الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٧ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (6)

عباس القاضي
الاربعاء ، ٣٠ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
كانت الساعة قد اقتربت من الثانية عشرة منتصف الليل, والشيخ متعود أن ينام مبكرا ليقوم قبل الفجر بساعة ليصلي القيام.

ولكن هذه الليلة لها خصوصيتها, فقد قرر أن يصلي هو وعبده غبش لترسيخ المعلومات لديه, فكانوا يصلون جماعة تارة, وفرادى تارة أخرى, وكان الشيخ يستريح بين الركعتين والركعتين أحيانا, فينظر إلى عبده غبش, فيراه يواصل الصلاة, وكله خشوع واطمئنان, حتى إذا ما كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل , قال لعبده غبش : لننام حتى الرابعة ثم نقوم للاستعداد لصلاة الفجر, لكن عبده غبش قال للشيخ : إنني أسهر حتى تلفحني شمس الصباح, وأنا أتناول القات وأسمع لآلة التسجيل كل يوم,, ألا, تدعني آنس بالله من وحشة نفسي, اتركني أناجي ربي ولو بسورة الفاتحة والإخلاص التي أحفظها.

تركه الشيخ, وذهب إلى حيث حقيبته, وتغطى بلحاف كان مطويا بجانبها .

وفي الساعة الرابعة صباحا, دخل المسجد الحاج صلاح القتادي, فوجد في المسجد اثنين, الأول يصلي لم يعرفه, لأنه لم ير سوى ظهره, والآخر نائما, عرفه من طوله, وطريقة نومه, والمكان الذي ينام فيه, قال في نفسه: إنه هو أخي وصديقي, الشيخ عبد الله الطائع الذي لم استطع أن أثنيه عن هذا المكان الذي ينام فيه, كم توسلته, وأقسمت عليه أن ينام عندي, فيأبى إلا أن ينام في هذا المكان , مما يضطرني أحيانا , لآخذ فرشي, لأنام بجانبه.

دنى منه الحاج صلاح, وهمس في أذنه : أيها الشيخ الجلييييل, أخووووك صلاااح عند رأسك, فابتسم الشيخ, وهو مغمض العينين, فقد أحس بولوجه إلى المسجد منذ أن دلف الباب, لكنه كان يريد أن يعرف,كيف سيتصرف, نهض الشيخ وسَلَّم على الحاج بالأحضان تدل على الحميمية والأخوة والحب, منذ متى وأنت هنا ؟ سأله الحاج صلاح , منذ ثلاثة أيام, رد عليه الشيخ, وأنت متى وصلت ؟ قال له الحاج: العاشرة من مساء الليلة, من هذا يا شيخ؟ قال له الشيخ : اذهب من جهة القبلة, ثم انظر إليه دون أن تَشغِلَه, ستعرفه, قام الحاج صلاح, وبدأ يذرع المسجد بقدميه, ليعرف من هذا المتبتل الراكع الساجد, الذي يأسرك بخشوعه, فذهب إلى جهة القبلة, وظل يُقَلِّب في المصحف وينظر خلفه, انتظر حتى رفع رأسه من السجود, في البداية استغرب, تحول إلى تعجب أعقبه ابتسامة كادت أن تؤدي به إلى ضحك, فخاف أن يفسد على الرجل صلاته, والشيخ يرقبه, تركه حتى سجد السجدة الثانية, ثم ركض صوب الشيخ كأنه صبي, فالتقاه, وتعانقا عناقا طويلا, تحول ضحكهما إلى بكاء ونحيب , عملتها,أيها الشيخ , قالها الحاج, وما زالا متعانقين , قال الشيخ : لقد بدأت البرنامج الذي طالما سهرنا الليالي والأيام من أجله, ونفس الشخص الذي اخترته يا حاج, عبده غبش.
والحاج صلاح القتادي, هذا رجل قد جاب معظم دول العالم, وعمل وكسب الكثير, وعندما أراد الاستقرار بدأها في المدينة فأسس شركة تجارية, و اختار كادرا لإدارتها مَكََّنَتهُ من المرحلة الثانية من الاستقرار, وهو أن يُكَوِّنَ مزرعة ضخمة فيه الحبوب والخضروات والفواكه , وتربية الماشية ليشرب من لبنها ويأكل من لحمها , وبني فلة ضخمة بمثابة قصر, إلى جانب بنائه المسجد, ليعيش بقية عمره في مسقط رأسه, بعيدا عن ضوضاء المدينة, يذهب بين الحين والآخر إلى المدينة, ليزور شركته ويطلع على الأداء بشكل عام ثم يعود.

وكان قد تعرف على الشيخ عبدا لله الطائع, الذي يجول في القرى والأرياف يبحث عن جباه تسجد لله ولسان تذكر الله, وكانا قد فكرا معا باقتحام هذا المجتمع المليء بالأسرار – مجتمع المهمشين - الذي لا يُعرف متى يمرضون ولا متى يموتون, يعيشون على هامش الحياة.

وقد رسموا خططا في ثلاثة محاور.
المحور الأول : دعوتهم إلى الله , المحور الثاني : التأهيل, المحور الثالث : الدمج,
شاركهما في هذه الخطة الأستاذ : محسن الحداد , والذي يعتبر من أنجب المدرسين في علم الاجتماع, وأكثر أهل القرية نشاطا وحبا للخير,

وها أنت أيها الشيخ, قد بدأت أول خطوة في المشروع, قالها الحاج صلاح , والشيخ يؤمن على كلامه قائلا : البداية التي يجب أن تكون وهي الدعوة إلى الله في هذا المجتمع , وعبده غبش بوابتها.

صلوا الفجر, ومن حضر من أبناء القرية, أنصرف الناس جميعا , وأبقوا معهم الأستاذ: محسن الحداد ليتناقشوا في تدشين المشروع .