الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥١ صباحاً

صحافة ورق.. صحافة نت!

سعدية مفرح
الاربعاء ، ٣٠ مارس ٢٠١٦ الساعة ١٢:١٩ مساءً
باعتباري صحفية مضى على عملي في الصحافة اليومية ما يزيد على ربع قرن، كثيرا ما سئلت عن رؤيتي لمستقبل الصحافة اليومية في ظل تزايد الاهتمام الجماهيري بأخبار الفضائيات التلفزوينية بالإضافة إلى المواقع الالكترونية وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر.

وعلى الرغم من انحيازي، العاطفي، للصحافة اليومية الورقية، والتي نشأت عمليا في ظلالها منذ أن كنت طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، الا أن هذا الانحياز لا يمنعني من رؤية ما يحدث على أرض الواقع الصحفي؛ فالقراء أصبح من السهل عليهم تلقي الخبر والرأي والمعلومة والصورة، وهي المواد الأساسية للصحافة، من الأجهزة الذكية الصغيرة التي ترافقهم في كل مكان، بدلا من انتظار كل ذلك حتى صباح اليوم التالي أو الذي يليه لتكبد عناء شراء جريدة وقراءة ما فيها. ولكن الصحف الورقية نفسها أصبح لها مواقع إلكترونية وبذلك زادت نسبة قراءتها إلكترونيا. لكنني من جانب آخر، أرى الصحف الورقية ما زالت تحظى بمصداقية لدى القارئ العربي تحديدا أكثر من الصحف الإلكترونية، كما أن كثيرا من الخدمات الإخبارية المحلية على سبيل المثال تعتمد في عملها على الصحف الورقية وعلى مواقع الصحف الورقية في شبكة الانترنت، وذلك لأن الصحف الورقية تحظى ببنية صحفية قوية مقارنة لها بمواقع الانترنت وخدمات تويتر المحلية تحديدا على سبيل المثال.

فالصحف الورقية تتمتع بشبكة مراسلين وتدقق كثيرا في نشر أخبارها وموضوعاتها نتيجة لتوفر عامل الوقت الكافي أمامها قبل النشر، ولأنها ربما في كثير من الأحيان تبدو مُساءلة قانونيا ورسميا وحتى جماهيريا أكثر من المواقع الالكترونية.

ولكن هذا لا يعني أن الصحف الورقية أكثر موضوعية مثلا، فأنا أرى أن الجميع لم يصل للموضوعية المثالية صحفيا، وطبعا النسبة متفاوتة هنا ما بين وسيلة صحفية وأخرى بغض النظر عن نوعها سواء أكانت ورقية أو ألكترونية.

والأجهزة قد تكون أقصت الورق لكنها لم تقصِ الصحافة الورقية، بمعنى أن كثيرا من القراء لم يعد يشتري الجريدة الورقية المفضلة لديه لكنه في نفس الوقت لم يتخل عنها بل أصبح يطلع عليها عن طريق ما يملك من أجهزة ذكية.

ولهذا لا أظن أن أن الصحف اليومية ستندثر وتتلاشى ولكنها ستتحول إلى وسائل أخرى للوصول للقارئ، فالجريدة عموما ليست ورقا وحسب بل هي أولا مادة خبرية ورأي وصورة وتحقيق وغير ذلك من مواد يمكنها أن تصل للقارئ عبر وسائل أخرى ربما لا يكون الورق من بينها. ثم أن الجميع مطالب دائما بالتفكير في طرق لتطوير عمله، وكل الصحف تعمل على هذا الصعيد. وكثير منها بدأت فعلا بمواجهة التغيرات الجديدة التي طرأت على المهنة والعمل على استغلال هذه التغيرات لصالحها.

على أن الخطر الدائم والأكبر الذي يواجه الصحيفة أو اي وسيلة إعلامية أخرى ليس ظهور وسيلة جديدة بل عدم اهتمامها بمهنيتها ومصداقيتها أمام القارئ. وما سقط من الصحف الورقية نتيجة تأثره بالتطورات الالكترونية الجديدة أقل بكثير مما سقط من الصحف الالكترونية نتيجة عدم موضوعيتها وفقر مهنيتها.


"الأثير العمانية"