السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢١ صباحاً

هل سيلحق الاستقرار اليمني - الاستقرار الخليجي ؟

محمد حمود الفقيه
السبت ، ٢٦ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
عانت اليمن طويلا من عدم الاستقرار منذ العام 1945م وحتى يومنا هذا لا سيما الاستقرار السياسي والاقتصادي ، كان ذلك نتيجة ضروف خاصة مرت بهذا البلد العربي الواقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ، ورغم ما حظي به جيرانه الخليجيون من استقرار سياسي واقتصادي وأمني ، إلا انه لم يستفيد من البيئية الخليجية المنعمة بالرخاء والاستقرار ، فقد واجه اليمن منذ عقود الكثير من المنعطفات السياسية فانزلق وراء الحروب المدمرة التي لا تبقي ولا تذر ، وعاش اليمنيون عقودا بأسرها ينتظرون زعيما ينتقل ببلدهم من الحالة الضنكاء التي يمر بها عبر تاريخه السياسي ، لكنهم لم ينجحوا في ايجاد الزعيم الذي ينقذ اليمن السعيد ويخلصه من ويلات الحروب ومشقة الفقر والجهل والمرض .

ورغم قيام ثورات يمنية في شماله وجنوبه ، ضل اليمنيون ينتظرون حصادها النضالي ، سنة بعد الأخرى ، ولكنهم لم يشعروا بالتحقيق الفعلي لأهداف ثوراتهم الخالدة ، صحيح ان الثورتين اليمنيتين خلصتا اليمن من الاستعمار في جنوبه ، ومن الحكم الفردي الشمولي في شماله ، لكن بقيت أهدافها السامية التي انتظر تحقيقها اليمنيون طويلا لم تبرز الى أرض الواقع ، والسبب ان الثورة سرقت من الأحرار ، بعد ما فقدت شهدائها الكبار ، وركبوها الجبناء الذين دارت مطامعهم في زوايا ضيقة لتحقيق مصالحهم الشخصية وحسب ، فالثورة أحسنت صنعا في إزالة الاستبداد والاستعمار ، لكنها فشلت في العمل على النهوض بالوطن الى الرقي والتقدم والبناء ، ومقارنة مع بعض الثورات الناجحة في العالم ، أما ثوارتنا في اليمن فلن تكن إلا شعارات مطبوعة في الكتب ومرسومة في الأقمشة و رايات سئمت الرياح من رفرفتها في السماء ، لكن الثورة الناجحة رأيناها في كل يوم تزداد عظمة واجلال ،وهي ترسم طريق المستقبل طريق الرفعة والغبطة والنما ،ان مثل هذه الثورات هي التي ستخلد في القلوب وهي التي ستكتب بماء الذهب في سجل التاريخ الإنساني .

فنجاح أي ثورة يعتمد على من يقودها من البشر ، فالمخلصون لوطنهم وامتهم وشهدائهم هم الذين سيسيرون بها الى المعالي و هم الذين يضعون مصالحهم الشخصية جانبا ،ويمشون في عمل دؤوب وتخطيط مستمر يفكرون في بلدهم ليل نهار ، ويعملون من دون كسل أو كلل لينالوا شرف المسؤولية التي وكلت اليهم ، والمهمة العظيمة التي كلفوا بها ، وليس ببعيد عنا نماذج من تلك الثورات الناجحة كالثورة الفرنسية والثورة الإيرانية .

بعدما تجاوزت اليمن الحروب الداخلية التي مرت بها قبل توحيد الشطرين ، سعى اليمنيون الى الوحدة في الثاني والعشرين من مايو للعام 1990م وكانت أحلامهم تلوح بالأفق نحو مستقبل زاهرا لليمنيين أجمع ، ووضعوا في حساباتهم ان مشروع توحيد القطرين اليمنيين سينهي حقبة تاريخية مظلمة ، وكانت الأنظار تتجه الى الوحدة كجد فاصل بين الماضي البئيس والمستقبل الواعد بالعطا والتقدم والبناء ، لذلك جلس اليمنيون في محطتهم الوحدوية الجديدة ، ينتظرون دروب التغيير المثالي للجمهورية اليمنية ، لكن خلافات النفوذ والسلطة والمصالح الضيقة طغت في قلوب الساسة الضعفاء ، وحاصرتهم يوما بعد يوم حتى تفجرت حرب صيف 94 بين القوات التابعة لعلي سالم البيض نائب الرئيس حينذاك وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح التي راح ضحيتها بالآلاف من اليمنيين من الجانبين ، انتهت الحرب بما سماها صالح انتصار الشرعية وهزيمة دعاة الردة والانفصال حسب تعبيره .

وبدأت البلاد حينها من الصفر نحو البناء والاستقرار والتنمية ، وحاول أبناء اليمن ان يتجاوزوا تلك الأحداث المؤسفة ونسيانها ،ولكن مثلما الخير موجود .. كذلك فإن النفوس الشريرة موجودة ،فقد سعت هذه النفوس الخبيثة الى احجام كل ما هو في صالح الوطن ، وأجهضت كل محاولة من شأنها إخراج البلاد من حالة الموت السريري الذي أصابه نتيجة الآلام المتراكمة عبر السنيين ،ونقله الى الأمن والأمان والحرية والعدالة والمساواة ، هؤلاء المرتزقة جعلوا من اليمن جسدا غوارا مشلولا يعاني مشاكل صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية ، وهؤلاء الذين غرقوا بالفساد وأهلكوا العباد لم يفكروا يوما بالنهوض بوطنهم وامتهم ، كانت أبواقهم تصيح بالديمقراطية والتعددية ولكنها كانت عبارات للتهييج والتخدير الموضعي ، وكانت السنتهم تنطق بالحرية والأمن والاستقرار ، ولكنها كانت مجرد ألسنة كذب بعيدة عن فحوى الحقيقة ، وكان هؤلاء المستبدون يطنون انهم يخاطبون عقول خاوية وقلوب جوفاء ، ونسيو ان الدب يوما قد يستيقظ من سباته العميق ، وان جيلا قادما باتجاه طريق الخلاص من كل هؤلاء قد بدأ ينموا يوما بعد يوم .. صحيح ان الآباء البسطاء خدعوا من هؤلاء الشرذمة القليلون ،، لكن أبنائهم واجيالهم ظهروا في عصر يملاءه النور ، فيبدد ظلام المفسدين الدامس الذي أرخى سدوله في اليمن طويلا .

لذلك سيعمل الأبناء على ترميم البناء والتئام الجروح وسوف تشرق أمانيهم وأحلامهم من جديد ليواكبوا هذا العصر الحديث الذي حرموا من عطائه وغابوا عن ثنائه ، نحن على ثقة بالله أولا ثم بشبابنا الأجلاء ثانيا ، ان اليمن سيتخلص من هذه الآفة القاتلة آفة الفساد والمفسدين ، وسيعمل الخيرين من أبناء هذا الوطن على المضي قدما نحو النجاح ، فالوطنيون في الوطن كثير ، والمحبون لترابه والعاشقون للعيش في أحضانه أكثر ،فكلهم مسؤولون تجاهه والكل عليه واجب وطني مقدس في خدمته واستقراره .

لذلك نهيب بأخواننا وقاداتنا وكل من ينال تكليف هذه المسؤولية الوطنية المقدسة ، ان ينظر بعين الاعتبار الى بلاده نظرة المشفق على أحبته ، فالبلد بحاجة الى التضحية والبلد بحاجة الى الوفاء بالثقة والمسئولية ، والوظيفة الوطنية والمنصب يجب ان تؤخذ بالاعتبار بأنها مغرم وليس مغنم ، والفترة الماضية كفيلة بأن تكون محل دروس وعبر ممن كان قبلكم الذين نالوا ثقة اليمنيين ولم يحققوا لهم شيئا .
وأخيرا_ أيها الشرفاء من أبناء الوطن الحبيب ، أحلامنا كبيرة وآمالنا عظيمة بوطن آمنا مستقرا مزدهرا كما هم جيرانه...