الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٨ مساءً

التسوية في اليمن والحاجة إلى إرادة سياسية

عامر راشد
الخميس ، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٤:٠٩ مساءً
النتائج المحدودة التي خرجت بها محادثات السلام في جنيف بين أطراف الأزمة اليمنية، برعاية دولية، كان يمكن أن تكون أكبر بكثير، لو امتلكت تلك الأطراف ما يكفي من إرادة سياسية للوصول إلى تسوية سلمية للصراع، بوسائل دبلوماسية.

ليست هي المرّة الأولى، ولكن نتمنى أن تكون الأخيرة، التي يكون السبب في فشل محادثات السلام بين أطراف الأزمة اليمنية، برعاية دولية، هو الافتقار إلى إرادة سياسية، تولد قناعة لدى تلك الأطراف بأن أي تسوية دبلوماسية لابد وأن تقوم على مبدأ التنازلات المتبادلة، وأن ترجمة مفهوم التسوية لا يكون إلا بحلول وسط، والحرص على الوفاء بالالتزامات التي تترتب على مثل هكذا تسوية.

والمبدأ السابق جرِّب في حل العديد من الأزمات على مر التاريخ، وفي الأزمات الداخلية يلاحظ على الدوام أن الأطراف الأكثر حرصاً على المصلحة الوطنية تكون صاحبة المبادرة، في تقديم الصالح العام على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، ولا غنى عن هذا المبدأ في حل الأزمات سلمياً، راهناً ومستقبلاً. ومن شأنه أن يكفل التقليل من التأثيرات والتدخلات الخارجية، إذا لم نقل وقفها، فضلاً عن تقليل فاتورة الخسائر البشرية والمادية الهائلة جراء الحرب الأهلية المحتدمة.

انطلاقاً مما سبق، الطرفان المتفاوضان في جنيف يتحملان مسؤولية مشتركة في عدم خروج المباحثات بنتائج بالمستوى المطلوب، وعدم تسهيل مهمة المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن، وبالتالي فتح الطريق أمام تسوية سلمية تستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة، ومخرجات الحوار الوطني، و"المبادرة الخليجية" الخاصة باليمن، مما يتطلب وقف الحرب فوراً، واقتناع الجميع، قولاً وعملاً، بأنه لا يمكن تسوية الأزمة اليمنية من خلال الوسائل العسكرية، لأن الحل الوحيد الممكن فقط عبر تسوية سياسية- دبلوماسية، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية اليمنية.

وإذا ما حاكمنا النتائج التي خرجت بها مباحثات السلام في جنيف حول اليمن، وما تسرب من مجريات المباحثات والنقاط الخلافية العالقة، نجد غياب روح المبادرة وعدم السعي إلى بناء خطوات ثقة متبادلة، بل أكثر من ذلك، لا يمكن فهم استمرار القتال على العديد من الجبهات، رغم الإعلان عن وقف لإطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات في جنيف، فبينما كان اليمنيون، وكل الحريصين على اليمن، ينتظرون أن تفضي مباحثات جنيف إلى وضع الأزمة اليمنية على سكة الحل السياسي، كانت أصوت البلاغات العسكرية عن المعارك الدائرة على جبهات القتال تحتل صدر النشرات الأخبارية.

والسؤال الذي طرح نفسه في الجولات السابقة من المباحثات اليمنية، كما في الجولة الأخيرة من تلك المباحثات، كيف يمكن أن ينجح الحوار في الوصول إلى تسوية وسط، بتنازلات متبادلة بين الطرفين، في حين يبدو أن الطرفين فشلا في وقف الحرب لأسبوع واحد؟. وفي مؤشر على الفشل، ما أن انفضت المباحثات حتى عاد كل طرف يتحدث عن إنجازات عسكرية كبيرة يحققها على الأرض، في دليل على أن العقلية التي تقف وراءها تراهن على الحسم العسكري، وأن حديث أصحاب تلك العقلية عن سعيهم إلى تسوية سياسية لا يمت إلى الحقيقة بصلة.

ولن تتغير الصورة، سواء لجهة الفشل في جنيف، أو بخصوص المراهنة على الحل العسكري، أو إزاء عدم العمل على بناء عوامل ثقة متبادلة، أو الفشل في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل دائم، ويمكن أن تتغير الصورة فقط عندما يمتلك الطرفان إرادة سياسية، وعندها يمكن بسهولة ويسر التوافق على وقف دائم وشامل لإطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى كل المدن اليمنية، وفي مقدمتها مدينة تعز، كخطوة أولى وتأسيسية لتسوية الأزمة بوسائل دبلوماسية، ووضع حد لكل أشكال التدخل الخارجي.

ومن هذه الزاوية؛ إن الجولة الأخيرة من المباحثات في جنيف تعد فرصة ضائعة، سيدفع ثمنها الشعب اليمني المزيد من الضحايا وتهديم البنية التحتية وانتشار الفقر، ومن واجب الطرفين المتحاورين أن لا يضيعا الفرصة القادمة، المتمثلة في جولة المباحثات المقررة في الرابع عشر من الشهر المقبل.

* سبوتنيك