الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٧ صباحاً

الجنرال اليمني القوي وإعادة صنعاء للدولة

خليل العمري
الأحد ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٩:١٨ مساءً
المتأمل في أحداث الأشهر الماضية من المعارك في اليمن، يؤكد أنه ليس لدى الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته حلفاء أقوياء في النفوذ القبلي المحيط بصنعاء ومحافظات صعدة وعمران وذمار، على عكس الرئيس السابق علي عبدالله صالح وزعيم جماعة الحوثيين.

ما يزال صالح يستدعي انتماءه القبلي كما فعل في 2006 أثناء الانتخابات الرئاسية حينما خاض الانتخابات باسم علي صالح الأحمر وهو ليس من قبيلة الأحمر، وإنما حاول أن يتكئ بزعماء قبيلة حاشد من آل الأحمر مجددًا، فيما قال في 2011 إنه علي صالح عفاش.

يستطيع صالح أن يجمع القبائل بداع قبلي، مرة من باب العسيب "رمز القبيلة اليمنية" ومرات من باب المصالح، ويعرف جيدًا كيف يتعامل معهم، ولذا استغل مليارات الريالات من الميزانية العامة للدولة خلال فترة حكمه في صناعة زعماء قبليين موالين له سلمهم الجيش والبرلمان والبنك والمشاريع وحولهم إلى إمبراطوريات فساد، حتى أموال السعودية سواء التي كانت تدفع لصالح باعتباره رئيس، أو تدفع له باعتباره شيخ مشائخ، استغلها الرجل في تمتين توغل الرجال المقربين منه في القبيلة وأبرزهم على أنهم زعماء في حزبه في ذات الوقت.

بنظرة قصيرة في كشوفات اللجنة الخاصة السعودية وهي اللجنة التي كانت تدعم شخصيات يمنية بارزة، ستجد أن أغلبهم في اللجنتين الدائمة والعامة لحزب صالح، وأغلب أعضاء البرلمان من حزب صالح هم رجال قبائل صنعوا حديثًا وبدون أي مؤهلات.

زعيم جماعة الحوثيين من جانبه يعرف كيف يتعامل مع زعماء القبائل، يستنكفهم بدعوى الدفاع عن الأعراض والجهاد والمذهب والتصدي للعدوان، ومرات تحت التهديد - "وثيقة الشرف" نموذجًا - ويجيشهم نحو عدن وإب وتعز والبيضاء ومأرب، المدن التي تشهد معارك طاحنة.

بالنسبة للرئيس هادي الذي وصل للسلطة في 2012 عقب انتفاضة الشباب، لم يكن لديه أي تأثير على قبائل طوق صنعاء، حيث ينتمي لأبين الجنوبية والقريبة من عدن، ولم يستطع كسب مزيد من تحالف القبائل، بل قام بخذلان زعماء القبائل الموالين له والتنكيل بهم.

ترك الرئيس هادي القبيلة للحوثي وصالح، كما ترك لهم الجيش، ولم يستطع أن يكون قائدًا عسكريًا وهو المشير الذي تخرج من الكلية العسكرية في بريطانيا، ولم يستطع أن يسيطر على المشهد القبلي الذي أضحى بين ليلة وضحاها يرفع صور السيد ويهتف بشعاره المدوي.

من بين الزعماء القبليين والقياديين العسكريين الأقوياء في الدولة والذين تخلى عنهم هادي أثناء وصوله للسلطة، علي محسن صالح الأحمر "20 يونيو 1945"، وهو من الرجال الأقوياء في الجيش وينتمي للنفوذ القبلي ذاته لصالح، قبائل سنحان المطلة على العاصمة صنعاء، شارك إلى جانب صالح في عدة حروب أبرزها حرب الجبهة عام 1979 وحرب صيف 1994 ومعارك صعدة مع الحوثيين، قبل أن تبدأ بوادر الخلاف بين الطرفين مع بروز العميد أحمد علي صالح وتطلعه للسلطة، مع اندلاع انتفاضة الشباب 2011، فاجأ اللواء محسن صالح بإعلان انضمامه للمطالبات بالتغيير مع قيادات عسكرية بارزة.

اعتبر مراقبون سياسيون حينها انضمام محسن للساحات اليمنية السلمية المطالبة برحيل صالح بأنه مثّل شرخًا عميقًا لسلطة صالح، السلطة القبلية والعسكرية للرجل الذي وصل عمره الحاكم 33 عامًا وأجبر على تسليم السلطة وتسليمها لنائبه عبدربه منصور هادي مطلع 2012.

بدأ صالح يرتب أوراقه ويرمم شروخ 2011 ويبحث عن حلفاء جدد، فيما كان هادي يفقد حلفاءه الواحد تلو الآخر، أبرزهم قوى ثورة 2011 التي أوصلته للسلطة، حيث تخلي هادي عن محسن وترك أبرز رجاله وحيدين في مواجهة إعصار الحوثي صالح الذي بدأ يتشكل بقوة مع نهاية 2013.

اضطر اللواء محسن لمغادرة صنعاء بعد سيطرة الحوثيين وقوات صالح على شمال اليمن والوصول الى صنعاء في سبتمبر 2014، لتتسارع الأحداث ويجد هادي وحكومته في الاحتجاز القسري، ثم في المنفى بالمملكة العربية السعودية بعد سيطرة السلطة الانقلابية الجديدة على أغلب مراكز المدن.

بات الجيش اليمني والقبيلة تحت طوع ما سميت بثورة 21 سبتمبر "الانتفاضة المسلحة لمسلحي الحوثي وصالح"، وتعرضت القوة القبلية الموالية للربيع اليمني 2011 والموالية لسلطة هادي إلى الانتقام الكبير، حتى وصل الحوثيون إلى مسقط رأس هادي في أبين جنوب البلاد.

مع تدخل التحالف في مارس المنصرم بعد إجبار هادي على الرحيل، تغيرت الموازين ولو شكليًا حول صنعاء، انضم محمد ناجي الشائف أحد أبرز قبائل بكيل وأحد المقربين من صالح لشرعية هادي، انضم الشائف وحيدًا فيما بقى مناصروه في صف سلطات صنعاء وبقى هو يحارب على قنوات السعودية.

أعلن بعض الزعماء القبليين ولاءهم للتحالف بالسر خشية الضربات الجوية لكنهم بالواقع في صف صالح، ويمدونه بمئات المقاتلين على الجبهات، وسط أسئلة كبيرة تدور في أذهان اليمنيين عن دور قبائل صنعاء وعمران وذمار وصعدة في معارك التحرير من هيمنة الانقلابيين وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.

تحضر تساؤلات عميقة عن دور الجنرال علي محسن في إعادة القبيلة المختطفة إلى حاضنة الدولة، باعتباره واحدًا من الرجال الذين تثق بهم تلك القبائل وكان صدًا عنيفًا لانرلاق انتفاضة 2011 نحو المذهبية أو المناطقية باعتباره سليل أسرة آل الأحمر ومن قبيلة صالح وقائد عسكري تثق به القبيلة.

اقترب التحالف العربي من صنعاء، لكنها تبدو معركة صعبة مع غياب محسن، اعتقد كما يعتقد غيري من شباب إقليم آزال المحيط بالعاصمة والباحثين على تحرير مناطق قبائلهم أن قيادته للمعركة المقبلة في صنعاء وتمكينه من أداء دور قوي سيغير من الموازين القبلية والعسكرية، أما إن ظل هادي وحكومته تتعامل مع الرجل كما تعاملت معه في صنعاء، فأعتقد أن أبوابها ستظل موصدة لفترة أطول، فقبل أسابيع وجه محافظ صنعاء نداءً للقبائل بالتعاون مع الشرعية لم يستمع إليه أحد، وهذا ما دفع حكومة هادي للعودة الى إب وتعز والبيضاء بعد أن تُركت تقاوم وحيدة خلال أشهر طويلة.