الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٣ صباحاً

نعم.. غادرت صنعاء خائفا.!!

فهد سلطان
الاثنين ، ٠٦ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
21 نقطة امنية، تفتيش وقوائم مطلوبين، وبفضل من الله تعديت كل ذلك بسلام، رغم الخوف الذي كان يخيم على الطريق بين كل لحظة وأخرى.
مؤلم أن تغادر بلدك وموطنك ﻻنها لم تعد آمنة بالنسبة لك، وأن تكون صحفيا في بلد ينظر للصحفي كمخبر يتوجس الجميع من حولك، في عدم استشعار للدور الذي تقوم به.
قبل أيام كان عدد من الزملاء الصحفيين عرضة للخطف وهم الان مغيبون في سجون الحوثيين وكل جرمهم انهم صحفيون لا اكثر.
وهنا تحديدا فأن المغامرة ودفع فاتورة البقاء واللامبالاة في مدينة كصنعاء ستكون الكلفة باهضة.
قبل رمضان بأسبوع واحد وأثناء عودتي من مكان لا يبعد عن البيت نصف ساعة اشتبة بي شخص حاول التعرف بشكل غريب ، كان ذلك مع أذان العشاء، تصرفاته الغريبة اقلقتني وحديثه بأنه معجب بشجاعتي على قناة السعيدة ،محاولا الحديث معي وهو يتلفت كمرتبك، ابعدت يده بالقوة وقطعت الشارع؛ وقطعه خلفي وكانت خطواتي اسرع، وغبت سريعا في زقاق احدى الحارات حتى وصلت البيت.
بقيت في صنعاء بعد سقوطها في 21 سبتمبر من العام الماضي ولن انسى ايقاف سيارتي بجوار قناة سهيل اثناء عودتي من منزل وزير الداخلية حينها اللواء عبده حسين الترب واشهار السلاح بوجهي واخراجي من السيارة.
اوقفني المسلحين فخرجت زوجتي بلغتها الصنعانية وسحبت يدي بقوة الى داخل السيارة ودفعت احدى المسلحين بسلاحه، وغادرت المكان بسلام.
وزاد الخوف بعد اقتحام المدن وعشت أيام عصيبة خلال الشهرين الماضيين، ولولا النصائح من زملاء والتهديدات التي تركزت خلال الفترة الاخيرة لما تركت صنعاء.
غادرتها مع ساعات الفجر الاولى صباح اليوم متوكلا على الله، ولم اعيش لحظات لغربة مؤلمة ولم أكن اتوقع بأني ساجهش بالبكاء لفراقها الا بعد أصبحت بعيدا عنها.
في صنعاء ذكرياتي التي لا تنتهي والتي بدأت مع عام 96 كاول مرة اصل اليها..عشت فيها طالبا ثم جنديا لاداء الخدمة العسكرية بينها وبين عمران ثم طالبا في الجامعة وتزوجت احدى بناتها وها انا اغادرها ولا اعرف متى سأعود اليها ثانية.
صنعاء وخلال 8 اشهر لم تعد أمنة، ولا هي التي غمرتنا بالحب والحنين لسنوات، لم اغب عنها منذ أن وطئتها أول مرة اكثر من شهرا كاملا.
الآن اغادرها وقد يطول الغياب، صنعاء اليوم لن يصفها الا من عاش لحظات الاجتياح وشاهد تفاصيل الحياة القاسية بحثا عن القوت الضروري ومتامل في حكامها الجدد.
في صنعاء متارس ومليشيات وطوابير طويلة ، تقرا الحزن ممزوجا بخوف ونقمة على وجوه الناس، مع تحليق الطائرات ستهتز البيت وإن كنت تشعر انها تقصد البغاة الا ان راجع المضادات يخطف الناس وهو حديثهم وخوفهم اكثر من الطائرات ذاتها.
في صنعاء يجلس الناس على طوابير طويلة للحصول على أشياء الحياة ، في حين سيخرق النظام شخصا او اثنين يقال من انصار الاله لا يجري عليهم ما يجري على الناس.
امتعض احد اخواني من هكذا تصرف مستفز امام احدى المحطات فاوقفه شخص مجاور .. لن تفعل شيء وسيهرق دمك دون ان تكون قد اوصلت صوتك او اوقفت العبث.
بالأمس أكتب أني متجها لتعز موطني الأول ولكني في ساعات الصباح كانت سيارتي باتجاة خط مارب شرق اليمن.
ثلاث ساعات ونصف الساعة قصيرة وطويلة ومفعمة بالخوف ، هناك على جانب كل نقطة عدد من السيارات تفتيش للمسافرين ، احد المسافرين يعبث بشعر رأسه يبدوا انه استفز وظلم وقهر ايصا، كان يتوسل المسلحين رمقته عيني ولم استطع فعل شيء ﻻني تحت رحمة القدر ايضا.
النقاط الأمنية الكثيرة والنظر الى المسافرين بالشك والريبة وتفتيش كل شيء معك شيء يتكرر مع كل نقطة.
لقد كنت موفقا في سفر عبر مشورة من صديق مساء امس خففت الخطر عني بكل كبير والحمدلله.
احد المرافقين لي هو اخ الزوجة الاصغر هو من سيعود بالسيارة الى صنعاء ، هو معجب بعبد الملك بشكل غير طبيعي ويعد نفسه منهم من الخوثيين، يربطني به احترام متبادل، عندما وصلنا الى اخر نقطة للحوثيين كانت خطوط الكهرباء مقطعة وسيارات الحوثيين ودبابات وعربات تحاصر المكان من كل اتجاة.
ذهل قريب زوجتي المتحوث مما يحصل ، صعق عندما اكتشف بأن الذي يقطع الكهرباء ليس الدواعش ولكن انصار الله الخوثيين، حاول ان يوقف السيارة ليلتقط صورة ، يريد كما يقول أن ينقل الحقيقة الى الناس.. قلت له الجميع يعرف تماما ان الذي يعاقب الناس هم الحوثيون ولكن هناك من نحتاج الى ايصاله هنا ليصدق واخر لا يستطيع فعل شيء.
في الطريق الان الى أرض الله الواسعة بحثا عن وطن وبلد نلتمس فيه الأمن ، تعيش فيه مواطن تحترم فيها آدميتك.
مؤلم أن تكون وطنك غير أمنة لك ولأهلك فتظطر تركها والخروج لا تعرف الى أين.
اقسم باقدس المقدسات أني وصلت مأرب لا اعرف الى أين سأصل ودخلت المدينة وخرجت منها ولا اعرف لي وجهة ، رمقني جندي في احدى النقاط يقول لي الى اين بعد مأرب من هنا لا يوجد أمان عد الى المدينة.
فتشت تلفوني وتذكرت اصدقائي ووقع نظري لجندي اتصلت به اجاب انا بجوارك توقف .
اخيرا غادرت صنعاء ووصلت مأرب المحطة الاولى ولا اعرف الى كم ستستمر رحلتي حتى اصل المحطة الاخيرة.