الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٧ صباحاً

اتفاق النووي وصراع الإصلاحيين والمحافظين في إيران

ياسر الزعاترة
الثلاثاء ، ٠٢ يونيو ٢٠١٥ الساعة ٠٨:٠٠ صباحاً
قبل أيام صرّح نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية والقانونية بأن «الإلغاء التدريجي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران»، سيرتب القبول بـ«تفتيش المواقع العسكرية». وما أن صدر التصريح الذي نقلته وسائل الإعلام الإيرانية حتى هبّ المحافظون ضد الرجل، فاضطر إلى التراجع قائلا إن التصريحات المنسوبة إليه «عارية عن الصحة تماما».

لكن أصداء التصريحات لم تتوقف، ففي اليوم التالي عُقد في مقر وكالة «مهر» للأنباء التي تتبع الجناح الأكثر تشددا في المحافظين مؤتمر صحفي تحت عنوان «تمرين الغيرة.. التفتيش والاستجواب ممنوع»، حول موضوع البرنامج النووي الايراني بحضور عدد من الشخصيات السياسية الإيرانية. ونقلت الوكالة عن المشاركين في المؤتمر الصحفي، وهم من العيار الثقيل في التيار المحافظ، تأكيدهم على «خطورة ما يطرح حول تفتيش المراكز العسكرية الإيرانية واستجواب العلماء النوويين للبلاد».

يحدث ذلك على مرمى أسابيع من نهاية المهلة الخاصة بالاتفاق المرحلي، وموعد إعلان الاتفاق النهائي، نهاية يونيو/حزيران القادم، وفي ظل المفاوضات التي دخلت مرحلة حساسة، ما يشير إلى حجم الجدل الدائر في الأوساط الإيرانية حول الاتفاق، ويؤكد ما يذهب إليه كثيرون من وجود جدل محتدم أيضا حول اتفاق النووي؛ حتى بين صفوف المحافظين أنفسهم، وميل قطاعات مهمة، في مقدمتها الحرس الثوري إلى تعطيل الاتفاق.

المشكلة الكبرى التي تواجه المحافظين في إيران تكمن في إدراكهم لحقيقة أن نجاح الاتفاق يعني منح دفعة سياسية قوية للتيار الإصلاحي، وبدء معركة تالية معه حول الطريقة التي يجب التعاطي من خلالها مع المكاسب الاقتصادية التي ستترب عليه، أكان برفع العقوبات، أم بالحصول على بعض الأموال المجمدة في الولايات المتحدة، ففي حين سيسعى المحافظون إلى استخدامها في دفع كلفة النزيف الهائل الذي يعانونه في سوريا واليمن، يريد الإصلاحيون أن يستخدموها في التقرب من الجماهير، برفع سويتهم الاقتصادية.

صراع الإصلاحيين والمحافظين ليس وهما، بل حقيقة، والشارع مع الطرف الأول كما تذهب أغلب المؤشرات، وهو ما يدركه الثاني، ويبدو أنه قرر تشتيت خصومه، فبادر إلى الترخيص لحزبين إصلاحيين جديدين، لكي تكثر عناوين التيار بدل حصرها راهنا في عنوان واحد يمثله رفسنجاني وروحاني.

مشروع المحافظين الآن في مأزق كبير، وسيكون أكبر بعد ذلك في حال رحيل خامنئي، فقد بددوا مقدرات إيران في مطاردة مشروع توسع حالم، ودفعوا عشرات المليارات في مشروع النووي، ثم ها هم يضطرون للتنازل عنه من أجل رفع العقوبات التي ترتبت عليه.

الآن، يبدو حجم الاستنزاف أكبر من قدرة البلد على الاحتمال، وحتى لو رفعت العقوبات، فإن الشعب يريد أن يراها تحسينا في شروط حياته، وليس تبديدها بدفع المزيد من الأكلاف لمغامرات وهمية.

لا أحد يهدد إيران كدولة، وبوسعها أن تعيش بعلاقات إيجابية مع جيرانها، ويستمتع شعبها بثرواتها الكبيرة، وتلتقي على قواسم مشتركة مع الجميع، وتساهم في التخلص من ابتزاز الغرب للأمة. وإذا كانت هناك أقليات شيعية في المنطقة، ففي إيران أقليات أيضا، وعلى الجميع أن يتعايشوا وفق أسس صحيحة، بعيدا عن الأحلام غير الواقعية.

عودة إلى اتفاق النووي، وهنا يمكن القول إن إيران في وضع لا يمكنها التخلي عن الاتفاق بعدما تم التوصل إليه من تفاهمات، لا سيما أن المساومة الأمريكية لا زالت تتحرك بعناية، بخاصة في العراق، لكن أيا من الخيارين؛ قبول الاتفاق أو توقيعه، لن يغير في حقيقة أن على إيران أن تترك هذه المغامرة البائسة، وأن تأتي إلى تفاهم مع العرب وتركيا على كل الملفات العالقة. هل سيحدث ذلك؟ مؤكد، لكن متى؟ لا ندري.