الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٠ صباحاً

رسالة القلم ...وأمانة الأنامل ...

محمد حمود الفقيه
الجمعة ، ٢٥ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٦:٤٠ صباحاً
يقال ان أول شيء خلق القلم ، القلم الذي أنزل الله فيه سورة مسمية باسمه حيث قال الله تعالى فيها : ( نون ، والقلم وما يسطرون ) صدق الله العظيم

ان هذه الآية الكريمة التي توضح دلالة القسم الرباني بالقلم وما يسطرون ، والله تعالى لا يقسم إلا بشيء عظيم ليدل به على عظمة خالقه سبحانه وتعالى ، لذلك فإن رسالة القلم عظيمة أيضا.

لذا لا بد على الذي يستخدم القلم ان يراعي هذه العظمة فلا يستخدمه إلا في شئ ينفع الناس به ، وليحرص كل كاتب ان تكون كتابته ذات مقاصد عظيمة ورؤية كبيرة بما يعكس دور القلم الذي يكتب به ، فالقلم عظيم والذي خلقه أعظم ، والإنسان الذي يستخدمه يجب ان يحمل رسالة عظيمة تجاه العالمين ، ذلك ان ماكتب بالقلم سيعرفه الكثير من بني آدم فلابد للمطلع على السطور من القراء ان يستفيد منها وهذه هي الغاية من وجود القلم في أيدي من يستخدمونه ، فالرسالة التي وكل بها وحملها القلم هي رسالة كبيرة رسالة مستمرة لاتنتهي الى قيام الساعة.

وقد بين الله سبحانه وتعالى أوجه الخير والشر في استخدام القلم عندما تحدث القرآن الكريم عن أحبار اليهود ورهبانيتهم قال تعالى فيهم : (( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )) صدق الله العظيم ،، هذه دلالة أوجه الشر والانحراف الذي تمت في وظيفت القلم ورسالته المناطة به ، وبهذا الانحراف تغير مجرى التاريخ ، خاصة انه حصل تغيير لسنن من سنن الله تعالى ، وهو _ قلب الحقائق المتمثلة في تبديل الكتاب المقدس الذي أنزله الله على موسى وعيسى عليهما السلام ، فنتيجة هذا التحريف والتزييف والتبديل والذي تم عن طريق رحبانهم وعلمائهم ، تاهت الانسانية وتأه الجيل الذي أتى من بعدهم وزاغ عن الطريق المستقيم ، فاختلطت المفاهيم لدى الكثير من الناس وصل منهم الكثير حتى عبدوا الطاغوت والأوثان ، وحتى وصل بهم هذا الانحراف الى حد الشرك بالله سبحانه وتعالى ، فوصلت بهم عقيدتهم المنحرفة الى الادعاء الباطل ان عيسى هو الإله تعالى الله عما يصفون ، قال تعالى :(( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب )) صدق الله العظيم

لذلك فقد عمل أولائك الذين كتبوا الكتاب بأيديهم على تغيير حقيقة ربانية أدت الى ضياع المليارات من الناس ، لا يعلم مصيرها في النهاية إلا الله .

وكذلك من أوجه الشر التي سببها الاستخدام الخاطئ للقلم ، الدساتير الوضعية المختلفة والنظريات البشرية التي لا تستند على أدلة حقيقية من الواقع ، بل كتبتها أيدي مستندة على الأهواء والمزاجيات المنفردة التي ترافق أصحابها ، فنتيجة الانتشار لهذه النظريات بين الأمم طبقت على أرض الواقع في مختلف المجالات ، من هذه النظريات ان شئنا ان نسميها _ نظرية التنجيم والمنجمون ، هذه الخرافات أوصلت المفاهيم الخاطئة لدى كثير من الناس حتى ان البعض منها وصل الى الادعاء بالغيب وما سيحدث مستقبلا ، وهذا زيف وانحراف عن الحقيقة ، فالغيب لا يعلمه إلا الله وحده ولا أحدِ سواه ، ومنها أيضا الدساتير والقوانين التي سجلتها أيدي البشر ، وعملت على انتشارها وتطبيقها في واقع الحياة ، وهذه الدساتير المتنوعة قد أخلت بمجريات حياة الانسان ، حتى صارت حياة الانسان أسيرة تلك النظريات والدساتير الوضعية ، منها ما يدعو الى الحرية المطلقة ، ومنها ما يدعو الى هدم الأخلاق الانسانية ونزع الحياء ، لا سيما في المجتمعات الغربية ، كل هذه السلوكيات التي تحدث حتى في عالمنا اليوم هي نتاج فلسفة مزاجية وأهواء لا تستند على أدلة واقعية أو حتى أدلة تطبيقية ، إذا فكثير من الفلاسفة الذين سطروا بعض النظريات المفيدة لم تحرم الانسانية من تلك النظريات مثل أرسطو سقراط وأفلاطون .

مر الانسان في حقبه تاريخية مظلمة قبل الإسلام ، يعاني القتل والشرك وعبادة الأصنام بعيدا عن عن الخالق تبارك وتعالى ، حتى جاء الإسلام وبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أنزل الى رسوله كتابا من السماء بواسطة جبريل عليه السلام رسول الوحي الأمين ، فتحولت حياة الانسان الذي ضل يعاني من ويلات الضلال والفساد والضياع ، الى حياة عزيزة كريمة بفضل الدستور الإلهي الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام وهو القرآن الكريم ، فاخبرنا القرآن الكريم عن مدى وعمق الظلمات التي مرت بالبشرية كلها منذ ان خلق الله الأرض ومن عليها ، والقرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد الذي حفظه الله تعالى الى قيام الساعة ، ذلك ان الكتب السماوية الأولى من قبله ، تعرضت للتبديل والتأويل والتحريف من قبل الانسان نفسه ، على أيدي من أنزل اليهم ، فهؤلاء المحرفون والكتاب والمبدلون خانو المولى عز وجل ، ولم يبلغوا كتابه الكريم كما أنزل بل سعو الى تغيير كلماته ومعانيه حسب أهوائهم ومزاجياتهم حتى ضلوا أنفسهم واضلوا الناس من بعدهم قرونا من السنين .

نأتي الى سنة السول صلى الله عليه وسلم ، فقد عمل الرواة والذين هم من الصحابة رضوان الله عليهم على كتابة الأحاديث النبوية الصحيحة ، ومن الصحابة الذين نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم _ ابن عباس رضي الله عنه فقد نقل الحديث على حقيقته من دون زيادة أو حذف لكلماته ، ولهذا اثر كبير في حياة الأمة الإسلامية ، إذ ان نقل الأحاديث الصحيحة السليمة في سيرة الرسول الكريم وأوامره ونواهيه دليل واضح على صدق هؤلاء الرواة وأمانتهم السليمة ، نتيجة ذلك وصلت الكلمة بحقيقتها الى عهدنا اليوم ، واستفاد منها المجتمع الإسلامي في حياته ، غير ان الذين مارسوا تبديل الكتاب المقدس في الماضي وتحريفه ، ظهروا من جديد بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ، لكنهم هذه المرة اختلقوا أحاديث باسم النبي صلى الله عليه وسلم ظلما وبهتانا ، وحرفوا حقائق التاريخ الإسلامي ، حتى استطاعوا ان يحدثوا شرخا كبيرا في جسد الأمة المحمدية ، فتفرق جمعها وتستت شملها وأصبحت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ستتفرق امتي الى بضع وسبعون شعبة كلها في النار إلا وحداة ] وهذا ما حصل بالفعل في أمة الإسلام ، فقد ظهرت الطوائف المتعددة والحركات المختلفة وكل يدعي انه صاحب الحق المبين مستندا الى ما وصل اليه من نقل الرواة وكتبهم ، حتى ان واحدا من كتاب الحديث زور أكثر من أربعة آلاف حديث باسم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا عندما سيء استخدام رسالة القلم وعدم الشعور بأمانة النقل والكتابة حصل الذي حصل ، تفرقت الأمة وتقطعت بها السبل كل أنا بما فيه ينضح ، حتى أدركتنا هذه المرحلة اليوم ونحن مشتتي التفكير متخبطي المسير لا نعلم الى أين المستقر ، ولولا ان الله جل في علاه حفظ كتابه الكريم القرآن الكريم الى يوم الدين ، لكان الأمر أسواء من ذلك ، لكننا لا ننسى كذلك ان طريق الحق واضح ومبين وقد عمل الأجلاء من الصحابة الكرام على نقل أجاديث النبي عليه الصلاة والسلام كما هي كما تحدث بها صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا ، ومن أولائك الرجال ابن عباس وغيره ، وكما تعلمون فقد عمل كل من البخاري ومسلم على جمع الأحاديث الصحيحة في أكثر من عشرين سنة. ونقلها إلي اتباعهم كما وردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة .

نأتي الى موضوع كتابة ووضع الدساتير التي حكمت واستخدمت في العهد القريب من القرن الماضي ، فقد كتبت موادها الدستورية على نحو خاطئ وذلك لطبيعة النظريات الفكرية التي تعود لأشخاص بعينهم ، فالفكر الفردي يظل ناقص مهما كانت رؤيته ، ولذلك فإن هذه الأفكار الفردية الأهوائية والمزاجية أيضا فشلت في ادارة وتقييم المجتمعات في شتى دول العالم ، مثال على ذلك الأنظمة الدكتاتورية الفردية وأحدثت هذه البرامج والأفكار قيودا سياسية وحقوقية واقتصادية وثقافية ، حرم على اثرها الكثير من بني آدم في حقوقه ومكتسباته وحريته ، وقد وصل بالبعض الأمر الى فقدان حياته وجعلها مملوكة لغيره ، وانتشرت الفوارق الطبقية والمجتمعية ووضعت معايير قياسية كل انسان على حده ، ومنعت المساواة بين بني الانسان ، وأخذ الكبير يأكل الصغير ، كل هذا بسبب النظريات المزاجية التي كتبت على أيدي مفكريها .
كل النظريات التي لم تستند الى مرجع حقيقي واضح وواقعي ، بعيدا عن ما يرجوه بني الانسان لم تصمد أمام الانسان نفسه ، فقد انتهت الكثير من هذه النظريات وجاءت نظريات بعدها وهي التي يسير العالم بها مستخدما برامجها وأطروحاتها الى الآن ، فيا ترى هل تستطيع هذه الأفكار الجديدة ان تصمد أمام العصور القادمة ؟؟