الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٤ صباحاً

عن حمود وحمدي والحصار

مروان الغفوري
الاثنين ، ٢٥ يناير ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٣٩ مساءً
قبل ساعتين من الآن، الليلة، هاتفت الشيخ حمود المخلافي، قائد المقاومة الشعبية في تعز. يتواجد حالياً في عدن، وسبق أن تحدثنا عبر الهاتف قبل أسبوعين من الآن ووجهت إليه بعض الأسئلة. يردد: أريد أن أعود إلى تعز الليلة، ولكن ليس خالي الوفاض.

يقصد، بالطبع، ما يخص العمليات العسكرية ضد الميليشيات في تعز.
هذه الليلة أجاب عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالمقاومة والسياسة. عن ماذا يفعل في عدن، ومتى سيعود، ولماذا يصر على القول «سأعود على الأسفلت».

قال لي بثقة: لدينا في تعز ١٥ ألف عنصر في المقاومة الشعبية، سقط منهم حتى الآن قرابة ١٥٠٠ شهيد، ولدينا ٤٠٠ معاق بفعل الحرب، منهم حوالي أربعة آلاف في المتارس غير منخرطين فعلياً في العمليات العسكرية.

تنقصنا الذخيرة، نريد ذخيرة نوعية كتلك التي نراها في مناطق أخرى، وسبعين ساعة فقط. سبق أن قلتُ لهم: لو حصلنا على صواريخ حرارية لن تكونوا بحاجة للطيران فوق تعز.

كان هادئاً ومتدفقاً، وتحدثنا وكأننا نعرف بعض منذ زمن. يؤمن بالناس على طريقة ماركيز: كنتُ أفضَلَ صديق بين أصدقائي، وأعتقد أنه ليس بينهم أحد يحبني مثلما أحب أنا أحدهم.

قال بفقدان صبر إن الضباط السودانيين يرهقون شباب المقاومة في معسكرات التدريب في الجند، وأن انتظارهم طال وتجوزت الفترة المتفق عليها.

ألمح إلى أن سوء فهم نشأ بطريقة ما بين قيادة المقاومة في عدن، المقاومة التعزية تحديداً، وأنه احتج قائلاً: على ماذا سنختلف؟ محذراً من أنه سيغادرهم.

لا يحب الاختلاف، فهو رجل تلهمه فكرة «الجبهة». قال، نادماً وسعيداً: هل شاهدت النصر في نجد قسيم، صنعه في الأساس جماعة السبئي رحمه الله.

بين كلماته كان يقول: جئت إلى عدن مع حقي البروفيسورات.
فهمت ما يرمي إليه، وسألته: تقصد خبراء الجغرافيا؟
قال “نعم”. وذكر لي اسم شاب رافقه من تعز أعجب به ضباط التحالف، وبقدرته على تحديد الخرائط والإحداثيات على الأرض «وشلوه معاهم».

من أين تطير المقاتلات؟ سألته. قال: من هنا، ومن أماكن قريبة. لم يحدد الأماكن القريبة، وذكر شيئاً عن البحر.
سألته عن الطريقين: كرش، والمخا. قال: هناك ترتيبات، وخطط.
بقلب محارب لا ينام راح يردد “بطء، بطء، بطء شديد”.
غير حديثه وأخبرني عن خطة من ثلاثة مراحل قدم بها إلى عدن: فك الحصار عن مدينة تعز، ثم تطهير المحافظة، ثم ما بعد تعز.

«استوعبها التحالف، مر شهر حتى الآن، ولا زلنا ننتظر» أضاف.
ضمن كلماته الكثيرة فضل أن يلخص قصته بالجملة التالية:
الماء فوق السقف والمسرُب ضيق.
وهو تعبير تعزي، مجازي وكثيف، كما إنه يختزل كل شيء.
ماذا يريد المقاوم في تعز، سألته؟

ـ يشتي خبز وذخيرة. قلتُ للرئيس هادي: إذا كانت الخطة أن تعمل تعز على استنزاف الميليشيات فنحن على استعداد لذلك، حتى لعامين كاملين. هذا قدر تعز عبر التاريخ، أن تتحمل آلام كل اليمنيين.

لكن لا تتركوها لوحدها، لدينا قائمة بـ ٤٠٠ مقاوم معاق، يريدون العلاج، وآلاف في الجبهة يحتاجون الخبز والذخيرة.
متى ستعود؟

قال: سأعود على الأسفلت، طريق الأسفلت. لن أعود بلا إنجاز. كما استنكف صالح القبائل استنكفتُ أنا كل شيء هُنا. الحمدُ لله، الأمور طيبة، لكن هناك بطء.
قلتُ له: مؤخراً لا يغادر الطيران سماء تعز.

قاطعني متفائلا: بالفعل، يقومون بعمل رائع. استطعنا بمساعدة التحالف تدمير ٦٠٪ من الآلة الثقيلة للحوثيين وصالح في تعز. عودة الرئيس إلى عدن دفعت صالح إلى التشنج أكثر وجعلته يحشد إلى تعز.

وكلما اقتربوا من صنعاء سيضغط هو باتجاه العودة إلى مناطق الجنوب.

قلتُ له: هُناك معلومات تتحدث عن حشود جديدة تصل إلى الميليشيا في تعز.
قال: نعم، وهناك ترتيب لجبهة كرش. صالح يريد إرباك المقاومة والتحالف بالضغط جنوباً.

لدينا فريق هُنا في عدن يعمل مع التحالف ومع المقاومة على الأرض في تعز، والطيران لا يغادر الجو، يحصل على الإحداثيات بدقة. تفاجأوا عندما أخبرناهم أننا نقاتل الحوثيين من بيت إلى بيت. كانت معلوماتهم تقول إن المسافة بيننا وبين الميليشيات ٢ كيلو متر.

كان فخوراً بالمقاومة، ومتألماً، وأحياناً تائهاً. يريد أن يقول الحكاية كلها في كلمات. ثم يتأنى.
بعد سؤال وجواب، وسؤال وجواب استوقفته:
نأتي إلى السؤال الأكثر أهمية، الآن.
قال بحذر: تفضل.
قلتُ له: حمدي بكاري.
راح يقص علي الحكاية التي لديه:
أبلغت بالخبر بعد ثلاثة أيام.
قاطعته: أين كان، في الأساس؟ من أين اختفى؟
قال: كان في عصيفرة، بالقرب من المعهد العالي.
ذكر اسم الرجل الذي استضاف بكاري حتى العاشرة ليلاً. كان صديقاً للأخير.
أضاف المخلافي:
نحن نسيطر على كل حارة وكل «زغط» في تعز. قُمنا بالبحث في كل مكان. بعد ثلاثة أيام، وقت كثير طبعاً.

حالياً البحث جارٍ، داهمنا بعض مناطق الاشتباه، ودخلنا المناطق التي شككنا فيها. لدينا مخاوف خاصة من أن تكون الجهة التي اختطفته غير منظمة مما قد يدفعها لارتكاب حماقة إذا أحست بالخطر.

حمدي كان يفاجئنا بتواجده في مناطق الاشتباكات والمواجهات في كل مكان. لدينا بعض الشكوك، وبعض الاحتمالات.

سأتواصل بعد قليل مع الإخوة في تعز، أتمنى أن يكونوا قد توصولوا لشيء. لدينا قلق من أن تكون الجهة الخاطفة نجحت في إخراجه من تعز.
ـ حتى الآن لا خبر مؤكد، سألته متشائماً؟
ـ لا، لا معلومات مؤكدة، هناك شكوك ونحن نبحث في كل مكان. اختفى حمدي بكاري مع عبد العزيز ومنير. منير يعمل معي، أحد الرجال خاصتي، اختفى مع حمدي.
لم أسأله عن منير ذاك، فقط تمنيت لهم النجاة..

وعدني بأن يبلغني بأي معلومة جديدة عن حمدي عبر الواتس أب. بعد انتهاء المكالمة أرسلت إليه على واتس أب:
«بقي لدي سؤال، ماذا حدث للشاب أحمد شوقي أحمد في عدن؟»
ولم أتلق رداً، بعد.