الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٠ مساءً

الإرهاب الفرنكفوني

نبيل البكيري
الثلاثاء ، ٢٩ مارس ٢٠١٦ الساعة ١١:١٤ صباحاً
فجر الباحثان الأمريكان في معهد بروكنغز وليم ماكنتس وكروستوفر ميسيرول مفاجأة كبيرة في تعاطيهم مع ما باتيعرف بالظاهرة الإرهابية، التي ظلت حتى اللحظة واحدةمن القضايا التي ظلت تقرأ من زاوية أحادية الجانب لاتخدم سوى التوظيف السياسي والاستخباراتي لهذه الظاهرة الإرهابية المختزلة في تشويه كل ما له علاقة بالإسلام.
لم يكونا ماكنتس و ميسيرول أول الباحثين الذين ذهبا إلى هذا المنحى في قراءة جذور الظاهرة الإرهابية باعتبارها واحدة من منتجات السياسة الغربية في العالم الثالث والعالم الإسلامي خصوصاً، هذه القراءة التي تحاول المدرسة الاستشراقية الفرنسية المشهورة في جودتها البحثية أن تتغافلها و تقاربها مقاربة أمنية بحته لا علاقة لها بالقراءة البحثية المنهجية في قراءة الظواهر و استبطان جذورها.
قدمت المدرسة الاستشراقية الفرنسية كوكبة من الدارسينلهذه الظاهرة التي تفضل المدرسة الفرنسية تسميتها بالإسلام السياسي، في ربط غير منطقي بين الظاهرة و كلما له علاقة بالإسلام كدين وقيم حياة، وكان معظمهم ينظرون للسقوط المبكر لظاهرة الصعود الإسلامي الديمقراطي من خلال صناديق الانتخابات كما حرص جيل كيبل على ذلك في كتابته صعود و سقوط الإسلام السياسي في تسعينات القرن الماضي مع فوز جبهة الإنقاذ الجزائرية في انتخابات عام 1992م.
أما اليوم وفي خضم هذه التحولات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة عقب ما عرف بثورات الربيع العربي والتي ساهمت فيها السياسات الغربية وبكل وضوح في عرقلة مسيرة الانتقال السياسيي والديمقراطي في بلدان الربيع العربي، من خلال تأييدها الواضح والصريح للانقلابات العسكرية التي حدثت في مصر وبعدها في اليمن و ليبيا وتونس على نتائج أول انتخابات أجريت بعد أحداث الثورات والتي أدت إلى صعود التيارات السياسية ذات الخلفية الإسلامية إلى سدة الحكم و هو ما دفع بالأنظمة الغربية إلى تبني سياسات مساعدة في عودة أنظمة الاستبداد السياسي العسكرية كما هو الحال في مصر.
وعودة إلى نتائج دراسة كل من ماكنتس و ميسيرول فيما يتعلق بدراسة حالة المسلمين في المجتمعات الفرنكفونية والتي بينت أن أربعة من خمسة مجتمعات تزداد فيها الهجمات الإرهابية أوروبيا هي مجتمعات ذات ثقافة فرنكفونية حيث أشار الباحثان في مقال لهما في الـ “فورين أفيرز” الخميس الماضي، تحت عنوان “الرابط الفرنسي”، إلى أن الثقافة الفرنسية تلعب دوراً رئيسياً في التطرفالإسلامي، وهو ما أدى إلى ردة فعل من قبل السفيرالفرنسي في واشنطن جيرور أرو الذي قال أن هذا ” النص لا يحمل أي معنى منهجي إنه إهانة للذكاء من أدب بروست إلى داعش”
و أي كان الرد الفرنسي الرسمي على هذه الدراسة فإنها لا تقلل من حجم هذا الاختراق المنهجي لأسطورة علم الاجتماع الفرنسي، الذي سيس أدبياته كثيراً وهو الذي كانيقدم على أنه المنهج الأكثر علمية و إتزان في قراءته للظواهرالاجتماعية على مدى قرن من الزمن، ونسى و تناس الكثيرمن الباحثين أن الهدف الأول لهذه المدرسة كان معروفاً منذ نشأته الأولى ككتيبة متقدمة في الجيوش الفرنسية التي اجتاحت معظم البلدان.
لا نريد هنا محاكمة هذه المدرسة أو تلك ولكن نريد أن نضعبعض الحقائق في نصابها فيما يتعلق بالظاهرة الإرهابية تحديداً و التي تعتبر ظاهرة طبيعية في واقع معقد كهذا ويشترك في صناعته الغرب وسياساته بنسبة أكبر من أي طرف أخر، و هو ما أثبتته الأحداث التراجيدية الأخيرة التيتعيشها بلدان الربيع العربي و عودة التنظيمات “الإرهابية” التي خرجت من رحم الفوضى المسنودة غربياً.
إن الاستبداد السياسي المدعوم غربياً هو البيئة الخصبة للإرهاب، وهي البيئة التي ساعدت السياسات الغربية تجاه عالمنا العربي في تخليقها و تختلف نسبة كل طرف عن الأخر في هذه السياسات التي أثبتت أنها جزء من حالة الاستعصاء التي رسمت ملامح الدولة الوطنية العربية فيما بعد الاستعمار الذي رحل و ترك نخبه الحاكمة التي قامت ثورات الربيع العربي لإزاحتها وبعد ازاحتها فإذا بمجتمعاتنا العربية وجها لوجه مع الراعي الرسمي للأنظمة المتساقطة، فكانت خيارات الفوضى هي الخيار الأنسب للسياسات الغربية لدفع المجتمعات العربية نحو خيار العنف والإرهاب كبديل عقابي لثورتهم على نخب السياسة الغربية في العالم العربي.
وفي الختام وقبل هذا كله، تعتبر النسخة المتطرفة من العلمانية الفرنسية واحدة من العوامل التي تدفع شبان ما يسمى بالضواحي الفرنسية الى الانخراط في دوامة العنف كردة فعل طبيعي على سياسة الاقصاء والتهميش لهذه الأجيال التي ولدت وترعرعت في فرنسا فلم تجد من حكومات فرنسا سوى هذه السياسات الاقصائية الظالمة التي تعد بيئة خصبة للعنف والتطرف.