الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٨ صباحاً

شروط استعادة اليمن

سامح راشد
الاثنين ، ٢١ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:٥٠ صباحاً
عودة أعضاء الحكومة اليمنية إلى عدن، تمهيداً لاستئناف أعمال الحكومة رسمياً من داخل الأراضي اليمنية، تعكس تحولاً ربما يكون جذرياً في مجريات الصراع المسلح الجاري في اليمن منذ ستة أشهر. فللمرة الأولى منذ بدء العمليات العسكرية "عاصفة الحزم" في 26 مارس/آذار الماضي، تتغير موازين القوة العسكرية على الأرض لصالح قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي، مدعومة بدعم عسكري عربي، بدأ جوياً فبحرياً، ثم برياً أخيراً. وهو الحشد الذي لعب دوراً محورياً في تجيير دفة القتال لمصلحة قوات هادي، وتمكنها من استعادة السيطرة على المدن الرئيسية في جنوب اليمن ووسطه. وإذ يفترض أن تمثل عودة الحكومة منعطفاً جديداً في مجريات الأزمة، لا بد من إدراك مقتضيات هذا المنعطف يمنياً وعربياً. فأي هدر للمكاسب التي تحققت، أو حتى التأخر في توظيفها، لن تقف نتائجه عند انتكاسة عسكرية، أو تعثر سياسي. بل ستكون العواقب وخيمة على مستقبل اليمن كدولة، ومن ثم على الوضع الجيواستراتيجي في الجزيرة العربية والبحر الأحمر والمنطقة ككل.
لا بد للأطراف العربية المعنية بمصيرها ومصير المنطقة، وليس اليمن فقط، من رصد وتقييم حصاد الإدارة العربية للأزمة ونتائجها حتى الآن، بواقعية وتجرد، بعيداً عن جلد الذات، وأيضاً عن النرجسية. ومن أهم ما ينبغي رصده والتوقف عنده، أن الحكومة اليمنية عادت إلى عدن. لكن، ليس بعد إلى صنعاء. أي أن المهمة لم تنته، وما جرى في 21 سبتمبر/أيلول 2014 من سيطرة حوثية على العاصمة صنعاء لا يزال وضعاً قائماً. ما يعني أن الانتصارات التي تحققت جزئية وغير مكتملة. وحيث إن الزحف نحو صنعاء بدأ بالفعل منذ أسبوع، ويجري "ببطء ولكن بثبات"، وفقاً لمصدر عسكري في التحالف العربي، يجب الانتباه إلى أن البقاء في صنعاء، واستعادة السيطرة عليها كاملة ودائمة، ليست أقل أهمية من إنجاز دخولها. فالخروج السريع لقوات الحوثيين وعلي عبدالله صالح من عدن ومدن الجنوب أمر لا يقاس عليه، وله دوافعه وملابساته. وهم يدركون جيداً أن هزيمتهم في معركة صنعاء تفتح أمام قوات هادي الطريق إلى الشمال، بما فيه صعدة.
الأهم، أن استعادة صنعاء تعني ضمنياً إفشال سيناريو تقسيم اليمن الذي قد يمثل هدفاً بذاته لأطراف داخل اليمن وخارجه. والدعم الداخلي والعربي الذي ساعد في تحرير عدن قد ينحسر تدريجياً مع التقدم نحو صنعاء، ثم شمالاً، الأمر الذي يتطلب استعادة السيطرة الحكومية على مؤسسات الدولة المركزية والمحلية. بدءاً من عدن وتعز انتهاء بصنعاء. فثمة خطورة شديدة في التركيز على إدارة الحياة في عدن ومدن الجنوب فقط، إذ سيتيح فرصة واسعة أمام الحوثيين، لإحكام السيطرة على صنعاء ومحافظات الشمال والتمترس فيها. الأمر الذي يهدد عملياً بتثبيت وضع انقسامي جديد، سيستغرق زمنا طويلاً قبل إنهائه، إن انتهى.
لذا، لا بد أن تكون خطوة استعادة إدارة الدولة مصحوبة مع إجراءات لتأمين استقرار الوضع الميداني وتماسكه. وبالتالي، لابد من بناء جيش يمني وطني غير طائفي، يحمي الشعب والأرض، ومن ثم الدولة. نواته الأعداد التي تم تدريبها بالفعل في الرياض، والاستعانة بالخبرات العسكرية التي تقدمها بعض الدول العربية حالياً في مواجهة الحوثيين، لتكمل مهمتها، بالمساهمة في تكوين ذلك الجيش الوطني وتدريبه. هذا بالتوازي مع إعادة الحياة إلى طبيعتها في المدن المستعادة من الحوثيين وصالح. لأن الاكتفاء ببناء الجيش سيجعل حالة الحرب مستمرة، ويخلّ بأحد أهم جوانب شرعية الدولة، وهو القيام بدورها في خدمة المواطنين، وتسيير الحياة المدنية. والاكتفاء بذلك الدور من دون قوة تحميه، وتفرض هيبة الدولة، يعني سيطرة غير مكتملة وهشة. أو على نحو أكثر دقة، استعادة الإدارة، لا السيادة.

* العربي الجديد