الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٧ صباحاً

نصف اليمن في "العربية" والنصف الاخر في "الميادين"

منى صفوان
الثلاثاء ، ٢٣ يونيو ٢٠١٥ الساعة ١١:٣١ صباحاً
اخذ اليمنيون فضائحهم الثقيلة معهم الى “جنيف”، وعادوا بها اكثر ثقلا، كانوا قبل “جنيف” مشغولين بعاصفة الحزم، وبعدها انهمكوا بعاصفة “الجزم”، فبعد معركة الاحذية خلال المؤتمر الصحفي، استحوذ “رمي النعال” على اهتمام اليمنيين واعلامهم، لدرجة انهم نسيوا لماذا ذهبوا الى جنيف اصلا.

وبعد الانتهاء من التراشق بالاحذية، عاد الوفدان بخفي حنين، وزاد انقسام اليمن الذي كان ما بين مؤيد للعاصفة وضدها، ومع الحوثيين وضدهم، ليضم انقساما جديدا.. في خارطة الصراع اليمني، فقد انقسموا بعد جنيف الى نصفين، نصف مع الحذاء والنصف الاخر ضد الحذاء.

اما من لم يصنف ضمن قائمة الاحذية، فهو في اسوأ مكان في الجحيم كما قال “مارتن لوثر كينج”، في تصنيفه لمن يبقون على الحياد في اوقات المعارك الاخلاقية العظيمة. وهل هناك معركة اخلاقية أعظم من التراشق بالاحذية، امام عدسات الاعلام، والرد عليها بأدب الاختلاف بتفجير بيوت الخصوم.

خلال هذه العواصف الاعلامية فضل كثير من اليمنيين وقليل جدا من الاعلاميين البقاء في “اسوأ مكان في الجحيم” والمحافظة على الحياد في هذه “المعارك الاخلاقية الكبرى”، ووحده المواطن العادي من كان يعول على جنيف لاقرار هدنة في رمضان ليصوم الشهر الفضيل بهدوء وسلام ، دون ان يتوقع اي تسوية، أو يحلم بأي حل نهائي للكارثة اليمنية، ولسان حاله يقول: “لو كانت شمس، كانت امس, فلوكان الحوار سينجح، كان نجح في اليمن”.

فمؤتمر “جنيف” لم يكن احد ليعول عليه، ولا حتى منظموه، فهو ليس اكثر من مؤتمر وتجمع اعلامي، يسقط اولا مسؤولية الامم المتحدة في رعاية الحوار اليمني. ويقدم السعودية كحريصة على الحل اليمني، وان هذه الحرب، ما هي الا ازمة داخليه، وكذلك يعطي فرصة للحوثيين لكسر الحصار الاعلامي والسياسي، والتوجه لعدسات الكاميرا العالمية، بعدما رتب لهم الجانب الايراني عدة لقاءات اعلامية، وجولة حقوقية في المنظمات الدولية.

لقد استفادت اطراف الصراع جميعا من الرحلة “الجنيفة” الا القابعين في اسوأ مكان في الجحيم، حيث ينتظرون هدنة، او وقود ييسيرون به حياتهم، او مساعدات طبية وغذائية عاجلة.

هؤلاء غير مرئيين في الاعلام، انهم بنصف وجه في كل شاشة، لا توجد شاشة تظهر الوجه الكامل لليمن، فالاعلام “الحربي” تقاسم الدم اليمني، انه طريق سريع وقاتل، وذو اتجاه واحد، لايقبل ان يكون فيه حتى ممر للمشاة، بعكس اتجاه السير.

كل اعلام ، ذهب الى المعركة “الاخلاقية العظيمة” حاملا معه مراة، ليرى نفسه ويسمع صوته، ويقدمها بوصفها الراي الاخر، سواء الاعلام الايراني او السعودي، وما يندرج تحته من اعلام يمني ممول.

لكن الملاحظ ان الاعلام السعودي – الخليجي، هو الاقوى والاكثر تاثيرا وانتشارا، ويبقى المال الاعلامي- الايراني الاقل قدرة على المنافسة، لهذا كان “جنيف” فرصة لكسرالحصارالاعلامي والسياسي لجماعة الحوثيين وصالح، لنشر فضائع الحرب السعودية على اليمن، وابرازالصور والتقارير التي تؤكد استخدام المملكة لاسلحة محرمة دوليا، بنفس الوقت الذي تشن فيه “حركة الحوثي وصالح” حربا ضروس في عدن وتعز ضد خصومها، دون احترام لحرمة المدنيين وبيوتهم او حتى لبيوت الله، خاصة في الشهر الكريم، الذي ثبتت رؤيته بتطور نوعي في العمليات، بتفجير المساجد في صنعاء، من قبل “القاعدة” ، وهو ما يعني ان الامور تسير الى مرحلة اللاعودة.

وبمناسبة اللاعودة، فان اعضاء الوفد الحوثي ” العشرون ونيف” المشاركين في جنيف فوق العدد المصرح به، لن يعودوا جميعا الى اليمن، فقد كان “المؤتمر الفاشل” فرصة لخروجهم والبدء بجولة ناجحة اعلاميا في روسيا واوروبا، والقاهرة، وطبعا بيروت وايران.

في محاولة لايجاد التوازن الاعلامي والسياسي امام السعودية، التي فقدت السيطرة الحربية في اليمن، وتورطت اكثر مما كانت تعتقد، وذهبت الى النقطة التي اوجعت فيها نفسها، لتشن عليها حرب يمنية تهدد امنها وحدودها، في الوقت الذي يقصف فيه الطيران السعودي السماء اليمنية، فالحدود مشتعلة والامن الداخلي مهدد من قبل داعش، وهذا الخطر لايدق ناقوسه في الاعلام السعودي، ويبالغ في تصوير نتائجه في الاعلام الايراني.

لتكون الحقيقة.. نصف حقيقة، ونصف وجه، ونصف تقرير، ونصف نشرة، ونصف برنامج، في القنوات السعودية والايرانية. لكن الحقيقة، ان هناك ابرياء يقتلون من الجانبينن سواء بالقصف السعودي، او القنص الحوثي.

مدنيون يسقطون، وتسقط على رؤسهم بيوتهم، حتى الاثار اليمنية التي يمتد عمرها، لعمر وتاريخ البشرية تستهدف لاول مرة في تاريخ البشرية، ولكنكل اعلام يظهر فقط نصف الصورة التي ترضيه.

تسيس الدماء اكبر جريمة ارتكبها الاعلام بحق اليمن، وقبله بحق سوريا، والعراق، جريمة تسيس الدماء، هذه تهمة جديدة تضاف الى التهم التي يجب ان يحاسب عليها الضمير الاعلامي الجمعي.

وان كان من حق الاعلام ان يتبنى قضية او موقف سياسي، فانه ليس من حقه اطلاقا، ان يوظف دماء الناس لخدمة موقفه السياسي، ويتحدث عن نصف الناس بصفته يتحدث عن كل من في الصورة. لقد وصل الجرم الاعلامي لدرجة اطلاق صفة “الشهيد” على من يسقط من الضحايا من الجانب المؤيد، وصفه المقتول او الارهابي على من يسقط من الجانب الاخر. فمن يملك حق تقديس الدم او اهانتة؟

في الحقيقة نجح “جنيف” في اثبات ان الحل ليس يمنيا، وان الحوار يجب ان يكون ايراني –سعودي، تحت سقف القضية اليمنية ، والسورية، والعراقية. وهنا ياتي دور الاعلام في تقريب وجهات النظر، دوره في الحفاظ على ما تبقى من الاعلام الموضوعي، وليس المحايد، الذي يمكنه ان يقوم بالمهمة، وعينه على ما تبقى من الوطن.

ان الحرب الايرانية – السعودية تدور في كل مكان، الا ايران والسعودية، والاعلام اهم سلاح في هذه الحرب، واهم ورقة للحل.