الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢١ مساءً

"وين كنا ووين صرنا"

ميشيل كيلو
الأحد ، ٢٨ فبراير ٢٠١٦ الساعة ٠١:٢٤ مساءً
لست من قال هذه الجملة التي تحمل معاني عديدة، منها شعور قائلها بالفخر والاعتزاز، لقيامه بأفعال أخرجت شخصاً ما من حال عاديةٍ، أو بائسة، إلى حالٍ يحسد عليها. "وين كنا ووين صرنا"، هذا ما قالته أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، في حفل نظمته لعدد من أطفال سورية، ألقت فيهم خطاباً موضوعه "صدقوا أو لا تصدقوا" الإنجازات التي تحققت لأطفال سورية في السنوات الخمس الماضية، سنوات قمع الثورة والقضاء على الشعب السوري الذي كاد يصير تاماً. وحتى لا يبقى أي مجال لسوء الفهم، فقد أرفقت قولها بابتسامةٍ عريضةٍ، وكلمة "عن جد، وين كنا ووين صرنا" التي تعني أنها لا تهزل، وأنها سعيدة جداً بما صارت سورية عليه.
في حديث مع جريدة البايس الإسبانية، أكد زوج أسماء أنه يشاركها سعادتها بما وصلت سورية إليه، وأن أسباب سعادته تتجاوز الأطفال إلى عموم السوريين الذين سيرون فيه "بعد عشرة أعوام رجلاً أنقذ بلادهم". ومع أنه قد لا يكون عندئذ رئيساً، إلا إذا أجبره الشعب على تولي رئاسته، كما حدث في المرتين السابقتين، وكيف لا يجبره، وهو يرى فيه منقذ بلاده؟
لماذا ستمر عشرة أعوام، قبل أن يرى السوريون فيه منقذهم؟ هذا ما لم يفصح عنه بشار السعيد الذي أقر بدور قوات الاحتلالين، الروسي والإيراني، في إنقاذه من السقوط، ويأمل أن يبقيه المحتلون عشرة أعوام أخرى في السلطة، يعتقد أنها ستكون كافية لغسل أدمغة السوريين، وجعلهم ينسون ما ارتكبه من جرائم ضدهم، أسعدت قلب زوجته التي أعلنت أمام أطفالٍ دمرت معظم مدارسهم، وتشردت غالبية جيلهم في أربع جهات الأرض أو غرقت في البحر. إن أوضاع أطفال سورية تحسنت إلى درجةٍ يُحسدون عليها، وإن النقلة الهائلة التي أنجزوها ترجع، من دون شك، إلى ما تهاطل عليهم، طوال عامين ونيف، من براميل متفجرة وصواريخ فراغية وقنابل عنقودية، تنفيذاً لأوامر زوجها الذي قدّر في حديثٍ صار شهيراً عدد الإرهابيين السوريين ببضعة ملايين، وتعهد، في أحاديث متكرّرة بالقضاء عليهم، وأعلن أنه لن يوقف براميله وصواريخه، قبل الإجهاز على آخر واحد منهم.
من غير المعقول أن يحاول أي متابع، مهما كان خبيراً، تعداد الخدمات التي قدمها الأسد وزوجته لأطفال سورية، ويتطلب سردها في وثائق المنظمات الدولية وهيئات حقوق الإنسان وتحقيقاتها وإحصائياتها عشرات آلاف الصفحات، مع توصية بإحالة من "أسعد" أطفال سورية إلى محكمة الجنايات الدولية، لينالا جزاءهما، بسبب ما أنزلاه من بؤسٍ لا يوصف، وشقاء لا يحتمل، بالأحياء من الأطفال الذين يقولون بحسرة إنهم يفضلون لو أنهم ماتوا مع من قضوا تحت أنقاض مدارسهم وبيوتهم، وفي أغوار البحار التي ابتلعتهم، ولا يعرف أحد في جوف أي حوت أو أية سمكة قرشٍ كان مستقرهم.
لطالما تحدث عارفو الأوضاع السورية عن غربةٍ مطلقةٍ عن الواقع، يعيشها بشار الأسد وبطانته، جعلته يتوهم أن مرور عشرة أعوام سيكون كافياً لجعل السوريين ينسون أنهم بحاجة إلى مائة عام، كي يسامحوه على ما فعله بهم. بينما تقول كلمات زوجته إن عدوى الغربة عن الواقع أصابت زوجته التي لا تجد في حياة أطفال سورية ما كان يجب أن يدفعها إلى الموت كآبةً وحزناً عليهم، وتشعر بالسعادة، بسبب ما آلوا إليه من بؤسٍ وهلاك، وتدوس، بقولها "عن جد، وين كنا ووين صرنا"، على أرواحهم كجيل استبيحت حياته، بينما تتعرّض بقاياه التي تحسدها أسماء الأخرس، لما لم يسبق أن عرفه تاريخ العرب في أي جيلٍ من أجياله من عنف وإجرام منظم.

"العربي الجديد