. هو لسان حال علي عبد الله صالح الأحمر ، لأنه هو قاتل الوحدة ومحوّلها من حلم جميل إلى كابوس مفزع ، ولأنه أيضاً لا يعرف الفيدرالية ولا يفهمها بل يعرف ويفهم (الاحتلال) بالقوة العسكرية الغاشمة ، كما أن مستشاره السياسي عبد الكريم الإرياني يعتبر الفيدرالية مقدمة للانفصال ولذلك هو أيضاً يقول (لا) لتقرير مصير شعب الجنوب ويحذر من ذلك والبقية الباقية من نظام صالح أصداء لأصوات عسكرية ومدنية.

لا ، لتقرير مصير شعب الجنوب .. هذا هو لسان حال اللقاء المشترك ( المعارضة المرخصة أو الرسمية والوجه الآخر للسلطة ) ، فهل ننتظر من حزب الإصلاح الذي أسهم في تكفير الجنوبيين وفي احتلال أرضهم ونهب ثرواتهم ومساكن قادتهم أن يقول نعم لتقرير المصير لشعب الجنوب؟! فكيف يستقيم الظل ( الإصلاح ) والعود أعوج ( المؤتمر ) .

لا ، لتقرير مصير شعب الجنوب .. هذا الشعار تعكسه أيضاً بشكل أو بآخر مختلف الأطراف المعنية بالقضية الجنوبية بأفعالها من حيث النتيجة وليس من حيث المبدأ فالنوايا يصعُب محاكمتها ، والشعارات تتوحد أحياناً كمباديء ، ولكن عند التنفيذ لا تجد سوى نتيجة واحدة مشتركة تقول : لا لتقرير مصير شعب الجنوب .

على سبيل المثال .. يبرز اليوم تياران أساسيان في خضم معالجة القضية الجنوبية من بين المعنيين بها ، الأول ينادي بالاستقلال أو ( فك الارتباط ) ، والثاني ينشد الفيدرالية بين إقليمين شمالي وجنوبي ، وبينهما تسرح وتمرح الاجتهادات والتصورات النظرية .

في واقع الحال .. تيار الاستقلال يقول العبارة ذاتها من حيث يدري أو لا يدري ( لا لتقرير مصير شعب الجنوب ) لسبب واحد بسيط هو أنه يطرح خيار الاستقلال ويرفض الخيارات الأخرى ، مع أن كل الخيارات هي ملك للشعب الذي يُريد تقرير مصيره لا يُراد تقرير مصيره .. والفرق واضح ، فضلاً عن أن هذا التيار لم يقم بإحسان في عملية توظيف المعطى المحلي على الأرض لتعزيز الجبهة الداخلية للحراك الجنوبي ، كما لم يقدم شيئاً يستحق الذكر على صعيد إقناع الإقليم والعالم بخيار الشعب ، ودوماً كان الشعب هو الرافعة وما سواه خافض لها .

وأما تيار الفيدرالية فيقول أيضاً العبارة ذاتها من حيث يدري أو لا يدري ( لا لتقرير مصير شعب الجنوب ) لنفس السبب البسيط المذكور آنفاً مع الفارق في القياس ، على أن هذا التيار -وفق تقديري- قد تخطى التيار السابق ببعض الأشواط الإيجابية يمكن أن نقتنصها من المؤتمر الجنوبي الأول الذي انعقد في القاهرة بين20- 22 فبراير من الجاري ، أو لنقل بأنه متفوق بالنقاط على تيار الاستقلال ولن يصل أحدهما إلى الضربة القاضية لأن تلك الضربة ملك لشعب الجنوب شاء من شاء وأبى من أبى ، والجميل أن مؤتمر القاهرة أكد ذلك وأحسب انه يتعادل هنا مع تيار الاستقلال الذي يؤكد ذلك هو الآخر .

كان من المقرر انعقاد مؤتمر القاهرة الحالي منتصف شهر أكتوبر المنصرم وتحديداً مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر ، على أنه تأخر إلى 20 نوفمبر لينعقد قبل عشرة أيام من ذكرى استقلال الجنوب عن الاستعمار البريطاني ، وهذا التاريخ لا يخلو من دلالة واضحة كانت ستكون أعمق لو أن تيار الاستقلال بزعامة البيض قد شارك في المؤتمر .

أتذكر بأني اتصلتُ بعد منتصف أكتوبر بأحد منظمي مؤتمر القاهرة مستفسراً عن تأجيل انعقاده في حينه وباشرته بسؤال استفزازي ، حيث قررتُ من جانبي بأن المؤتمر قد فشل ، إلا أن المجيب كان سريع الرد وواضح التعبير قاطعاً بعدم فشل المؤتمر وأن سبب التأجيل مردّه المحاولات الحثيثة لإقناع الطرف الآخر –يقصد تيار الاستقلال- وتحديداً الرئيس الأستاذ علي سالم البيض بالمشاركة ليكون المؤتمر أعم ويتميز عن سابقه ويؤسس للقاءات أخرى أكبر وأوسع وأشمل ، إلا أن من الواضح اليوم بأن هذه الجهود الحثيثة باءت بالفشل ، ولعل ما يعزز قيام هذه الجهود التوفيقية فعلاً وكثافتها فوق ما أوردته وسائل الإعلام خلال الفترة القليلة الماضية بهذا الصدد هو الشعار الذي رفعه مؤتمر القاهرة بالأمس ( معاً من أجل تقرير المصير لشعب الجنوب ) فهو واحدة من نقاط التفوق التي أشرت إليها آنفاً وعلامة من علامات الرغبة الحقيقية التي كانت متوافرة لمشاركة تيار الاستقلال بزعامة البيض .. الشعار موفق جداً و(ضربة معلم) ، فكلمة ( معاً ) واضحة الدلالة على الرغبة في مشاركة الجميع وكلمة (تقرير المصير) أيضاً هي الأخرى تعزيز لوجود الآخر وإيمان بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره لأن تقرير المصير يشمل في مفاده خيار الفيدرالية ، وخيار الاستقلال ، وخيار الوحدة أيضاً ، وهذا الشعار يغلق الباب أمام من يحاول التشويش بالقول بأن هذا الطرف أو ذاك يدعي أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجنوبي ، علماً أن الوصاية على الشعوب لم يعد لها من حظ ، فالتمرد بات ديدن هذه الشعوب التي تتلاقح اليوم في الوطن العربي كما لم تفعل من قبل .

صحيح أن هناك مشاريع جاهزة لكلا الفريقين (الفيدرالية والاستقلال) وهذا طبيعي وفقا لتباين رؤاهما وحيثياتهما ، ولكن الأصح هو أن رفض اللقاء والمشاركة هو رفض مسبق للآخر ، وكان بالإمكان رفض مشروع الآخر من تحت قبة واحدة فضلاً عن أن رفض اللقاء والدعوة للقاء آخر كردة فعل أو انفعال يُعد تقويضاً لمبدأ التصالح والتسامح الذي كان النواة الأولى لانطلاقة الحراك الجنوبي السلمي وكان ولا يزال وسيبقى - بالمحافظة عليه- مشروعاً حضارياً قلّ أن يُقدم عليه شعب من شعوب العالم.

وخارجياً فإن رفض اللقاء يُعد تمترساً وراء فكرة مجردة لا يمكن أن تكون واقعية وقابلة للتنفيذ مالم تتم مناقشتها وتبيان آلياتها وسبل دعمها وحتى الاختلاف المعلن عليها ، ولا أظن أن أحداً لا يعلم بأن المجتمع الدولي يرفض انفصال الجنوب في هذه المرحلة ( واشنطن ترفض الموضوع بقوة) وأي فرز موضوعي يؤدي إلى قواسم مشتركة ومحددات غير قابلة للكسر بين التيارين سيكون مفيداً لو حدث لزعزعة هذه القناعة الدولية ، وبالرغم من إيماني المطلق بإرادة الشعوب إلا أن هذه الإرادة تقل حظوظها عندما تتناهبها أصوات الأخوة الأعداء ومشاريعهم المتضاربة ، وها نحن نرى بأم أعيننا ماذا تفعله المؤامرة الخارجية في كبح جماح الثورة الشبابية السلمية والدور الذي لعبه صراع الجنود الحُمر في تعثير خطواتها وتأجيل استحقاقاتها بمزيد من القتل وسفك الدماء على مذبح الحرية والانعتاق المتباعد ، وفي هذا السياق يمكن إيراد نقطة تفوق أخرى لتيار الفيدرالية الذي يتفاعل مع ما يحصل في الشمال بإيجابية وشواهد ذلك كثيرة ومتظافرة منذ انطلاقة الثورة الشبابية في الحادي عشر من فبراير في تعز ، وقبل ذلك التفاعل مع مظلومية الحوثيين وحتى التعاطي مع الحراك السياسي الذي كان يعتمل إبان الأزمة الوهمية الديكورية، وهذا التفاعل عبّر عنه بوضوح الرئيس علي ناصر محمد (الذي تعهّد بعدم قبول أي منصب سياسي ليؤكد بأنه سيبقى "رئيساً مدى الحياة" ) وذلك ضمن كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القاهرة الحالي حيث قال: (إن الحراك الجنوبي السلمي الشعبي الذي انطلق منذ عام 2007م، كان أول حراك سلمي على هذا المستوى في اليمن والمنطقة العربية ، وان الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين قد كسرا هيبة النظام في صنعاء واظهرا للعالم دموية النظام في التعامل مع تطلعات الشعب في الشمال والجنوب على حد سواء ، وكانت الأرضية التي انطلقت منها ثورة شباب التغيير السلمية على مستوى الوطن كله لإسقاط النظام فتكونت لأول مرة فرصة تاريخية لإحداث تغيير حقيقي ينقل اليمن إلى مرحلة بناء الدولة العصرية الحديثة، ونحن نؤمن بأنه سوف يكون للشباب دور رئيس في إحداث التغيير المنشود وبناء الدولة وتحقيق التطور للمجتمع) ..

هذا التفاعل الايجابي للفيدراليين بعيداً عن الجانب الإنساني هو أداء سياسي فعّال يعتمد الحضور لا الغياب ، إذ لا يمكن عزل القضية الجنوبية عمّا يحصل في الشمال بأي حال من الأحوال وأي عزل هو في الحقيقة عزل للعازل وليس للمعزول .

ولئن استمر هذا التنافس بين التيارين الجنوبيين الأبرزين مع أن هناك تيار ثالث يتحدث عن خيار الوحدة ولكننا سنتجاهله الآن لأسباب كثيرة ليس هنا محلها ، يبقى من الحتمي القول بأنه سيبقى تنافساً محموداً إن لم يتحول إلى صراع على الأرض ، وسيبقى تنافساً محموداً إن جرت الاستفادة منه كورقة لتعزيز التفاوض في المستقبل لإجهاض مشاريع تسلطية لأطراف المتصارعين على السلطة في صنعاء والتي تفكر جميعها بذهنية واحدة (إعادة إنتاج الاحتلال) وقد ظهرت ملامح واضحة لذلك في عدن ومناطق أخرى .

ولعل من نقاط التفوق الفيدرالي أيضاً تأكيد مؤتمر القاهرة برغم فشل المساعي السابقة لضم الاستقلاليين بأن الجهد للتواصل سيستمر حتى لو قاموا بمؤتمر مناقض ، وأحسب أنّ على المؤتمرين التحاور بندية للوصول إلى مكون جنوبي مشترك -وإن تحت قيادة واحدة- مع الاحتفاظ لكل توجه بخصوصياته ، وهذا المكون المشترك ، وآمل أن لا يكون كـ (اللقاء المشترك) سيء الصيت ، يحاور مكون شمالي آخر بندية بعد إسقاط نظام علي صالح وآل الأحمر بالكامل أو حال سقوطه المفاجيء والمحتمل ، مع أن هذا الفعل كان سيتم لو اعتبر المؤتمر التشاوري للفيدراليين في القاهرة في مايو الماضي وملتقى بروكسل لتيار الاستقلال في الذي لحقه في يونيو .

كلاهما مقدمة لمؤتمر مشترك وهذا ما كان يريده مؤتمر القاهرة الجنوبي وفشل في تحقيقه ربما لأننا في اليمن والجنوب العربي ( رياضيون ) بامتياز ولذلك نحب الإعادة بالبطيء .

صفوة القول :
لكي يبقى الباب موارباً أمام مختلف الطيف الجنوبي فإن على الفيدراليين التمسك المبدئي بهذا العنوان الناجح لهذا المؤتمر قولاً وعملاً ( معاً .. من أجل تقرير المصير لشعب الجنوب) لأن التمسك به يعني تثبيت التصالح والتسامح من جهة وبالتالي تعزيز جبهة الحراك الجنوبي السلمي ميدانياً وسياسياً ، ومن جهة أخرى يعني تقبـّل فكرة التفوق في النقاط بروح رياضية على أن تُترك (الضربة القاضية) لشعب الجنوب في الاختيار وتقرير مصيره بنفسه دون وصاية ، وبضمانات معتبرة .