الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٦ مساءً

اليمن وتنازع الأدوار

علي ناجي الرعوي
الثلاثاء ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٩:١٢ صباحاً
ما حدث في اليمن ومازال يحدث حتى اليوم كان نتيجة طبيعية ومتوقعة بالنظر إلى سلسلة الأخطاء والخطايا التي وقعت فيها القوى والمكونات السياسية والاجتماعية اليمنية بكل مسمياتها وتشكيلاتها والتي وان برعت في الهروب من مواجهة حقائق تخلفها وفشلها وإخفاقها في تغيير مسيرة 50 عاما من الصراع والاحتراب والإقصاء وبناء دولة عصرية تستند إلى مرجعية وطنية عادلة تجمع الموارد وتعزز فرص النهوض لصالح جميع اليمنيين فإنها من نجحت في تحويل اليمن بعد كل هذا التاريخ الطويل إلى حصان طروادة يمتطيه كل من يحلم بزعزعة الاستقرار أو يحلم بالانتقام أو يتطلع بإعادة عجلة الزمن إلى الوراء عن طريق (لبننة الدولة) وتقسيم البلد إلى فرق وشيع وقبائل وطوائف متناحرة يسهل استقطابها وجعلها بنادق للإيجار في أيدي الطامعين والمتآمرين على اليمن والعروبة والإسلام.

كلنا نعلم انه بعمد أو بدون عمد وصلت الحالة اليمنية إلى طريق مسدود رغم بساطة الشعب اليمني الذي ظل وحده من يدفع الثمن بعد كل دورة من دورات الصراع والحروب والفتن المتنقلة التي طالما اكتوى بها وتجرع مرارتها مرة تلو الأخرى من دون أن يكون له يد فيها وآخر فصول هذه الملهاة هي من رسمتها الأحداث والتطورات التي شهدتها اليمن على اثر احتجاجات (الربيع العربي) والتي اعتقد البعض من أنها ستكون منطلقا للانتقال إلى زمن الدولة المدنية الحديثة والمواطنة المتساوية قبل أن يفيقوا من ذلك الحلم الجميل على ركام من الأخطاء الجديدة التي ساهم الجميع في اقترافها بنسب متفاوتة فالسلطة التي تولت مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية أخطأت خطاً كبيراً حينما لجأت للاستماع لنصائح بعض الأبواق الانتهازية التي أوهمتها أن في اعتماد سياسة (فرق تسد) هو السبيل إلى إطالة أمد بقائها واستمرارها في السلطة لفترة تفوق بسنوات ما حدد لها في اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وأخطأت هذه السلطة أكثر عندما عمدت إلى ترحيل القضايا المرتبطة بعملية الانتقال إلى الوضع المستقر لتظهر وكأنها من قطعت علاقتها بالزمن الأمر الذي اختلت معه موازين المعايير الناظمة للعملية الانتقالية وسمح بالانقلاب على مسارات التسوية السياسية ومخرجات الحوار الوطني الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة.

والثابت والأكيد أيضا أن السلطة لم تكن وحدها من يقع عليها اللوم في ما أحاق باليمن من فشل سياسي وسقوط تاريخي بل أن أسوأ من أخطاء السلطة هي تلك الأخطاء التي ارتبطت بشكل صريح بالعديد من التيارات والمكونات التي تماهت مع ضوضاء المشهد وملابسات التطورات الكبيرة على الأرض وذلك عبر الصمت المطبق على كل المظاهر والانحرافات التي أدت إلى انهيار الدولة والانفلات الأمني واستشراء عوامل الفوضى التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الإندفاعة الحوثية التي خرجت من ست حروب كانت موجعة لها لتتقدم في اتجاه السيطرة على عمران قبل أن تطبق على العاصمة صنعاء التي سقطت سقوطا حرا ومن ثم إلى مدن الغرب والوسط نزولا إلى تعز والمحافظات الجنوبية وفي القلب منها مدينة عدن كبرى مدن الجنوب بعد أن كان الحوثيون وقبل تمكنهم من الانقلاب على السلطة الانتقالية حالة محصورة في صعده تفاوضها حكومة ممسكة بكل اليمن.

بديهي انه ما كان بإمكان التيار الحوثي أن يتمدد في كل هذه المسافات بمعزل عن تلك الأخطاء التي وجد فيها الكثير من الثغرات لتعويم مشروعه ومنهجه العقائدي والجهادي إلا أن ما لم تدركه الجماعات الحوثية انه ومهما توفر لها من مقومات القوة العسكرية فلن تستطيع التفرد بحكم اليمن وفرض شروطها عن طريق الشرعية الثورية التي سعت إلى تكريسها كأمر واقع ولعل الطريق الذي سلكته بالإعلان الدستوري قد كشف عن أن الوصول إلى تلك الغاية صعب وباهظ الثمن وقد برزت ملامح ذلك في رفض المؤتمر الشعبي العام اكبر الأحزاب اليمنية وقوى أخرى لذلك الإعلان الدستوري بما يشكل ذلك من اعتراف الجميع من أن اليمن لا يمكن أن يطير بجناح واحد ولا يمكن أن يحتكر إرادته أي طرف من الأطراف وان اليمن يجب أن يظل لكل اليمنيين وبعيدا عن كل محاولات الاستحواذ والهيمنة أو الحسابات المبيتة أو المشروعات الأحادية التي يمثل الإصرار عليها إصرارا على دخول اليمن إلى المجهول.

في كل الحالات فما لم يستفد أبناء اليمن من دروس اللحظة ويتقدموا خطوة إلى الإمام فلن يغدو اليمن سوى نسخة أخرى من الصومال أو سورية أو العراق أو ليبيا.

* الرياض