الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٠ صباحاً

القبيلة في اليمن ...والوزر التاريخي !!!

محمد حمود الفقيه
الاثنين ، ٢٨ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
لعبت القبيلة في اليمن دور بارز في مكونات الدولة اليمنية خلال الفترة الماضية ، وقد كانت تدخلات القبيلة في اليمن في الشأن الحكومي طوال العقود المنصرمة ، سببا في تأخر اليمن في الركب الحضاري والإنساني العالمي ، ذلك لأن البرامج والأسس التي تتكون منها القبيلة تختلف تماما مع مكونات الأسس الحضارية للدولة المدنية ، وقد ساعد تدخل القبيلة في الدولة في انهيار الأسس التكوينية للدستور وضعف البنى التحتية لسيادة القانون ، وعمل هذا التدخل في تهميش القضاء مقابل الأحكام العرفية القبلية ، حتى أدى ذلك الى انتشار الفوضى في أوساط المجتمع اليمني ، وتغلب صوت القبيلة على صوت وسيادة الدستور والقانون .

وسعت القبيلة في اليمن على مر العصور في حسم اختيار من يمثل الدولة اليمنية ، حتى أصبح الرئيس ومن يرافقه مثل الرجل الآلي تحركه القبيلة كيف شائت وتسير به نحو ما يحقق لها أهدافها القبلية ومطامعها التوسعية ، والسعي من هذا المنطلق لتكوين دولة قبلية في رحم الدولة الأم ، كي تضمن بذلك بقائها متربعة فوق سيادة القانون ، ولم تسعى بوما القبيلة نحو الارتقاء بالحضارة الانسانية التي عمت الأقطار في العصر الحديث ، بل كرست القيم والنماذج والبرامج التي تحافظ على كينونتها بجوار الدولة ، مستفيدة بذلك من مواردها الرئيسية ، حيث تم تخصيص النصيب الأكبر للقبيلة في اليمن من الثروة والسلطة والزعامة ، حتى وصلت الدولة اليمنية على حالها الآن ، استطاعت القبيلة وبمساعدة من الدولة ان تضع الفكر التنويري الحضاري جانبا ،و عمدت على عدم الاستفادة منه وتهميشة وجعله في زاوية ضيقة من المشاركة السياسية وصنع القرار وخاصة في الجمهورية العربية اليمنية سابقا في شمال البلاد .

أما في جنوب اليمن فقد كان دور القبيلة ضعيفا على العكس ما كانت عليه في الشمال ، وقد عمدت الاشتراكية التي حكمت الجنوب طوال ثلاثة عقود في اقصى القبيلة عن الحياة السياسية ، ووصل الأمر في هذا الخصوص الى الغاء اللقب من السجل المدني لدى المواطنين ، حتى لا يتم تشجيع النعرات القبلية والمناطقية بين السكان ، وساعدت هذه الإستراتيجية السياسية من الحزب الاشتركي اليمني على اقامة الدولة الاشتراكية وبسط سيطرتها في جميع نواحي الحياة و فرض واعتماد سيادة القانون في البلاد ، وفي هذا نجحت الدولة في زرع الأمن المحلي حتى تكاد لا ترى أي عملية تخل بالمستوى الأمني لدى المواطنين أنفسهم ، فالكل يحتكم الى القضاء والجميع متساوون في الحقوق فيما بينهم ، رغم الفوارق الطبقية التنظيمية في أساسيات الاشتراكية القديمة .
أتت الوحدة اليمنية ، وبعدها بدأت هذه القضية تنمو في الجنوب من جديد بمساعدة الدولة نفسها ، وسعت الدولة من خلال مصلحة شؤون القبائل على دعم القبلية في الجنوب ونشر الثقافة القبلية واستعادتها من جديد بعد غياب دام ثلاثون عاما ، ولم تنجح الدولة بعد قيام الجمهورية اليمنية ، على ابعاد القبيلة من الحكومة المركزية ومواقع صنع القرار ، رغم انه توافرت فرص كبيرة في هذا الاتجاه ، وكان بالإمكان بناء دولة الوحدة على أسس مدنية وحضارية ، بل كان بالإمكان ان يساعد ذلك الاستفادة من الثقافة المدنية التي كان يتمتع بها أبناء الجنوب ، وجعلها نموذجا يحتذى به في الشمال _ الشمال الذي ضل غارقا في وحل القبلية والمناطقية المقيته .
وقد كرس من وجود القبيلة في اليمن وإشراكها في مواضع صنع القرار النهج الذي كان يستخدمه الحزب الحاكم في العملية الانتخابية ، فكان حين يشعر بالهزيمة أمام البرامج الحضارية والتنويرية المنافسة له في الساحة السياسية اليمنية والتي لربما ان فازت في الانتخابات ستنقل البلاد من هذا الوحل الذي تمر به ، كان الحزب الحاكم يتعمد نهج شراء الولاء القبلي في عملية الاقتراع ، مستخدما بذلك الموارد العامة للدولة في دعم المشايخ والأعيان القبلية المختلفة للحصول على النتيجة المطلوبه ، رغم افتقار المرشحين القبليين المحسوبون للحزب الحاكم الى الكفاءة والمستوى التعليمي والعلمي والثقافعي .

أخيرا ساعد توسع نفوذ القبيلة في مواقع صنع القرار السياسي ووصولها الى تلك المواقع -مستوى الجهل الكبير الذي يغطي مساحة عريضة من السكان في اليمن ، فالمواطن الذي يتمتع بقدر عالي من التعليم والثقافة السياسية والفهم ، لا أعتقد انه سيكون أسيرا للفكر المناطقي والقبلي حتى ولو كان ينحدر من قبيلة المرشح نفسه واعني بذلك أيام الانتخاب واختيار المرشحين ، وهذه تعتبر من أعظم الأسباب التي انتهت باليمن الى هذا المستوى من الفوضى والعبثية والفساد ووصفها بالدولة الفاشلة .

لذلك فإن علينا جميعا كمثقفين وسياسيين في هذه المرحلة ، العمل على نشر ثقافة المدنية أكثر في المجتمع اليمني ، والمحاولة على إقناع الناس في التفريق بين المدنية والقبلية ، فالمحافظة على القبيلة هي بالأساس محافظة على الجذور التاريخية التعريفية وحسب ، لهذا. فقد أخبرنا القرآن الكريم بهذا المفهوم قال تعالى :(( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم )) _ فقد وضح الله سبحانه وتعالى المفهوم المدني في الجزء الأخير من الآية الكريمة _ان أكرمكم عند الله إتقاكم _ وفي هذه دلالة على المساواة بين بني آدم و وهذا المعنى ينقلنا الى مفهوم المدنية التي من خلالها تحقيق العدالة والمساواة وجعلها دستورا نبني عليه حياتنا جميعا على حدٍ سواء ..