السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٠ صباحاً

إنتصار الحقيقة ... بقوة الروح والمحبة

بشير المصباحي
الخميس ، ٠١ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
لقد أردت أن أتعرف على أفضل ما في حياة شخص يحمل اليوم سيطرة لا جدال فيها على قلوب ملايين من البشر ... ولقد أقتنعت أكثر من أي وقت مضى أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها أكتسب الإسلام مكانته ، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه ورسالته.

هذه الصفات هي التي مهدت الطريق وتخطت المصاعب وليس السيف.
تلك العبارات مقتبسة من أقوال (المهاتما غاندي أو كما يسمونه أبو الهند أو الروح الكبيره والذي سمي بهذا الإسم لأنه قاد مئات الملايين على طريق الحرية بقوته الروحية التي أدهشت العالم).

ومن واقع أنه ليس سهل أمام الشعب اليمني الثائر بعد كل تلك التضحيات أن يقف متفرجا أمام القوى السياسية التقليدية الموقعة على الإتفاقية الخليجية وأليتها التنفيذية التي أغفلت دور الشباب ضمن بنودها بشكل واضح ، وتناست دماء الشهداء تماما ، وتجاهلت ثروات الشعب التي تقاسمت إمتيازاتها قوى النفوذ من أركان النظام خلال العقود الماضية.

وفي نفس الوقت وبالرغم من كل ذلك فإنه من الصعب على اليمنيون رفض التعاطي مع تلك الإتفاقية لأسباب عدة من ضمنها:
1- إن الإتفاقية وأليتها التنفيذية قد تكون ملبية للحد الأدنى من مطالب التغيير التي خرج في سبيلها الشباب وأنها تعطي الأمل بتحقيق التغيير المنشود في حالة صدقت النوايا من قبل الموقعين عليها ومن شملتهم بالتنفيذ .. ومن هنا فإن الحاجة لإستكمالها بالمقترحات العملية التي تضمن عدم مصادرة الثورة من قبل أركان النظام من الحرس القديم ، وكذلك بقاء زمام الأمور بيد الشباب والتعامل معها كمكسب ثوري يستحق أن نحشد في سبيل تنفيذه كل الطاقات والهمم .. حتى نصل من خلاله إلى تحقيق الأهداف والطموحات الأشمل وبناء مؤسسات قادرة على حماية الوطن وثوابته ومكتسباته التي هي ملك لكل الأجيال المتعاقبه.

2- إن العامل الخارجي وبمشيئة إلاهية كانت مصالحه تصب في إتجاه توحيد الجهود على الساحة الوطنية وبشكل أو بأخر فإن دول الجوار الإقليمي وأنظمة القرار العالمي ستكون هي المراقب على تنفيذ هذه الإتفاقية بما يلبي إستراتيجيتها في المنطقة والتي لا يتسع المقام هنا لذكرها ... ومثل هذا الأمر يمكن أن يساعد الشعب اليمني كثيرا خلال المرحلة القادمة لتخطي المصاعب وتحقيق الأهداف والطموحات المرجوة.

3- إن أي رفض مباشر لهذه المبادره قد يجعل أبناء الشعب ينصدمون بالمتنفذين والقوى الرجعية من كل الأطراف والتي تملك المال والقوة بحكم إحتكارها لثروة الشعب ومقدراته وبالتالي فإن المواجهة ستكون مفتوحة وستؤدي إلى إنهاك الصف الوطني وتجزئته في ظل طغيان للأعراف والتقاليد وعوامل الجهل التي تجعل من الوطن ومصالحه العليا أمرا إستثنائيا لدى شريحة كبيره من المواطنين والأهم هنا أن يتم إستيعابهم وتثقيفهم بحقوقهم وواجباتهم ضمن حملة وطنية شاملة بدلا من كسب عدائيتهم لأي مشروع وطني قادم.

4- إن المواطنون قد أصبحوا في وضع سئ للغاية بسبب المعانات الناتجة عن إنقطاع الخدمات الأساسية وندرة الطاقة الكهربائية وإنعدام فرص العمل والتضخم في سعر المشتقات النفطية والمواد المواد الغذائية والإستهلاكية المفتعلة بشكل مقصود من قبل أركان النظام لمعاقبة الشعب على مطالبته بحقوقه المشروعة في التغيير.

5- مع أن القوى الموقعة على المبادرة الخليجية هي نفسها التي تمثل أحد أهم الأسباب للأوضاع المتردية التي وصلت إليها البلد ، إلا أنه في الوقت نفسه لا يمكننا القول أنها مجتمعة ستتفق على ظلالة في ظل وجود بعض الشخصيات الوطنية مثل الدكتور / ياسين سعيد نعمان والدكتور / عبد الكريم الإرياني والأستاذ / محمد سالم باسندوه والذين كانوا حاضرين للإتفاق وموقعين عليه ، حيث أن تأريخها الحاضر في أذهان المواطنين يشهد لها بإستحالة أن يتحول الجميع إلى شهود زور في هذه الإتفاقية ، ومن هذا المنطلق فإن منح هؤلاء فرصة أخيره في ظل ضوابط حقيقية يضعها الشباب هو الأقرب للمنطق والعقل.

وبناء على ذلك وحتى نكون أمام منعطف تأريخي حقيقي فإن الواجب علينا أن نستغل هذه المرحلة في سبيل تحقيق طموحات أبناء الشعب اليمني والمحافظة على هذا الإنجاز الوقتي والمرحلي والتعويل على ما بعده شريطة إعمال الفكر السياسي الثوري الذي يجب أن تتحول طاقاته وإمكانياته وكوادره إلى ميادين العمل والبناء التي شملتها المبادرة والتي لم تشملها على حد سواء.

وهذا الأمر لا يتناقض مع الفعل الثوري مطلقا بل إنه يعززه ويقويه فالثورة بالأساس هي عمل سياسي منظم وهي على عكس الإنتفاضة التي في الغالب ما تكون عمل عاطفي مندفع وغير مدروس.

وهي وفقا للمفهوم المعاصر ((التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته كالقوات المسلحة أو من خلال شخصيات تأريخية لتحقيق طموحاته في تغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من الإنجازات الثورية غير الإعتيادية).

وبهذا التعريف وطالما أن أدوات الشعب ليست بأيدي الثوار خاصة إذا ما عرفنا أن كل مؤسسات الدولة قد جيشها قادة النظام بما يخدم مصالحهم خلال السنوات الماضية وأننا لا نمتلك أجهزة قوية كالقضاء أو الجيش لحماية إرادة الشعب بما يضمن إستلام الشباب لزمام القيادة من دون مقدمات في ظل وجود سلطات قضائية فاسده وجيش منقسم على نفسه ومتعدد الولاءات .. وأمام هذه التحديات ومن أجل تصويب العملية في الإتجاه الصحيح فإن علينا تجييش العمل الثوري والدفع به إبتداء نحو إمتلاك مقدرات الشعب التي من خلالها سوف يكون التغيير متاحا وبأقل الخسائر.

ومع إعتماد سلمية الثورة التي ضربنا بها أروع الأمثلة على الصبر والشجاعة والتضحية النابعة من تأريخنا الحضاري والتأريخي الفريد والهائل ، فإن الواجب علينا التفكير مليا في الأساليب التي يجب أن نفرضها على القيادات السياسية التي وقعت على تلك الإتفاقية التي يجب أن يتم دراستها جيدا مع الأخذ في الإعتبار النقاط الرئيسية التالية:

1- بإعتبار أن منصب الوزير منصب سياسي وبحكم أن الشباب لم تتاح لهم أي فرصة حقيقية سابقة في تبوء مناصب قيادية في مواقع القرار ، فإنه من الطبيعي أن تكون القيادات القادمة في الحكومة من الحرس القديم ولكن علينا بالمقابل أن نضغط في إتجاه تسليم مفاصل الوزارات والمؤسسات الحكومية والمواقع التنفيذية المختلفة من قيادات الصف الثاني والثالث سواء كانوا وكلاء أو وكلاء مساعدين أو مدراء عموم وإدارات يجب أن يتم تسليم هذه المواقع القيادية للشباب المؤهل والنزيه من مختلف تيارات التحديث لكافة القوى الموقعة على الإتفاق أو من خارجها وبذلك سوف نضمن اللبنة الأولى لعملية التغيير الحقيقي والمنشود والقيام بنهضة تنموية شاملة كلا من موقعه الإداري ، حيث لا يمكن حدوث تغيير في هذه الوزارات والإدارات الحكومية مع بقاء الهرمية الإدارية السابقة في تلك المرافق والتي سوف تحول دون تحقيق أي عملية إصلاح حقيقي ، وسوف تقوم بالتحايل على تنفيذ الخطط والبرامج بما يضمن بقاء قوى النفوذ مسيطرة على مصالح الناس ومعاملتهم بنفس الطريقة والروتين السابق الذي جعل الفساد يتمدد كل يوم بشكل أكبر.

2- إشراك الشباب في كل الهيئات الوطنية التي سوف يتم تشكيلها وفق ألية تضمن لهم المساهمة في صنع القرار وتحمل مسئولية بناء اليمن الجديد وعلى رأسها اللجنة العليا للإنتخابات والهيئات الفرعية المنبثقة عنها وكذلك لجنة إعداد الدستور واللجان المشرفة على تنفيذ المبادرة الخليجية وأليتها وبما يضمن للشباب الإطلاع عن قرب على مستويات التنفيذ بدلا من تنويم الشعب لمدة عامين وبعدها نكون في النقطة التي توقفنا عندها حاليا إن لم يكن أسوأ من ذلك.

3- يتم توحيد جهود شباب التغيير من كافة التيارات الحزبية في ملتقى وطني واحد يقومون من خلاله بتشكيل حكومة ظل تراقب عن كثب كل ما تقوم به الحكومة الرئيسية وتقوم بإبداء الملاحظات وفضح مكامن الخلل أو التقصير الذي قد يحدث من هذا الطرف أو ذاك وكشفه للرأي العام وتقديمه لجهات المحاسبة المختصة للتعامل معه وفقا للقانون.

4- يجب على قيادات الأحزاب القائمة أن تسمح لكوادرها الشابه أن تتبوأ المناصب القيادية العليا للحزب بما يضمن مشاركة فاعلة لكافة الإتجاهات وكذلك تمكين المرأة من حقوقها السياسية في التكوينات الداخلية المختلفة لكل حزب أو تنظيم سياسي.

5- يجب على الشباب وإستشعارا من روح الوحده الوطنية ومطالب التغيير ووفاء لدماء الشهداء أن يعملوا كل ما بوسعهم لمواصلة العمل الثوري الميداني في كل المرافق الحكومية وأن يعملوا على تعزيز نقاط الإلتقاء التي تمثل قواسم مشتركة لجميع اليمنيين ونبذ الفرقة والخلاف وعوامل التفرقة وتغليب مصلحة الوطن على كل ما سواها وفي سبيل ذلك فإن على الشباب المستقل والغير مؤطر تنظيميا في أي من الأحزاب القائمة أو الذي يرغب في الخروج من تلك الأحزاب سرعة القيام بتأسيس تنظيم أو حزب سياسي جديد يضاف إلى الأحزاب القائمة حتى تتظافر الجهود وتكون عامل ضغط قوي لإحداث التغيير المنشود في مسيرة العمل الوطني وذلك بالشراكة والتعاون مع الشباب الوطنيين الشرفاء في مختلف الأحزاب والتكوينات السياسية المختلفة ، وكفالة حقوق النساء للمشاركة جنبا إلى جنب مع الرجال وفقا لما تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي.

وبهذا فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على الخطوة الأولى للعمل الوطني الجماعي الذي يضمن إنتشال اليمن من الوضع المأساوي الذي يعيشه أبناءها وسوف يكون القرار بأيدينا كقيادات شابة تعمل على ترجمة تطلعات وأمال الشعب وفقا للمفهوم الحضاري والناضج الذي يقبل بالأخر ولا يقصيه ويؤسس لدولة مدنية حديثة يجد الجميع في ظلها كرامتهم وحريتهم كاملة غير منقوصة ، وتمنح فرصا متساوية لكل الفرقاء السياسيين وفقا للقانون الذي يجب أن يسود على الجميع وبإعتبار المصلحة الوطنية في المقام الأول والأخير.
(فالنصر حركة .. والحركة عمل .. والعمل فكر .. والفكر فهم وإيمان .. وهكذا فإن كل شئ يبدأ بالإنسان).

كما قال الزعيم الراحل / جمال عبدالناصر رحمة الله عليه.