الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢١ مساءً

زيف المثقف العربي امام بريق الطائفية

حسين الوادعي
الاربعاء ، ٢٨ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٤٩ مساءً
ما الذي يجعل سعدي يوسف يؤيد الجريمة الإرهابية التي قتل فيها 39 سائحا في شاطيء سوسه التونسي، ويعيد تقسيم المجتمع العراقي على أساس طائفي مدعياً أن السنة وحدهم هم العرب، بينما البقية مجرد فرس وأكراد؟ هل تغلب الانتماء الطائفي على الشعارات الشيوعية لآخر الشيوعيين العرب كما يسمي نفسه؟ وهل فاز أبو بكر البغدادي على كارل ماركس وتفوق "الصارم المسلول" على "رأس المال"؟
وما الذي يجعل المثقف المتمرد والملحد ادونيس يؤيد النظام السوري بهذه الصورة الاستثنائية؟ هل هي علمانية النظام الظاهرة أم علوية المثقف الباطنة؟وكيف يجتمع قومي وبعثي وماركسي على طاولة المقهى في مدينة عربية ليتحدثوا عن أنفسهم باعتبارهم "سنة" مضطهدون، وليطالبوا بجهود أكثر لضمان حقوق الطائفة السنية في البلد؟
وما الذي يجعل مثقفاً يمنياً علمانياً يؤيد حركة دينية جهادية مثل حركة الحوثي، بينما تكرس ناشطة يمنية عاشت كل حياتها في الغرب جل وقتها لتسيير مظاهرات تأييد للحركة المسؤولة عن مقتل أكبر عدد من الأطفال المجندين في الحروب؟ وكيف يمكن أن يقوم فيلسوف وأكاديمي مرموق بالترويج لعصمة الزعيم الطائفي والنصر الإلهي للجماعة؟
الانبعاث الطائفي أمر صادم ومحير، لكنه ضوء كاشف على زيف وسطحية الانتماءات الحديثة للمثقف العربي.
كانت لبنان مهد الانقسام الطائفي العربي. فسواء كنت متديناً أو ملحداً، بعثياً أو ناصرياً أو شيوعيا فأنت في الأخير (سني، شيعي أو مسيحي). لا تستطيع أن تمارس حقك السياسي أو تطالب بحقوقك العامة خارج هذه الانتماءات. الطائفة هي التعبير الأشمل عن هويتك شئت أم أبيت وهي الوسيط بينك وبين الدولة والمجتمع.
في العراق أيضا تمت "دسترة" الطائفية عبر تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق طائفية: أكراد في الشمال، سنة في الوسط، وشيعة في الجنوب. وحتى الأحزاب القومية واليسارية هناك صارت مجبرة على تصنيف نفسها في الأخير إلى أحزاب سنية أو شيعية أو كردية، لأن الدستور لا يعترف بحياة عامه خارج هذه الانتماءات.
أما في اليمن فقد قادت مخرجات وثيقة الحوار الوطني إلى أول تقسيم طائفي غير معلن عبر المناصفة (50% مقابل 50%) بين الشمال والجنوب. وبعد اشتعال الحرب الأهلية الشاملة في 21 مارس 2015 يكاد اليمن يعود إلى التقسيم الطائفي المعروف تاريخياً: شيعة في الشمال، سنة في الوسط، وجنوبيين موزعين بين الصوفية والمالكية والشافعية.
لنفهم الطائفية جيداً يجب أن نعي أولا أن الطائفية ليست مرتبطة بالدين ولا مرادفة للمذهب.
هناك مذهب شافعي وحنبلي وجعفري ومالكي إلى آخر قائمة المذاهب الإسلامية. لكن لا يوجد شيء اسمه مذهب سني أو مذهب شيعي. الشيعة أو السنة انتماء اجتماعي سياسي أولاً وأخيراً. فالانتماء للمذهب يقتضي من الشخص أن يكون متديناً، أما الانتماء للطائفة فيمكن أن يكون من شخص لا ديني. لهذا نجد ملحدين سنة وملحدين شيعة وحتى ملحدين يؤيدون داعش ومستعدون للقتال معها! وهناك كثير من الماركسيين واليساريين والملحدين المنتمين طائفياً لحزب الله في لبنان أو لجماعة الحوثي في اليمن..
الطائفية ليست انتماء سياسياً حصريا فقط، إنها أيضا انتماء عابر للحدود. يتفاعل الطائفي الشيعي اليمني مع قضايا الأقليات الشيعية في البحرين والعراق والكويت ولبنان، أكثر مما يتفاعل مع قضايا الأقليات الأكثر ضعفا داخل بلدانه. وهو يخرج في مظاهرات للتنديد بتضييق الحريات على الاقليات الشيعية في البحرين، بينما يؤيد إغلاق الصحف واعتقال الناشطين وتعذيب المعارضين في اليمن.
أما الطائفي اليمني السني فينظر للصراع في سوريا والعراق واليمن من وجهتي نظر (سنة - شيعة). إنه لا يتحدث عن المواطن السوري وإنما عن مظلومية السنة أو مظلومية الشيعة هنا أو هناك. تنتهي فكرة "المواطنة بصعود الوعي الطائفي". هذه إحدى حقائق العصر الطائفي الصاعد.
لا تقوم الطائفية على "المذهب" فقط. لكنها قد تقوم على العرق أو على الانتماء الجهوي أيضا. الأكراد على سبيل المثال تحولوا إلى جماعة طائفية على أساس العرق بينما أصبحت "القضية الجنوبية" ناطقة باسم انتماء طائفي جهوي جنوبي.
المثير جدا أن الطائفي يقف مع الطائفة حتى ولو كان ذلك على حساب مصالحه الحقيقية.
الطائفي يتعصب حتى ضد نفسه وضد مصالحه. وهذا هو المثال الأعلى للعمى الطائفي، أشد أنواع العمى ظلمة ما دام الأعمى يتغنى برومنسية الظلام القادم، ولديه استعدادا ليقفأ عينيه بنفسه ليتحقق حلمه الطائفي.

* هنا صوتك