الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٩ صباحاً

"رِجَّالَة زَيّ الدهب"

ماجد عبد الهادي
الخميس ، ١٨ يونيو ٢٠١٥ الساعة ٠٤:٢٠ مساءً
في مثل هذه الأيام، قبل ثلاث سنين، فاز الدكتور محمد مرسي، الذي يلتف حبل المشنقة الآن حول عنقه، برئاسة مصر.

ولمّا كنت آنذاك، أغطّي الانتخابات، في مدينة الزقازيق، مركز محافظة الشرقية، فقد توجهت، فور إعلان النتائج، إلى مسقط رأس الرجل، ومرابع طفولته، وشبابه، أي قرية العدوة التي تبعد بضعة كيلومترات. هناك، كان ألوف القرويين، والقرويات، شيوخا ورجالا ونساء وأطفالاً، يعيشون لحظة فرح غامر، على الرغم من حال البؤس البادية على وجوههم، فيهزجون، ويهتفون، غير مصدقين أن أحد أبناء بلدتهم سيتولى أمرهم، بل أمر المصريين كلهم.

وإن أنسى، فلن أنسى ما انطبع في ذهني حينها، من مشاهد، دفعتني إلى التعاطف، لأول مرة مع الرئيس الجديد، بدءاً بغرفته "التاريخية" البسيطة المطلة نافذتها على "عشة الفراخ"، والمكسوة جدرانها بصوره الشخصية سجيناً في زنازين نظام حكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك، مروراً بعصامية شديدة الوضوح في حياة ذويه، وحتى فيض النشوة في عيون شابة صغيرة، من بنات جيرانه، قالت لي رداً على السؤال عن سبب سعادتها: "أنا فرحانة.. فرحانة قوي، عشان هو واحد مننا، وابن حلال، وطيب، وعارف وجعنا".

ما حدث من بعد لا يحتاج شرحاً، وإن اختلفت الرؤى والمواقف في شأنه. اتضح سريعاً أن حلم التغيير، في بنية الدولة، أعقد وأصعب، بكثير، من مجرد استبدال رئيس فاسد برئيس طيّب، على ما كان شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير يظنون.
ولعل صفة الطيبة هذه، ستصير لاحقاً، رديفة السذاجة، في أذهان الناس، كلما شاهدوا على شاشة التلفاز صور مرسي، ومقتطفات من خطاباته، قبل إطاحته، وخطفه، ومحاكمته، ثم الحكم عليه، أخيراً، بالإعدام شنقاً حتى الموت.

"إوعوا حد يضحك عليكو" قال للمصريين يوماً، بينما كان ينزلق نحو الوقوع في ما حذر منه، ويقول؛ "عندنا رجالة زي الدهب، في القوات المسلحة.. زي الدهب".

تُرى؛ هل كان مرسي مجرد رجل ساذج يحلم باللامعقول، أو يهذي بإمكانية أن يدين له جنرالات الجيش، والدولة العميقة، بالولاء فعلاً، أم كان يضمر في بطنه، وهو ابن الحضارة المصرية العريقة، والأستاذ الجامعي في هندسة المواد (الفلزات والمعادن) معنى آخر للذهب، سوى هذا الشائع بين العامة، عن قيمته المادية؟

تعالوا لنخرج قليلاً عن النص السياسي، ونرى:
في كتاب تفسير الأحلام، لابن سيرين، جاء أن رؤية الذهب في المنام لا تُحمد، لكراهة لفظه، وصُفرة لونه. أما تأويل مثل هذا الحلم فحزنٌ وغُرم مال. ومن رأى أنه لبس شيئاً من ذهب ذهب منه ماله، أو أصابه هم، أو غضب عليه السلطان. ومن رأى بيته مذهّباً أو من ذهب، وقع فيه الحريق.

ويقول تاريخ الفراعنة إنهم كانوا يصنعون من الذهب توابيت ملوكهم، كما صنعوا منه ما يوصف بأنه أحد أجمل الأقنعة التي عرفتها البشرية، وهو قناع الفرعون توت عنخ آمون.

أما علمياً، فيُعرّف الذهب بأنه عنصر كيميائي، ليّن، لامع، أصفر اللون، ذو ملمس ناعم، ولا يتأثر بالهواء والحرارة والرطوبة، وهو يوجد في الطبيعة على هيئة حبيبات داخل الصخور، وقيعان الأنهار، ويتميز، عن بعض المعادن المشابهة، بقابليته للطرق والسحب والتشكيل، وعدم قابليته للذوبان في الأحماض.

على أي حال، وأياً كان المعنى الذي راود مرسي، وهو يصرّ على تشبيه جنرالات الجيش بالذهب، فإن ما انتهى إليه على أيديهم لم يعد يسمح بقبول مثل هذا التشبيه، إلا إذا كان المقصود به هو ذاك القناع الأصفر، الليّن، الأملس، اللامع، الذي يرتديه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويراه كثيرون كابوساً ينذر بحرق مصر.

"العربي الجديد"