الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٩ صباحاً

إيران ومحاولة إعادة تشكيل المنطقة

موسى المقطري
الثلاثاء ، ٠٩ فبراير ٢٠١٦ الساعة ٠٤:٢٩ مساءً
لم يعد بخافٍ على المتابع لتسارع الأحداث في المنطقة العربية وخاصة دول الجزيرة العربية والخليج ودول الشام أن أيدي خبيثة تتحرك فيها، ولم يعد من الصعب البحث عن الجاني ، وما الذي استجد لينشر كل هذه الفوضى في المنطقة .

منذ قيام الثورة الإيرانية ظهر في أدبياتها مصطلح "تصدير الثورة" وكما يبدو هذا المصطلح أنيقا إلا انه في الحقيقة يتكئ على رغبة جامحة في السيطرة والنفوذ والتحكم بالمنطقة .

وفقا للعقيدة الاثنا عشرية التي توجه سياسة الدولة الإيرانية فإن مخالفيها ليس لهم الحق لا في إدارة شؤون بلدانهم ، ولا في ممارسة عقائدهم ، لكن مبدأ "التقية" الذي يعد احد أركان هذه العقيدة يحتم عليهم عدم الإفصاح عن طموحاتهم والظهور تحت لافتات أخرى يستطيعون بها اللعب بعقول البسطاء .

لم يعد خافياً اليوم أن الطموح الإيراني يسعى لإعادة تشكيل المنطقة وفقا لمصالح القلة، ويبدو هذا جلياً من خلال دعم إيران لجماعات تدين لها بالولاء ومحاولة جعلها صاحبة القرار في مستقبل شعوب المنطقة ومن ثم تجيير هذا التمكن والنفوذ لخدمة مصالحها .

في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين صار النفوذ الإيراني جلياً وبصورة متفاوتة عبر جماعات دعمتها الدولة الإيرانية ، فأصبحت تدين بالولاء المطلق لملالي إيران ومراجع قم ، ويتفاوت مستوى النفوذ الذي تمكنت منه هذه الجماعات إلا أن ما يجمعها كلها هو أنها مليشيات مسلحة تمتهن القتل والاختطاف والتفجير والتنكيل بمعارضيها سواءً بالاعتقاد أو التوجه السياسي .

تسعى إيران لفرض واقع جديد بحيث تتمكن مليشياتها وتصبح هي الحاكمة والممثلة للشعوب ، وبالتالي تصبح المنطقة بما تحويه من موارد بشرية ونفطية ومواقع إستراتيجية برا وبحرا تحت تصرف الدولة الإيرانية، ومن ثم التأثير في القرارات الدولية والإقليمية لصالح خدمة مشروع إيراني طويل الأمد يسعى في مجمله للنفوذ والسيطرة ونهب الثروات وإسكات المخالفين .

أصبح اليوم مؤكدا أن إيران تحالفت مع من تصفه بالشيطان الأكبر !!! "أمريكا" للقضاء على العراق الذي كان يمثل عقبة في وجه المشروع الإيراني ، حيث ضمنت إيران لأمريكا وحلفائها استمرار تدفق النفط لهم مقابل أن تسلم العراق للشيعة الذين يوالونها والذين يمارسون حاليا الطموح الإيراني في القضاء على المخالفين ومن يتوقع وقوفهم ضد مشروع إيران لالتهام المنطقة .

في لبنان دعمت إيران حزب الله بالمال والسلاح لاكتساب قاعدة شعبية تحت لافته مقاومة العدو الإسرائيلي ، ثم تحول الحزب لأداة إيرانية للتحكم في القرار اللبناني وتجييره لصالح طموحات إيران في السيطرة والنفوذ ، وما لبث أن انكشف القناع أكثر أوعزت إيران لمليشيات هذا الحزب بالتوجه لمساندة الأسد ضد شعبه الذي ارتمى في المستنقع الإيراني حين أحس بنهايته .

حزب الله الذي تمتلك إيران خط التوجيه لقراراته أدار ظهره لمزارع شبعا اللبنانية والتي لازالت تحت سيطرة إسرائيل ، وتوجه بمقاتليه لقمع الشعب السوري وتغيير خارطة المنطقة عبر القتل والتهجير للمخالفين ودفعهم لترك مناطقهم وبلدهم، وإخلاء مناطقهم للطوائف الشيعية التي تديرها إيران .

في اليمن كانت مليشيات الحوثي التي تعتنق الفكر الاثنا عشري ولا تعلنه هي اليد الإيرانية لتحقيق طموحات إيران في السيطرة على بلد يمتلك مقومات عديدة بإمكانها التأثير في القرارات الإقليمية والدولية ليس اقلها الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية والموارد البشرية .

تمكنت مليشيا الحوثي في حين غفلة من إسقاط الدولة والحلول محلها ، ومحاولة مخاطبة الإقليم والعالم باسم الدولة بينما لا يملكون ذلك الحق ، وكانت إيران أول الأنظمة التي سيرت للمليشيات الحوثية جسر جوي تمثل برحلات جوية مكثفة إلى مطار صنعاء بعد سيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور في فيها ، إلا أن المملكة العربية السعودية قادت تحالفاً عربياً لاستعادة الدولة من أيدي المليشيات ووقفت في وجه الطموح الإيراني في اليمن .

لم تفلح الدبلوماسية الإيرانية في تبني تحرك دولي لإيقاف تدخل التحالف العربي ، بينما أثمرت التحركات السعودية والخليجية باستصدار قرار دولي يقف مع الشرعية ، ويسلبها عن مليشيات إيران في اليمن .

حاولت إيران ولازالت تحاول افتعال مشاكل أمنية في دول المنطقة وعلى رأسها البحرين والكويت ولبنان وكلها رامية لإضعاف الأنظمة القائمة ليتسنى لمليشياتها تكرار المشهد العراقي ، إلا أن تحركات عديدة نابعة من إدراك الإقليم لخطر هذا الطموح المشئوم أدت إلى فرملة النشاط الإيراني ، أو على الأقل أخرته في جني الثمار التي يطمح إليها .

أدراك دول المنطقة لأطماع إيران وخططها لإعادة التشكيل وإلزامها بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة والتوقف التام عن دعم مليشيات وقوى تدين لها بالولاء لإثارة الفوضى ومحاولة تسليمها قرارات دول المنطقة هو الطريق الحالي للحفاظ على المنطقة العربية وامن شعوبها وعقائد أبنائها .

تستطيع دول المنطقة بما تملكه من تأثير في قرارات الدول الكبرى والمنظمات الدولية أن تسد الطريق أمام الطموح الإيراني في إرباك المشهد ، واجزم أن الدول الكبرى لو اضطرت أن تضحي بطرف في هذا الصراع فسيكون الطرف الإيراني بالتأكيد ، فالذي يسود العلاقات بين الدول هي مصالح شعوبها ، ولن تجد دول العالم وخاصة الكبرى منها لدى الإيرانيين خيرا مما تجده من دول المنطقة .

مؤخرا بدا هذا التوجه واضحا لدى المملكة العربية السعودية وظهرت كفاعل ومتصدي للطموح الإيراني واستطاعت استمالة قوى دولية مؤثرة للوقوف في صفها إلا أن الصورة لازالت غير واضحة لدى بعض الدول في الإقليم للسير في هذا التوجه وإيقاف المد الإيراني الشيعي وطموحاته في إعادة التشكيل وتغيير خارطة المنطقة لصالحها .

لم يعد بخافٍ أن الصراع في المنطقة مع إيران بات معلناً ولم يعد تحت ستار وكلائها فالحرس الثوري يقاتل في سوريا بجانب بشار ، وفي اليمن في صفوف الحوثيين ، وفي العراق باسم مليشيا الحشد الشعبي .

استطاعت إيران إرباك المنطقة ونشر الفوضى فيها ، لكن ووفقا لما استجد فليس بمقدورها الوصول لمرحلة الهيمنة والتحكم بالقرار ، إذ صارت جميع التحركات للمملكة العربية السعودية ومن تحالف معها من دول المنطقة تصب في مواجهة الرغبة الإيرانية ، وهذا وفي اقل تقدير إن لم يوقف تصرفاتها فإنه خلق توازن قوى سيؤدي بالتأكيد إلى إعادة النظر في سياسات إيران في المنطقة .