الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٧ صباحاً

مسدس للإيجـــــار !

سام الغباري
الثلاثاء ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:٤٥ مساءً
- يقول التاريخ اليمني الكثير عن الهاشمية السياسية ، وأقسى ما يمكن أن يترجمه هذا الوصف على مناحي الفزع والدمار والدم الذي ينزف من جسد اليمن اليوم هو الذراع الهمجي لتلك المليشيا السلالية ، فبالقليل من الهاشميين كسفاحين ، والعديد من مشايخ القبائل الجُـدد كأدوات مشتراه بالمال لإخضاع القبيلة ، وتحويل الشيخ الذي يمثل أعلى سلطة في في المجتمع إلى "جندي" مُـسخر لخدمة المشروع السلالي مقابل بعض العطايا التي تؤخذ من جلود المواطنين وعرقهم ، يسقط الناس والدولة أسرى تحت سلطة لاهوتية بغيضة تدعي حقوقها السياسية والغنائم من قوت مواطنيها .
- حاول الهاشميون وصف الحركة الحوثية بما يجعلها مرتبطة بالقيم والأخلاق والرومانسية والعدالة ، برروا للحوثيين النيل من دماج ثم عمران ، كانت كل صرخة تطلقها قبائل الشمال في مناطق التماس تلقى استهجاناً حكومياً وسخرية من رموز العمل السياسي والإعلامي المحلي ، وكان الرد من وزير دفاع الهاشمية محمد ناصر أحمد أن "الجيش محايد" ! ، وبالنظر إلى اللواء علي علي الجائفي الذي اصبح قائداً لقوات الاحتياط "الحرس الجمهوري" تكشف الوثائق أنه كان ذراع الهاشمية الملكية في قتال الجمهورية خلال فترات الصراع الدموي من 1967م إلى 1970م ، واختاره "محمد بن حسين" الذي أراد تبني حركة مسلحة أسمها "انصار الله" ، وفوضه لإدارة جبهة "همدان" - غرب صنعاء -.
- قُـتل الرئيس القاضي ابراهيم الحمدي بعد صفعه للسيد يحيى المتوكل في نادي الشرطة بصنعاء ، وحاول السيد زيد الكبسي اغتيال الرئيس الشيخ أحمد الغشمي في مقر عمله ، إلى أن جاء "علي الشاطر" لتبني دور مخيف في تلك العملية الانتحارية التي راح ضحيتها مبعوث اليمن الجنوبي "مهدي تفاريش" وهو يقدم أوراقاً هامة إلى الغشمي ، فيما اخفى النائب العام السيد "اسماعيل الوزير" علامات الجريمتين ، متهماً الشهيد الحمدي بممارسة الفاحشة مع فتاتين فرنسيتين وتقييد جريمة اغتيال الغشمي ضد مجهول ! ، بعد ذلك تعاون "صالح" مع الهاشمية السياسية في مرحلة متقدمة وأخذت علاقته بهم مستويات متفاوتة بين مدً وجزر ، وصولاً إلى رفض الهاشمية مبدأ استمرار الوحدة وتأييد السيد علي سالم البيض بالإنفصال في 21 مايو 1994م عبر نائب البرلمان "حسين بدر الدين الحوثي" ، وتأييد الحزبين الهاشميين في اليمن وهما حزب الحق واتحاد القوى الشعبية لذلك المطلب الإنفصالي ما أدى إلى سجن الحوثي وهروب قيادات الحزبين ! ، وبمجرد انتصار "صالح" عادت الهاشمية لتكييف وضعها بإحراز قناعات جديدة بداخل رأس الرئيس الذي خرج للتو من معركة "الوحدة" ، اراد يحيى المتوكل أن يعطي لـ"صالح" فرضية القوة في مواجهة الخليج والسعودية تحديداً ، وأن وجود "الشباب المؤمن" على الحدود في صعدة يمثل انطلاقة لأعمال الإيذاء عبر حسين الحوثي عضو مجلس النواب لحزب الحق عن الدائرة الانتخابية رقم 294 بمحافظة صعدة ، بما يُـجبر دول الخليج المجيء إليه صاغرة لتلبية رغباته ، وحتى في حربه الأولى على "الحوثيين" عام 2004م ، كشف الرئيس "هادي" مؤخراً أن "صالح" كان يدعمهم بالسلاح بما يوازي ضعف ما قدمه لقوات الفرقة الأولى مدرع بقيادة الجنرال "محسن" والتدخل في لحظات الحسم لإيقاف الحرب ، واستنزاف عدوه القادم على السلطة وهم الإخوان المسلمون بإضعاف جناحهم العسكري ، فيما كانت الهاشمية توثق عهدها مع "صالح" بتبني رئاسة نجله واعتبارها الحليف الديني البديل عن الإخوان ، وظهر ذلك واضحاً في محافظة "صعدة" التي منحته أغلب اصواتها في انتخابات 2006م ، رغم إدارته لمعركتين ضاريتين مع الحوثيين بداخلها ، إلى أن حدث ما حدث في 2011م بإحتراق الرجل في جامع الله واتهامه للإخوان بإدارة المهمة القذرة لتصفيته ، حينها بدأ الطريق سالكاً للهاشمية للوصول إلى قلبه وعقله ، وإدارة صراعاتها الخاصة عبر مشروعه المؤسس للإنتقام من خصومه بأي طريقة كانت واستخدامه كـ "مسدس" للإيجار ، على أن يكون الزناد بأيديهم في اللحظة الحاسمة التي يمكن أن تكون موجهة إلى رأسه هو ! . وقد بدأت بإدارة حروب صغيرة وحاسمة استهدفت تجمعات الإخوان الحربية في مأرب والجوف وحجة وعمران وصعدة وصنعاء .
- لم تحسم مسألة السلطة السياسية منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م إلى الآن ، قامت الجمهورية على شخصيات معينة ، ولم تتأسس كوعي ونظام ومبادئ وثوابت ، وبمجرد اول اختبار لتحويل اليمن الجمهوري إلى نظام اتحادي عبر منصة الحوار الوطني قبل عامين استسلم اليمنيون للأمر ، ووجدت الهاشمية أن أي صيغة بديلة تستطيع أن تمر بوعي أو بدون وعي .
- مثلت الوحدة عُـقدة الهاشمية في السيطرة على كامل الأراضي اليمنية ، ولم يكن الحوثي كجماعة مسلحة وهمجية قادراً على اقناع الهاشمية الجنوبية بمرجعيته الدينية إلا عبر إيران التي روضت رجالها الحراكيين في تلك المناطق ، واعتقدت في لحظة فرار الرئيس عبدربه منصور هادي أنها قادرة على السيطرة الكاملة للأراضي اليمنية ، ومن ثم القضاء على "علي عبدالله صالح" أو خوض صراع مرير معه سينتهي في الأخير إلى حسم المعركة لصالح الهاشمية التي تملك كل الأغطية السياسية والثورية والمحلية والإقليمية ، وحتى الدولية !.
- المفاجأة التي اربكت حسابات الهاشمية الإمامية أو الهاشمية الإيرانية أنها وجدت فضاءً واسعاً يجعلها تتمدد أكثر مما خُـطط لها كمشروع مشابه لحزب الله في لبنان يمكنه السيطرة على الثلث المعطل ، فسال لعاب القوى الداعمة التي اغرت الحوثيين واعوانهم من القادة العسكريين أمثال "علي الجائفي" قائد قوات الحرس الجمهوري التي كانت تحت قيادة أحمد علي عبدالله صالح ، والعميد عبدالرزاق المروني قائد قوات الأمن المركزي التي كان يقودها يحيى صالح ابن شقيق الرئيس السابق ، واللواء علي الذفيف قائد محور عمران سفيان الذي كان يقوده اللواء الشهيد حميد القشيبي ، واللواء محمد الحاوري المتهم المباشر بقتل الرئيس الحمدي و أحد شيوخ همدان الموالية للهاشمية خلفاً للجنرال علي محسن في قيادة المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع !.
- لقد ورثت الهاشمية السياسية وخُـدامها من الطائفة الإسماعيلية مواقع انجال "علي عبدالله صالح" في الجيش والأمن والمخابرات والإعلام ، ومن هنا بدأ الانقلاب على "صالح" نفسه مُـعتقداً أنه ما زال يرقص على رؤوس الثعابين ، ولو أنه ذكياً كما يقولون لعرف أن "عاصفة الحزم" منذ اليوم الأول جاءت للقضاء على سيطرة الهاشمية العسكرية والأمنية الشاملة ، وشل قدراتها ، ولو أنها أرادته لضربت منزله في الغارة الأولى ، ولما تأخرت لأكثر من شهرين كاملين منذ بدأ عملية العاصفة التي كسرت شوكة الهاشمية الحوثية الإيرانية العسكرية واطبقت بحصارها البري والبحري والجوي على اليمن لعزل الحوثيين والإستمرار في مهاجمتهم .
- لقد دفعت عاصفة الحزم الحوثيين إلى التمسك بـ"صالح" جيداً واقنعه الذين يستخدمونه أن يتصدر الهجوم على السعودية وقيادة دول التحالف العربي فتحول من زعيم سياسي إلى مجرد ذراع ثوري متهور يحاول أن يلعب بما تبقى لديه من الأوراق ، وهو يعرف أن المبادرة الخليجية جاءت لإنقاذه وإخراج اليمن من حالة الصراع السياسي الحاد في النزاع على السلطة ، كما أن عاصفة الحزم جاءت لإنقاذه واخراج اليمن من السيطرة الهاشمية على العتاد العسكري الذي هدد دول المحيط بصورة علنية وكارثية .
.. المزيد لاحقاً ..