الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٣ مساءً

ارأيتم كيف تكون النهايات ؟؟والمصير واحد

حافظ الشجيفي
السبت ، ٢٦ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١١:٤٠ مساءً
رحل الطاغية اليمني و لم تبكيه عين.. رحل بعد أن روع شعبه و روع العالم بأثره بمشاهد دامية كانت تنقلها كل محطات الفضاء و المواقع الإلكترونية.. رحل ليترك ضجيجا أقل مقدارا من الضجيج الذي كان يحدثه و هو زعيم وفارس للعرب كما كان يزعم ..

رحل و الكثير من الشعوب العربية المقهورة تمني نفسها بأن ترى ذات المشهد على أوطانها (سوريا.. والبحرين )..يرحل البعض او ينتهي البعض وهو ممسك بحفنة من المال والدولارات ، والبعض ينتهى باحثاً عن الأمان فى حضن مسدس او في جوف مصرف للمجاري ، والبعض قد ينتهى فى زنزانة تردد جدرانها أصوات وآهات ضحاياها عبر السنين، والبعض قد ينتهى منبوذا وحيدا على سرير مرض لا ينعم فيه بالراحة التى حرم الملايين منها.. والبعض قد ينتهي على هيئة امضأ في مسودة للمبادرات ..تلك بعض صور نهايات "القادة" و"الزعماء" فى العالم العربى عندما لا يعرف الحاكم متى يتوقف عن ممارسة الظلم، ولا يفهم شعبه إلا متأخرا، ويأتى حديثه عن رعاية محدودى الدخل بمثابة كوميديا سوداء مصاحبة لموت أبناء شعبه فى الميادين والشوارع بسلاح مدفوع من قوتهم، وعندما يتأخر فى التعرف على شعبه ويسألهم مستنكرا من أنتم بعد أكثر من أربعة عقود على حكمه لهم.

ومع الرحيل تتكرر نفس المشاهد، صور الاحتفال بالسقوط، وكلمات التفاؤل والآمل المصاحبة له، ففى المجمل تتشابه الشعوب فى المعاناة والحكام فى الظلم والنهايات التى تظهر فيها سعادة الجماهير برحيل وسقوط تلك النوعية من الحكام، تختلف صور النهايات فى التفاصيل ولكن تتشابه صور الشعوب فى تعاملها مع الحدث.

مع سقوط فارس العرب ، مصحوبا بنهاية غير مفترضة لحكمه لطالما حلم بها الساقطون من قبله ، بدأت الصورة فىاليمن - مع اختلاف تفاصيلها - قريبة من صور مشابهة سبقتها فى تونس ومصرواختلفت عنها في ليبيا ، وصور ترغب فى الانضمام إليهم فى أنحاء أخرى، قد تختلف نهايات الحكام فى تلك الدول، وقد يختلف مسار الثورة وما بعد السقوط ولكن يبقى العامل المشترك هو فرحة الشعوب بهذا الرحيل، فرحة تؤكد على ما فعله هؤلاء الحكام وتلك النظم فى دولهم وشعوبهم.


نظم فشلت فى تحقيق الكثير لدولها وشعوبها، فشلت فى تحقيق عدالة اجتماعية مفترضة، وفشلت فى تحقيق إنجازات قومية واضحة، ولكنها نجحت فى توحيد الشعوب فى عملية الكره والرغبة فى رحيل حكامهم.

نظم فشلت فى بناء دول قوية مبنية على أسس حقيقية، وافترضت أنها بنت نظم أمنية قادرة على حماية عروشها، واكتشفت ربما عند السقوط فقط أن تلك المبان الأمنية المشيدة والأسلحة التى استقطعت من قوت شعوبها غير قادرة على حمايتها عندما يكون العدو هو الشعب.

نظم سقطت مرات ومرات قبل السقوط الفعلى، سقطت فى بقائها على حساب الشعوب، وسقطت ببقائها رغم رفض الشعوب، وسقطت فى محاولة بقائها على جثث الشعوب.

نظم وحدت الناس فى العالم العربى على أمنيات واحدة ودعوات واحدة ولحظة فرح واحدة كلما بدأت مسيرات الرفض وتعالت أصوات المطالبة بالرحيل، وسقطت تماثيل وأسماء ومات من مات وسجن من سجن، اختلفنا أحيانا كثيرة فى المنطقة، ربما حول نتيجة مباراة كرة قدم، ولكننا أتفقنا على رفض تلك الزعامات وعلى الاحتفال سويا بسقوطها.

لم تعد اللحظة المنتظرة لدى الشعوب العربية هى لحظة خروج الحاكم فى رداء السلطان مانحا لبعض المكاسب المقتطعة من حقوقهم وأموالهم، لم تعد تعنيهم خطابات الزعماء حول الفارق بين التكليف والتشريف فى تولى شئون الدولة، لم يعد يعنيها الحديث المطول عن بناء قوات الأمن ومكانة الدولة لأنها اكتشفت أن أسس البناء المزعومة ليست الا أكاذيب تروج فى مواجهة الداخل من أجل حماية مقاعد لا تلبث أن تتهاوى على عروشها أمام غضب الجماهير، فهى رغم كل ما وضعته من جهد فى تأمين الكراسى سقطت أمنيا وانهارت كراسيها بأسرع مما توقعت وتوقعنا.

لم يعد الزعيم المهيب قادرا على الحفاظ على الرداء الذى ميزه لفترات طويلة عن شعبه، ففى حين يعاني الشعب شظف العيش، ويصارع من أجل الحياة، كان "فارس العرب " يظهر دوما وكأنه قادمًا من عالم الأساطير أو من عالم آخر، كان يظهر دوما مختلفا عن شعبه، فهو الواجهة التى يجب أن تظهر عليها علامات الثراء والقوة والسطوة، هو الواجهة التى تجتمع فيها وفى أسرته وبطانته المحيطة كل مظاهر الثراء والعظمة والمكانة، هى الجماعة التى تحصد كل المميزات باسم الجماهير ومكانة الوطن وسمعته دون أن تلتفت لحقيقة أن مكانة الدول من مكانة شعوبها وما يحصل عليه الشعب من تعليم وصحة وحرية، وليست مكانة الدول فيما يسطو عليه الزعيم من خيراتها.

لم تعد الشعوب هذا المعطى الذى يمكن للسلطان أن ينام قرير العين وهو متأكد أنها نائمة - صامتة - غير قادرة على إزعاج منامه، لم تعد الشعوب معطى فى معادلة حاكم مساو لدولة، ولم تعد الدولة هى الحاكم كما تكرر خلال عقود، الشعوب لا تسترد كرامتها فقط ولكن الدول تسترد معناها كأوطان تعلو فوق الحاكم الفرد ولا تنتهى بنهايته.

اكتشفت الشعوب أن تلك المظاهر الخارجية البراقة المحيطة بالحاكم لم تكن إلا قشرة خارجية تحاول أن تخفى قبحه وأن ترسم قوة ومكانة غير حقيقية إلا فى الداخل واعتمادا على صوت القوة وصليل السيوف، واكتشفت أن وحدتها قوتها، وفرقتها ضعفها، وأن الوقوف مرة واحدة فى وجه الظالم يكسره، فى حين أن قوتها تبنيها وتبنى أوطانها.

اكتشفت أن كل كلمات العجز والتهميش التى تم ترويجها عبر وسائط متعددة بما فيها من دراما وأغانى ووسائل أخرى، والتى سعت إلى تعظيم الحاكم وتهميش دور المحكوم لم تكن إلا كلمات ضمن مقتضيات الصفقة والمصلحة، اكتشفت أن النهايات قريبة، وأن المشكلة لم تكن فى هؤلاء "الزعماء" بقدر ما كانت فى صمتها.

اكتشفت أن الميادين والشوارع قريبة، وأن الموت قد يكون بوابة الحياة بدلا من أن تكون الحياة شهادة موت ممتد، وأن الحاكم يرحل او ينتهي او يقضي على تاريخه المظلم بشخطة قلم ، الحاكم يرحل وتبقى الشعوب،


اكتشفت الشعوب أنها فى قدرتها كالعنقاء قادرة على الميلاد مرات ومرات من وسط الرماد.