الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٦ مساءً

اليمن.. دحر الانقلاب يشق طريق السلم والوئام

محمود الريماوي
الاثنين ، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٦:١١ مساءً
يتجه الوضع في اليمن إلى الحسم العسكري بعد أن بلغت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية مشارف صنعاء. وقد تزامن هذا التطور مع تحليق مكثف وعلى علو منخفض لطائرات التحالف العربي في سماء العاصمة اليمنية. وكان هذا التطور متوقعاً مع تنامي المقاومة الشعبية وزيادة قدرات الجيش الوطني، ومع الانفضاض الشعبي عن الانقلابيين وعن الرئيس المخلوع بعدما انقلب هذان الفريقان على الشرعية، واستباحا مؤسسات الدولة ومرافقها، وعمدا إلى نهب الممتلكات العامة بما فيها المعدات العسكرية، وصولاً إلى التنكيل بالصحفيين ورموز الدولة والمجتمع، وحتى استهداف المدنيين والتجمعات السكنية بالقصف العشوائي المدمّر.

التصعيد العسكري ترافق مع مماطلة الفريق الانقلابي وتسويفه للأمور، ومحاولة تلاعبه بالوقت وبحاجته إلى هدنة يعيد فيها ترتيب أوراقه بعد الهزائم المتتابعة التي لحقت به وبميليشياته منذ منتصف العام الجاري. وبعد محاولاته تصوير الانتفاضة الشعبية على انقلابه، بأنها نزاع مع دولة شقيقة جارة هي المملكة العربية السعودية، وتندرج جهوده في التراشق بالنيران على الحدود اليمنية - السعودية في هذا السياق.
لقد رفض الانقلابيون منذ إبريل/نيسان الماضي الشرعية الدولية ممثلة بقرار مجلس الأمن 2216 بعدما رفضوا الشرعية الدستورية وانقلبوا عليها، وأطاحوا مخرجات الحوار الوطني. وحاولوا بعدئذ إبداء موافقة لفظية على القرارات الدولية، مشترطين وقف إطلاق نار يتيح لهم التقاط الأنفاس والانقضاض على المقاومة الشعبية.
ورغم أن ميزان القوى ظل يميل أكثر فأكثر لمصلحة المقاومة والجيش الوطني، وخاصة بعد تحرير محافظة عدن منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وانتقال الحكومة الشرعية إليها.. رغم ذلك فقد ظلت زعامات الانقلابيين تُمنّي النفس بخوض مناورات دبلوماسية التفافية تمكنها من إدامة الاستحواذ على مقدرات البلاد، من وراء ظهر الشعب وبالضد من هذه الإرادة. وجرى التعامل مع المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد بمنطق تسويفي وبالتلاعب بالحقائق، تحت شعارات براقة خادعة من قبيل القبول بوقف إطلاق نار بغير شروط، أو الاستعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها جميع الأطراف.
ومن المعلوم أن الانقلابيين سبق أن نقضوا مخرجات الحوار الوطني، ونقضوا هدنة تم إبرامها مع قوات التحالف العربي.
الهزيمة المنتظرة للانقلابيين تفتح طريقاً للسلم الأهلي والوئام الوطني، إذ تضع حداً نهائياً لهذه الظاهرة الشاذة في تاريخ اليمن، ولا شك أن اليمنيين قد دفعوا ثمناً غالياً لمغامرات هؤلاء والتي تعود لنحو عقد مضى في استهدافهم للجيش اليمني بصورة دورية ومتنامية، وقد خاض الجيش في عهد الرئيس المخلوع جولات عدة من الصراع معهم، وقد تبين بعدئذ وبوضوح أن الحكم السابق كان يسعى لتحجيمهم من دون إلحاق الهزيمة بهم، وذلك من أجل الإبقاء عليهم كورقة سياسية يستخدمها ضد خصومه في الداخل، ثم ضد الإرادة الشعبية كما تجلت في الثورة اليمنية، وكذلك من أجل استفزاز دول الجوار وإدخال طرف إقليمي عبر هؤلاء، من أجل ترجيح كفته وكفة حلفائه، ولو كان ذلك على حساب سيادة اليمن واستقلاله، وهو ما تجلى بوضوح في انقلاب سبتمبر من العام الماضي وما تبعه من تطورات دامية أنهكت البلاد واستنزفت ثرواتها وقوّضت مؤسسات الدولة ومرافقها.
في هذه الغضون تجدد الحديث عن محاولات الرئيس السابق لخروج آمن، بعد أن أيقن بهزيمته وهزيمة حلفائه. وقد كشف عن ذلك الأمين العام لحزب الرشاد اليمني عبد الوهاب الحميقاني على صفحته في موقع التواصل«فيس بوك» الجمعة 27 نوفمبر/تشرين الثاني متحدثاً عن «حراك دبلوماسي هذه الأيام لأجل خروج المتزعم». ومن المعروف أن أنصار علي عبد الله صالح يطلقون عليه صفة «الزعيم»، متسائلاً الحميقاني بالقول: إلى أين سيصل؟ ورغم أن تطورات الأحداث قد ألحقت هزالاً بنفوذ صالح داخل حزب المؤتمر الشعبي العام بعد سلسلة انشقاقات واسعة ضمت قياديين في الحزب، وانسداداً في خياراته بعد أن أدخل البلاد هو وحلفاؤه الانقلابيون في نفق مظلم، إلا أن محاولاته في هذه الآونة للخروج تكشف عن عمق المأزق الذي بات يتخبط به التحالف الانقلابي، وكذلك عن فداحة الهزيمة السياسية والعسكرية التي مُني بها الرجل نتيجة المقامرة السياسية التي اندفع إليها في الانقضاض على الشرعية وازدراء الإرادة الشعبية كما تمثلت في ثورة فبراير/شباط 2011، وما نجم عنها من تطورات انتهت إلى مبادرة خليجية حظيت بقبول سائر الأطراف اليمنية وكذلك بإجماع دولي.
إن الأنظار تتطلع لرؤية نهاية قريبة للمسلسل الانقلابي الدامي وتبعاته، والشروع في إعادة إعمار سائر مناطق اليمن، وعودة النازحين والمشردين، وإغاثة المصابين والجرحى، واستعادة الشرعية لسلطاتها وولايتها الكاملة، علماً أن اليمن ما زال مهدداً وخاصة في مناطقه الجنوبية بتهديدات الأصوليين المتطرفين من مسلحي القاعدة، والذين أفادوا من الفوضى الأمنية التي أشاعها الانقلابيون، واضطراب حبل الأمن في جنوب البلاد، وقد تناغم مسلحو القاعدة مع الانقلابيين في استهداف مرافق الدولة ومؤسساتها، وكذلك استهداف رموز الدولة ورجالاتها، ما ينبئ بشوط طويل ما زال قائماً أمام الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لنشر الأمن والسلام في ربوع البلاد، وهو طموح يعز على التحقق قبل استئصال التطرف الأصولي المسلح، وهي مهمة أعاقها الانقلابيون في مقامراتهم الرعناء، وفي تسليطهم شتى أشكال المخاطر على اليمنيين سواء في الشمال أو الجنوب.
نقلا عن صحيفة الخليج