الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٥ صباحاً

القيرعي.. فظاعة الإذلال والتشهير

سامي غالب
الاربعاء ، ١٧ يونيو ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٥٥ صباحاً
الإساءة التي لحقت بمحمد القيرعي عضو اللجنة الثورية العليا (التي أعلنها أنصار الله) تعيد طرح مسألة التناقض بين "الدولة" و"الجماعة"، بين أدوات الإكراه المادي للدولة، الأمن والمخابرات والشرطة والجيش (مهما تباينت الآراء والمواقف بشأنها) بما هي مخرج فكرة احتكار السلطة للممارسة القهرية طبق الدستور والقانون، وبين الميليشيا, التي هي أداة الإخضاع الفئوية ضد فئات المجتمع الأخرى.

الحق أنني علمت بواقعة احتجاز الأستاذ محمد القيرعي وإذلاله قبل نحو أسبوع, ولم أجد ما يستدعي الكتابة بالتعليق أو إبداء التضامن بخاصة وأن الرجل يشغل _ نظرياً_ موقعاً رفيعاً في السلطة "الثورية" إذ إنه عضو "اللجنة الثورية العليا" التي انبثقت من الإعلان الدستوري لتمارس السلطة الإجرائية في الدولة مؤقتاً ريثماً تنتهي من تشكيل المجلس الوطني (البرلمان) والمجلس الرئاسي, السلطة التنفيذية.

قبل أيام علمت أن قياديين رفيعين في الجماعة التي شكلت اللجنة أبدوا أمام زملاء تذمراً من فكرة استمرار هذه اللجنة (وأقله نوعية أعضائها) في ظل تنامي الضغط الدولي على الأطراف المتصارعة في اليمن من أجل تسوية سياسية ارتكازاً على القرار الدولي 2216, وقد ربطت تلقائياً بين واقعة احتجاز القيرعي وبين تعبيرات الاستياء الحوثية، لكن لم يكن هناك ما يستدعي التعليق على واقعة تتصل بصميم الكرامة الإنسانية لمواطن يمني مهما يكن مركزه ومنصبه.

مساء أمس أرسل لي صديق تسجيلاً بالصورة والصوت لجانب من واقعة الاحتجاز, وصباح اليوم الاثنين تصفحت التسجيل وهالني ما رأيت من انتهاك سافر لكرامة إنسان يمني من قبل مجهولين يقولون إنهم "انصار الله".

يصعب الاقتراب من بعض الانتهاكات بالتغطية والتعليق عندما يكون الضحية عاريا من أية حماية حتى من غطائه الثوري. والموجع أن التسجيل يظهر الصدع الكبير (كما هو الأمر غالبا) بين دعاوى الثورة وثقالات الواقع. بين الهرم الثوري المقلوب وبين الهرم الاجتماعي الراسخ رسوخ جبل نقم شرقي عاصمة اليمن الكبير!.

في التسجيل يظهر القيرعي المعنف عديم حيلة في مواجهة رجال، غير معينين دستوريا وقانونيا، يعنفونه وينهالون عليه بالأسئلة والإهانات. لقد اضطر إلى استخدام الترس "الثوري" في محاولته لكبح جماحهم وصد ثورتهم، هم, وقد اتضح له أن ترسه من "قش" بينما أسلحتهم من نار وحديد.

ليس هذا مقام التشفي من أحد.

ليست هذه الواقعة المناسبة لنقد خيارات القيرعي وتعييب قرار تعيينه من قبل سلطة الأمر الواقع الحوثية التي لا تمت إلى الواقعية بصل, هذا مقام استهجان الفظاعات, التي تمارسها الجماعة ضد الفرد، والميليشيا ضد الحق، والايدولوجيا ضد الكرامة الإنسانية.

لم يكن أحد ليولي كبير اهتمام، واقعة تحدث كثيرا في بلد يشيع فيه القتل بقدر ما تشيع فيه هيئات الفضيلة, لكن الحوثيين نشروا، مرة أخرى، "فيديو" يظهر فيه إنسان يمني مهانا ومعنفا من قبل مسلحين عديمي الصفة وتعصف بهم النقمة جراء سلوك رجل اعترضوا طريقة في نقطة تفتيش في العاصمة المستباحة، برا وجوا!.

يستدعي الفيديو المسرب عن رجل يشغل موقعا ثوريا رفيعا، طرح مسألة "السوية": ما هو العائد المتحصل للجماعة من تسريب فيديوهات مهينة كهذه؟.

يمكن صوغ المسألة مجددا على هيئة أسئلة كهذه, ما مركزية الفضيلة في مشروع جماعة إسلاموية، كأنصار الله، لإحكام السيطرة على المجتمع اليمني؟.

ثم هل هناك فروق بين حراس الفضيلة السلفيين وحراسها الحوثيين؟.

هل توجد فروق في التعاطي مع الضحايا بحسب مواقعهم في التراتبية الاجتماعية الراسخة لا بحسب مواقعهم في التراتبية الثورية (المزعومة)؟

ماذا سيفعل قائد جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي الذي يتسنم سدة الهرم الاجتماعي حيال رفيق الثورة الذي صعد في سياق سياسي واجتماعي متوتر، من قاع الهرم الاجتماعي إلى صدارة الواجهة الثورية للحوثيين؟.

ماذا كسب المهمشون اليمنيون (المكتوب عليهم بالولادة واللون، ملازمة قاع الهرم الاجتماعي) من شطحة ثورية دفعت بأحد منهم إلى راس الهرم الثوري ثم من هناك جرى إلقائه أرضا في ما يشبه العقوبات الوحشية التي كانت تمارسها الجماعات القبلية في فجر التاريخ البشري؟.

كيف سيأمن اليمنيون على كرامتهم في ظل "طهرانية" الجماعة التي لا تكتفي بإذلال المحالفين في المعتقلات السرية بل تتفاخر بإذلالهم عبر توزيع تسجيلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ما يشبه الإعدام المعنوي؟
وأخيراً.. هل في وسع الميليشيا أن تنتج ثورة حقا بلّ أن تصير دولة..؟