السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥١ صباحاً

96 ساعة بمنفذ الوديعة

محمد العميسي
السبت ، ٠٤ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٢٠ مساءً
لم يسبق لي أن عبرت منفذ بري. فكل رحلاتي "المحدودة" كانت عبر منافذ جوية. بمعنى أخر لا أعلم ما هو الوضع الطبيعي عادتاً في المنافذ البرية.

وصلنا منطقة شرورة الساعة الثالثة ليل الأحد بعد سفر 1700 كيلوا متر. كان السؤال عن اخبار المنفذ هو أول ما قمنا به عند أول استراحة بمدخل المدينة. علمّنا حينها أن المنفذ مفتوح في الاتجاهين على مدار أربعة وعشرين ساعة طوال الأسبوع.

كنت متحمس جداً للذهاب للمنفذ ويبدوا أن الإرهاق جعل رفاقي في هذه الرحلة يفضلون البقاء في المدينة حتى الصباح. ولحسن الحظ استقبلنا زميل أحد رفاقنا واخذنا إلى مكان للنوم.

استغرقنا في النوم وفي الواحدة ظهراً وصلنا المنفذ الذي يبعد عن مدينة شرورة 50 كيلو متراً. يقع المنفذ في قلب الصحراء ويبدوا أنه منفذ لعبور البضائع وغير مجهز بشكل جيد لعبور المسافرين. لا يدرك من يصل في نهار رمضان أنه لا يوجد في الجوار محلات بقالة أو حتى مسجد.

قال أحدهم رداً على سؤالي – هل يوجد مسجد قريب؟ – قائلاً لا يوجد شجر أنظر الناس تستظل تحت الناقلات. في الجوار سلسلة طويلة من الناقلات التي لا يبدوا انها تعبر بل تطول السلسلة بين الساعة والأخرى.

قال أحدهم في الداخل هناك مسجد وخدمات كاملة – في الداخل يقصد خلف البوابة – حين تتوجه إلى البوابة تقابل مباشرة بالإبعاد عنها عشرات الأمتار. بعد أن منعنا الجنود من الاقتراب من البوابة ورفضوا حتى تقبل الأسئلة وأثناء عودتنا للخلف قال لي شاب ينتظر قدوم زوجته " عندما تتغير وردية الجنود تستطيع السؤال والدخول احياناً أنا هنا من أربعة أيام" لم أدرى هل أتفاءل بتغير الوردية أم أتساءل عن الأربعة الأيام التي قضاها ولماذا. كان واضح أن صبر شرطة المنفذ قد نفد فالفوضى الحاصلة لا تحتمل.
يقول أحد رفاقي لماذا لا يتم ترتيب الناس وسيكون الامر أسهل. لاحقاً عرفنا أن ازدحام شديد حاصل داخل المنفذ.

كل ساعتين أو ثلاث تعبر سيارة إسعاف البوابة مسرعة باتجاه شرورة كانت ترفع منسوب التوتر إلى درجات غير مسبوقة لاحقاً عرفنا أنها لجرحى يتم إدخالهم من اليمن للعلاج.

كنا نتقاطر لاستقبال من يخرج من البوابة لمعرفة الاخبار داخل المنفذ والإجراءات أيضاً. أحدهم اكتفى بالإشارة إلى ملابسه التي يصعب تحديد لونها بسبب الاتربة والاوساخ التي عليها. وقد كانت إجابة كافية وغير مطمئنة.

في الاثناء عرفنا من أحد العابرين أن قراراً جديداً أتخذ. يقضي بضرورة تواجد حاملي التأشيرات لإتمام الإجراءات. قبل هذا القرار كان بالإمكان انهاء الإجراءات قبل جلب الوافدين بالذات العوائل فالوضع سيء جداً بالمنفذ.

الخارجين باتجاه اليمن كان لا يسمح لهم دخول البوابة إلا بسيارة. وحسب من دخلوا للمنفذ أن هناك عدد من البوابات بين كل بوابة وبوابة 1 الى 2 كيلوا متراً. ويبدوا أن دخول الأشخاص بدون سيارات كان يزيد من الازدحام بالداخل بسبب طول المسافة وانتظارهم لسيارات.

في الصباح عدنا وسمح لنا بالدخول كنا ثلاثة اشخاص قررنا عبور أحدنا الى المنفذ اليمني وبقاء واحد داخل المنفذ السعودي والأخر بالجانب السعودي.

في الساعة التاسعة صباحاً وصلت العوائل إلى المنفذ اليمني واستقبلهم رفيقنا المتواجد في المنفذ اليمني بعد خروجه. و رفيقنا الاخر كان يحاول إتمام الإجراءات.

كنت في الجانب السعودي وبتواصل مستمر معهم بعد ساعات فقط أصبحت ردودهم على الجوالات تظهر التوتر الحاصل بالداخل. كنت فقط أسئل هل هناك جديد فيكون الرد لا.

سبق وعلمنا أن أخبار الاشتباكات التي تصل أحيانا في الواقع إنها رصاص يطلقها الجنود في السماء لتفريق الناس بسبب التدافع.

حين عاد رفاقي قالوا ينام الناس على 20 سم من المخلفات ذكروا أمور أخرى مهولة.

اثناء الانتظار... التقيت أحد الخارجين من البوابة وقبل سؤالي بادرني بسؤال اين أقرب محل اتصالات؟! لقد كان مذعوراً ومتوتراً إلى درجة أنه سألني وهو مواصل السير. استوقفته وحاولت تهدئته عرفت منه أنه عبر لكن زوجته وابناءه باقيين داخل المنفذ. تحمل زوجته وابناءه جنسية عربية أخرى وتعمل في الأمم المتحدة طمأنته سيكون الامر على ما يرام في هكذا وضع يأخذ الناس كل عبارات التطمين على محمل الجد لأنهم لا يجدون خياراً أخر.

اخذته إلى السيارة وبعد أن هدئ وتواصل مع أهله قال وهو ينظر للبوابة "تعود إليك الروح عندما تخرج من هذه البوابة. هذا البلد أصبح جهنم! " دُمر بيته في تعز بسبب الاشتباكات الدائرة حوله واحرقت شقته في عدن وترك حقائب الملابس خاصته واسرته في الطريق. قال خرجنا من المنفذ اليمني بهذا وأشار الى ثوب يرتديه يبدوا أنه كان ابيضاً.

الساعة التاسعة ليلاً ولا يزال رفاقي في الداخل منتظرين الإجراءات بعد أن عبروا المنفذ اليمني ووصلوا الى ما اسموه بوابة السلاح. بوابة السلاح هذه كما يبدوا هي البوابة التي تتم فيها الإجراءات تقع بعد بوابة واحد تقريبا من الجانب اليمني.

بمجرد أن عبروا البوابة اليمنية ودخلوا البوابة الأولى في المنفذ السعودي احسسنا بالارتياح كأننا خرجنا من ساحة معركة. فبين لحظة وأخرى كنت استحضر أخبار رواها لي واحد من أخر القادمين عبر منفذ الطوال حيث أخبرني أن الحوثيين سمحوا لهم بتجاوز نقاطهم بمقابل مادي وبمجرد ان وصلوا المنفذ السعودي أطلقوا عليهم قذائف "أربي جي" كان ذلك سببا في اشتباكات واغلاق المنفذ تماماً.

في المنفذ يصغي الناس إلى كل من يتحدث بل تتطفل أحيانا على مجموعة لتعرف منهم أي خبر مبشر. كل الأخبار كانت مكررة ونعلمها تقريبا من أول لحظة وصلنا فيها المنفذ. لكنني استمريت كالجميع للإصغاء إليها لمدة ثلاثة أيام ربما لأنها الشيء الوحيد إلى جانب التوتر والقلق الذي يمكن أن تعمله.

يقول أحدهم يستخدم الجنود العصي والصعق بالعصي الكهربائية أحيانا وأحيانا يطلقوا الرصاص.

سألني رجل يبلغ الستين من عمره تقريباً هل سيُدخلون عائلتي "هم ليس لديهم تأشيرة"! عرفت منه أيضا أنهم لا يمتلكون جوازات. في الجانب الاخر وعلى البوابة اليمنية يقف آلاف الأشخاص الكثيرة منهم لا يحملون جوازات والبعض ليس لديه حتى بطاقة شخصية.

احياناً يتسللوا من تحت الشبك هكذا قال رفيقي. قال شاهدت 4 اشخاص بينهم امرأة تسللوا من فتحة في الشبك وأُلقي القبض عليهم من قبل الجنود السعوديين.

أمامي على الجانب السعودي كانت تمر سيارات "شاص مقفصة" تتبع حرس الحدود مليئة بالمتسللين.

وفي كل هذا يرد سؤال؟ أين الرئيس والحكومة اليمنية من هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها الناس؟
لا يدرك حجم المأساة والمعاناة إلا من يعايشها ويصعب أن تصف الوضع باي عبارات. قالت زوجتي لقد شاهدت عدد كبير من الحقائب مرمية يبدوا أن أصحابها تخلصوا منها. وتكمل شقيقتي أيضا تخلصت من احدى الحقائب وكانت تريد التخلص من بعض الحاجيات الموجودة لولا اصراري عليها بإبقائها. في الواقع لقد رموا الحقائب لساعات إلا أن مرور إحدى السيارات جعلتهم يضعوها عليها.

حتى الحقائب التي تصل إلى الجانب السعودي تصبح غير صالحة للاستخدام وتضطر لتغييرها. أما عن الناس فيكفي أن تعرف أن أحدهم أخبرني بأنه عاد من المنفذ بعد أن توقف طفله ذو الـ 5 أشهر عن البكاء قال ظننته مات! اسرعت إلى مكان فيه قليل من الظل وصببت الماء على وجهه فاستفاق. ربما أصيب بإغماء بسبب الحر. ويكمل لقد اتيت هذا الصباح الى الجنود السعوديين وأنا يائس. أردت أن اسألهم قبل عودتي النهائية دون رجعة فقد عدت سابقاً إلى المكلا. لكن فاجئوني بإدخالي. اتضح لي أنهم لم يكونوا يدققوا في الأوراق طيلة الخمسة الأيام السابقة هكذا يقول.

حين وصلت عائلاتنا إلى الجانب السعودي انطلق رفيقي بالسيارة بسرعة بالكاد لحقته كأنه لم يكن خارج من المنفذ بل فار من الجحيم. وحين بحثنا عن مكان للسكن اتضح لنا أن جميع الفنادق ممتلئة المساجد أيضا حين تزورها تجدها مكتظة بالنائمين. تعكس هذه الأوضاع حجم الكارثة في اليمن كما تعكس عجز وفشل الحكومة الحالية حتى عن توفير ابسط الاحتياجات فحين تفكر في حل هكذا مشكلة لن تكلفك سوى بضعة ملايين من الريالات.

وتبقى الأسئلة لماذا لم يعمل مخيم لأولئك الأشخاص الذين لا يحملون هويات لماذا لم يتم تنظيم الناس بشكل أفضل ولماذا لا تنتدب الحكومة اليمنية مجموعة ليساعدوا في ترتيب الناس بدل أن يستعين الجنود السعوديين بجنود يمنيين لترتيب الصفوف فيأتوا الى المسافرين بألفاظ جارحة ومتطاولة. هل هؤلاء الناس من شعب الرئيس هادي؟ هل هؤلاء بشر لتلتفت لهم منظمات الإغاثة؟

وهنا أسرد بعض التفاصيل لمن قد يهتم في ذلك:
للدخول للأراضي السعودية تحتاج أن تكون حاصل على تأشيرة عمل أو تأشيرة زيارة أو تأشيرة لاحد البلدان (البعض يتحدث عن تركيا وروسيا وماليزيا والأردن ودول الخليج فقط) يمنح أصحاب التأشيرات لبلدان أخرى تأشيرة عبور مدة صلاحيتها 15 يوماً فقط. لا تقبل أي تأشيرات إلكترونية للمسافرين إلى بلدان أخرى بل لابد من تأشيرة على الجواز. لا يسمح بالدخول الى المنفذ من الجانب السعودي إلا للحاصلين على تأشيرة خروج وعودة من المملكة. ولا تتم الإجراءات إلا بوجود أصحابها (العوائل أو المسافرين).

لا صحة للأخبار التي تتحدث عن السماح بدخول الأشخاص بالبطائق الشخصية أو الجوازات فقط.