الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٨ مساءً

منى صفوان بين ثورة الشباب وأزمة الشيّاب

اسكندر شاهر
الثلاثاء ، ٢٩ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
اليمن تحظى بمجموعة كاتبات متميزات أحرص على قراءة إبداعهن ، ففي الشعر والأدب أجد نفسي مشدوهاً عند ابتسام المتوكل التي أعدها نبيّة شاعرات (معمورتنا ومهدومتنا) ، ولأجل ذلك سأفرد لها مقالاً خاصاً في وقت لاحق ، وفي الكتابة السياسية أقرأ لكثيرات ليست أولهن الأستاذة رشيدة القيلي -وهذه أعرف من أن تُعرف- ، وليست آخرهن الزميلة منى صفوان ، والأسماء النسوية اليمنية كثيرة وكل واحدة رقم بحد ذاته ، ولعل ذلك يكتنف تفسيراً لحكم المرأة لليمن تاريخياً.

لدى منى صفوان وفرة في التحليل والتفكيك والربط بين عناصر القضايا التي تطرقها ، ولطالما تطرح جديداً يخصها وليس استنساخاً لما يكتبه أو ما لايريد أن يكتبه الآخرون بالرغم من حداثة عهدها بالكتابة أو حداثة اطلاعي عليها .

ما يميز كتابات منى صفوان العبارة البسيطة الواضحة ، وتجنب التكثيف اللغوي الذي يعتمده البعض للتعويض عن ضعف المضمون وقلة المحتوى ، والأهم من ذلك أنها تحدد هدفها ووجهة مقالها ، و ليست كأولئك الذين يجلبون مقطعاً مجتزءاً من آخر رواية عالمية ويحشروه حشراً في مقال سياسي ليقولوا لنا بأنهم مثقفون حتى كسر العظم ، وما أفضل حال هؤلاء قياساً بأولئك الذين يستحضرون أسماء كتاب عالميين وفلاسفة تاريخيين وجوديين وعدميين غربيين وشرقيين ليقولوا لنا في آخر المقال أن حميد الأحمر (محصلش) ، أو أنّ علي محسن قائد لا يُشقّ له غُبار .

لا تخلو مقالات صفوان وحضورها الإعلامي من عنصر الإدهاش إلا أن المدهش السلبي كان عندما تابعتها بعد يوم واحد من إعلان المجلس الوطني على شاشة الجزيرة تضفي للمجلس الوطني لقوى الثورة والذي أسميه (المجلس اللاوطني لقوى الأزمة) (مشروعية) ، وتصب جامّ تحليلها لمنحه مصداقية من العدم ، على أنّ كل الإبداع التحليلي لصفوان فضلاً عن كونها عضو في المجلس لم يساعدها على إحياء المولود ميتاً و سفاحاً ، لأنّ (كرامة الميت دفنه) ، و ( الحي ) الذي يبقى هو الإنسان الذي يعترف بخطئه لو أخطأ ويصحح مساره على الدوام ويجدد أدواته ويحاول الابتعاد ليرى الصورة بشكل أوضح لأن الانغماس في الشيء يفقد المنغمس رؤية كل شيء لا أقل الحائط الخارجي الذي لاتبلغه عين المنغمس في الأتون ، وقد يكون الأمر أسهل لصفوان باعتبار أنها تقيم في الخارج.

تقول صفوان في آخر مقال : (ولكن نحن بسرعة نتعلم من أخطائنا ، ولا نجلد أنفسنا، ولا نتوقف للبكاء ، فالثورة لم تقف حتى وهي تنزف)، هنا تكمن الشطارة أو الحذق السياسي وأقول "شطارة" لأن تعليقها على المجلس الوطني يومذاك وهي عضو فيه يجعلني مضطراً للتحدث بأدوات براجماتية ونفعية لا مثالية ، فالحريص على ثورة الشباب لا يمكن أن يقبل أن يكون عضواً في مجلس ( الشيّاب) و (الجنود الحُمر) ، ولا يمكن أن يعول عليهم ، وهانحن نشهد اليوم ما حذرنا منه في حينه فانطبق قول الشاعر :

أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضُحى الغد

نعم .. فقد كان كاتب السطور أحد الذين وضعوا على عاتقهم نسف هذه المهزلة منذ بدايتها ..

انظروا ماذا تقول صفوان اليوم بعد مرور( أشهر مغمسة بالدماء) على المجلس اللاوطني لقوى الأزمة بلغة مخفّفة : (أما المجلس الوطني الذي زجت فيه اسماؤنا و منها اسم "توكل" وغيرها من الشباب المؤثرين، فإنه للأسف كان ضالتنا التي تلاشت) .

لا أدري ما اللذي يمنع المرء من رفض مشروع مشبوه زج اسمه فيه أم أن زج الاسم هو شر لابد منه وأية ضالة كانت لتتلاشى ؟!، مع أن صفوان قبل أو بعد هذه العبارة قد أطاحت بقيادة المشترك بعد أن نعتتهم بالبله و الغباء السياسي إضافة للزهايمر ثم رمتهم في أقرب مقبرة غير أنها تناست أن المجلس الوطني الذي زج اسمها فيه ماهو إلا "توسيع للمشترك" كما قال عبد الوهاب الآنسي ، وأما مسألة زج الأسماء فتلك حكاية لا تعلمها الزميلة صفوان –على التحقيق- فقيادات المشترك وبيت الأحمر وكل إمكاناتهم المحلية والتمويل الخارجي المعروفة قنواته لم تسعفهم ليس فقط لتحمل مسؤولية الاتصال هاتفياً بالأعضاء الذين زجوا بأسمائهم وهو أمر يمكن أن تقوم به واحدة من غرف عملياتهم وسكرتارياتهم وكونترولاتهم المتعددة ، بل إنهم فوق سرقتهم للثورة ذاتها وادعاء امتلاكها فحمايتها فقيادتها ، سرقوا قوائم جاهزة كان كاتب هذه السطور عضواً في فريق عمل من معارضة الخارج يعدها عندما قام هذا الفريق -الذي أمتنع عن ذكره لكي لا يُحسب ترويجاً له- بتبني فكرة مجلس يقود الثورة من الشباب وليس "الشيّاب" وكان هذا الفريق يصيغ المشروع ويجهد على تحضير العمل ليل نهار وبصمت المنكر للذات دون أن (يزج !!!) أحد منا اسمه في تلك القوائم التي تسربت والمتضمنة اسم منى صفوان .

كان التسريب للفكرة والقوائم عبر عميل للمشترك في الخارج إلى حميد الأحمر وقادة المشترك الذين أفرغوا مشروع المجلس الانتقالي فالوطني من مضمونهما وأبعدوا بعض الأسماء التي لم ترق لهم ، ووضعوا بدلاً عنها أسماء أولاد الأحمر وأصهارهم وأقاربهم وخلانهم ، ومن المصادفات وليس من المعايير أن أبقوا اسم صفوان وآخرون وأخريات ، فهناك خبراء في المشترك يتذكرون شيئاً اسمه (الكوتا) ولكنهم بالتأكيد لا يتذكرون من أين أتوا بالنسخة الأصلية لتلك القوائم

أحسب أن الحظوظ لم تكن في صف منى صفوان في ذلك اليوم الذي قدمت فيه التزكيات للمجلس الوطني لأن قناة الجزيرة التي أصبحت جزءاً من مشاريع (ثوروسياسية) وليست ناقل أخبار عاجلتها ولم تتأن وتنتظر لتسمع رفض الجنوبيين ورفض الحوثيين والشباب وأحزاب الداخل غير المنضوية في المشترك إضافة لمعارضة الخارج ، وبعد ذلك انسحاب توكل كرمان التي تحرص صفوان على ذكرها في كل مقال وعدد من المستقلين والمثقفين كالأساتذة عبد الله سلام الحكيمي وأحمد سيف حاشد و عبد الباري طاهر والشابة المتألقة (أيقونة ساحة الحرية) بشرى المقطري وغيرهم .

كان الأمر بالنسبة لصفوان –حدّ تقديري- بعد ذلك الظهور على الجزيرة لا يحتمل إلا الاستمرار وهذا ما حصل فعلاً .. ولاشك أنها قد اكتشفت حقيقة المجلس فيما بعد أو فيما قبل ولكن إعلان الانسحاب منه بعد مرور أكثر من أسبوعين أو شهرين لم يعد مناسباً حيث سينطبق المثل الشعبي اليمني القائل : (معزية بعد شهرين مُجددة كل الأحزان ).

صفوان عصيّة -على مايبدو- ولذلك أحسب أنها انتظرتْ طويلاً وترقبتْ المسار المشتركي وقبل أن يقع الفأس في الرأس ويحصل الانكشاف الفاضح لهذا المجلس بالتوقيع الاحتفائي الأخير على المهزلة الخليجية في العاصمة السياسية لصالح (الرياض) أنقذت موقفها بثلاثة مقالات يمكن أن تكون رصيدها للفترة المقبلة وإعادة اعتبار لها ولفئة الشباب الذين تجايلهم ، والذين يريد د. ياسين سعيد نعمان (حفظه الله وهداه) أن يحاورهم ويريد محمد قحطان الذي حفظنا قهقهاته عن ظهر قلب أن يطمأنهم ويريد الحاج باسندوة الذي عذّبنا ببكائه المستمر أن يبيع لهم (مسابح) .

تقول صفوان التي أقرت بعدم التقاء الثورة والأحزاب في خط واحد: ( فأخطاء قادة الاحزاب لا تصل لمستوى الجرم الذي يرتكبه "صالح" . ولكنها أخطاء تستحق العقاب السياسي إما بالنفي أو بالانقلاب الحزبي) .

ويقول كاتب هذا المقال أن جرمهم لايقل شأناً عن جرم صالح وربما يفوق لسبب واحد بسيط جداً وهو (ذاتي) هو أنهم جزء لا يتجزأ من نظام صالح ولسبب آخر ( موضوعي) وهو أن القتل الذي حدث منذ انخراطهم في المبادرة الخليجية التي تعطي القاتل حصانة وضمانات لا يحسب على صالح القاتل السفاح بل على من يمنحه الحصانة ويسافر إلى الخارج من بلد إلى بلد ليؤكد عليها .

إلا أن صفوان تتخفّف من العبء وتكون منصفة حينما تقول : (فالمفارقة أن الثورة ترفض المبادرة الخليجية التي وقع عليها قادة المشترك، والمشترك مستمر في التفاوض حولها. هذه المبادرة هي اللجام الذي يمسكه صالح والخليجيين معا للجم الثورة ومنعها من التقدم، وقيادة المشترك تفاوض بن عمر حول «اللجام» الذي بح صوت الشارع وهو يقول انه يرفضها. وبرغم ان باسندوة يصدح «لا تفاوض لا حوار لا توقيع على الآليات» وكأنه مؤسس اللاءات الثلاث، فانه يصل مع رفاقه الضالين الى صنعاء بحثا عن مسيو جمال بن عمر).

وتتابع (الثورة رفضت المبادرة. لذا هي غير سارية المفعول، فهي غير شرعية حتى لو وقع "صالح".)

صفوة القول يا صفوان :
هاهو صالح قد وقّع وأوقع .. وبقي رئيساً ليس فقط شرفياً كما يدعي بعضهم بل فاعلاً وهم مجرد مفجوعين منفعلين جوعى ينتظرون مائدة طعام اسمها "حكومة وفاق وطني" يرأسها رجل من (التراث) بكى كثيراً حتى ظننا أنه لا يجيد غير البكاء وهاهو اليوم يجفف دموعه بمنديل (الدم) بفتح حرف الدال و( الدم ) بكسره ، ليضيف إلى ألقابه لقب (رئيس وزراء) ، هاهو يقول لنا وللعالم : لا تصدقوا ليس لدينا ثورة شباب بل أزمة شيّاب .

وهاهم الجهابذه (العجائز باليماني والختايرة بالشامي) (بُتوع الجُهد السياسي) يثبتون أنه ليس لديهم رشد سياسي في الماضي ليعودا له في الحاضر .. فهل ستستمر "الحملة" التي وعدتْ بها الزميلة منى صفوان في آخر مقال قرأته لها – وهي ليست حملة بل واجب مستمر سنقوم به بمشاركة صفوان أم بعدمها- أم أن زفة الحكومة وقوائمها التي لا أدري من أين سيسرقوها هذه المرة والمزمع تشكيلها يوم السبت المقبل! ستجعلنا على موعد آخر مع محاكمة مستقبلية ؟

ولا ننسى أن الكتابة قبل يوم السبت ليست كالكتابة بعده ! .