الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٤ مساءً

عاصفة الحزم بعد سنة.. القرار حكيم.. والإنجازات عظيمة

صالح القلاب
الخميس ، ١١ فبراير ٢٠١٦ الساعة ٠١:٣٧ مساءً
استطالةُ المواجهة مع «الانقلابيين» كل هذه الفترة، رغم تفوق قوات التحالف العربي وطرد جماعات وميليشيات علي عبد الله صالح و«الحوثيين» من جنوب اليمن كله وتقدمها في عمق الشمال والوصول إلى مشارف صنعاء العاصمة، تدل على مسألتين هما: أولاً تحضير هؤلاء للانقلاب على «الشرعية» منذ فترة بعيدة، وثانيًا الاستمرار في تلقيهم دعمًا عسكريًا، بالأسلحة والذخائر والمستشارين، من إيران ونظام بشار الأسد وحزب الله اللبناني، وربما من جهات معروفة في العراق ومن غير العراق.

قبل فترة قصيرة كشف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن أنَّ إيران قد بدأت بتدريب «الحوثيين» وإعدادهم لتسلم السلطة في اليمن بالقوة العسكرية في عام 1994. وحقيقة، إنَّ بعض ما كُشِف النقاب عنه يشير إلى أن دولة الولي الفقيه قد بادرت إلى التخلي عن «استراتيجية» الغزو العسكري والحرب المباشرة بعد هزيمتها في حرب الثمانية أعوام مع العراق لحساب «استراتيجية» الاعتماد على الجيوب المسلحة العميلة للإطاحة بالكثير من الأنظمة العربية ذات التوجهات القومية.

إن هذا هو ما جرى في العراق، وبخاصة بعد إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003، حيث تمكنت إيران، بالاستناد إلى المعادلة التي وضعها الذين اعتبروا أنفسهم المنتصرين، وعلى رأسهم المندوب الأميركي سيِّئ الذكر بول بريمر، من اختراق الشيعة العرب في العراق وتحويل بعض تنظيماتهم التي جرى تشكيلها بإشراف حراس الثورة والاستخبارات العسكرية الإيرانية إلى هذه الجيوب العميلة التي ولاؤها لإيران وللولي الفقيه أكثر كثيرًا من ولائها لوطنها بلاد الرافدين وللوطن العربي والأمة العربية.

وهذا ينطبق على هذا النظام السوري الذي استطاع خلال فترة حكم حافظ الأسد بعد انقلاب عام 1970 أن يختطف الطائفة العلوية ويربط مصير بعض عائلاتها وتشكيلاتها العشائرية به وبنظامه الذي كان في حرب الثمانية أعوام العراقية – الإيرانية قد وضع سوريا بكل إمكاناتها العسكرية والسياسية إلى جانب إيران وكل هذا مع أنه مثله مثل النظام العراقي السابق كان وما زال يرفع شعار «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة».. وهذا هو ما فعله أيضًا معمر القذافي بالنسبة لـ«الجماهيرية العربية الديمقراطية الشعبية العظمى» انطلاقًا من اعتقاده الكاذب أنه وريث الدولة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية!!

لقد بدأ إنشاء حزب الله اللبناني، بإشراف وكيل الخميني السابق في سوريا ولبنان محمد حسن أخْتري، مبكرًا أي في عام 1980 ليكون القاعدة الإيرانية المتقدمة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ويقينًا، وهذا أصبح ثابتًا ومعروفًا، أنَّ هذا الحزب قد لعب ولا يزال يلعب دورًا رئيسيًا في تدريب «الحوثيين» وإعدادهم عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، وأيضًا طائفيًا ومذهبيًا، وحملهم على التخلي عنْ المذهب الزيدي، المعروف بوسطيته وتسامحه وانفتاحه على أهل السنة في اليمن إلى حدِّ أنه اعتبر واعتبره أتباعه أنه الأقرب إلى المذهب الشافعي، والالتحاق بالمذهب الجعفري الاثني عشري وبولاية الفقيه وبالمرجعية الإيرانية في «قُم»، وليس بالمرجعية العربية، حيث يقيم السيد علي السيستاني في النجف.

إن المقصود بهذه المقدمة هو إثْبات أن «تجنيد» الحوثيين لحساب إيران وإعدادهم عسكريًا وسياسيًا وطائفيًا للسيطرة على الحكم في صنعاء قد بدأ مبكرًا، وهنا فإن المفترض أن هناك من لا يزال يذكر تحذير العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مما سماه «الهلال الشيعي» الذي قال إنه سيبدأ باليمن وسينتهي بلبنان على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشمالية، مرورًا ببعض دول الخليج العربي وبالعراق وسوريا. ويقينًا، إن هذا هو ما دفع علي عبد الله صالح بعد إقصائه وخلعه من الحكم على أساس المبادرة الخليجية المعروفة إلى التحالف مع الحوثيين، بعدما كان خاض ست حروب معهم، للقيام بمحاولة الانقلاب على الشرعية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وهكذا، ولتخليص اليمن من احتلال إيراني داهم من الممكن أنْ يكون أخطر كثيرًا على العرب والأمة العربية وعلى الخليج العربي بكل دوله ومكوناته من احتلال دولة الولي الفقيه للعراق وسوريا.. وأيضًا للبنان فقد كان في غاية الشجاعة والحكمة قرار «عاصفة الحزم» الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وتبنته معظم الدول العربية.. «العربية فعلاً» وبعض الدول الإسلامية فأصبح هناك هذا «التحالف العربي» والتحالف الإسلامي اللذان حظيا بتأييد ومساندة ودعم دول العالم الكبرى كلها من دون استثناء.

ويقينًا، إنه لو لم يأتِ قرار «عاصفة الحزم» في وقته وفي اللحظة المناسبة وحاسمًا وحازمًا وبدأ تنفيذه فورًا ومن دون أي تردد وأي تأخير لحصلت متغيرات كثيرة على الأرض في منطقة الخليج العربي كلها وفي المنطقة العربية بأسرها ولأصبحت الإنجازات التي حققها «التحالف العربي» بقيادة المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة القصيرة بحاجة ليس إلى عام واحد أو عامين، وإنما إلى سنوات طويلة مما كان سيؤدي إلى اختلالات كثيرة في الشرق الأوسط كله.

وحقيقة، إن «عاصفة الحزم» رغم كل هذه الظروف والأوضاع المعقدة الشديدة الصعوبة فعلاً قد تمكنت من اجتراح إنجازات عسكرية وسياسية عظيمة، وهائلة تمثلت في طرد «الحوثيين» وعلي عبد الله صالح من جنوب اليمن كله الذي يشكل غالبية الأراضي اليمنية، ثم ها هي قوات التحالف العربي تقف الآن على أبواب صنعاء العاصمة، وهذا بعد الحفاظ على الشرعية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته والحفاظ على مكانة الدولة اليمنية في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة وفي كل الهيئات الدولية الفاعلة، ويبقى هنا أن هناك جانبًا مهمًا جدًا لا بد من الإشارة إليه، وهو أن «عاصفة الحزم» قد أشعرت العرب أنَّ بإمكانهم إنْ هُمْ توحدوا أن يواجهوا أي تحدٍّ لهم ولوجودهم في هذه المنطقة التي ستبقى عربية مهما حاول المتطفلون والمتسللون من الخارج أن يغيروا هويتها القومية اعتمادًا على جيوبهم العميلة ليستعيدوا ما يعتبرونه «أمجاد» إمبراطورية فارس القديمة التي زالت وهي لن تعود لأن حركة التاريخ كانت قد تجاوزتها منذ ألف وخمسمائة عام ويزيد.

قبل أن تنطلق «عاصفة الحزم» وتُوحِّد الوجدان العربي وتنشئ هذا التحالف القومي الذي تجاوز الأبعاد العسكرية إلى الأبعاد السياسية الاستراتيجية، رأينا كيف كان يحتل حسن نصر الله، وكيل الجيب الإيراني في ضاحية بيروت الجنوبية، شاشات الفضائيات ويهدد بأن اليمن سيتم إلحاقه وقريبًا بالعراق وسوريا، وأنَّ عمامة الولي الفقيه سوف يتم فردها فوق هذه المنطقة كلها، لكن ها هو الآن يصمت صمت أهل القبور، وبالتأكيد فإن أسياده في طهران سيسيرون على طريقه عندما يثبت أنه لا يحق إلا الحق، وأنه لن يكون العراق إلَّا عربيًا، ولن تكون سوريا إلا عربية، وكذلك لبنان، واليمن السعيد.