الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٠ صباحاً

في ذكرى استشهاده .. لماذا ومن قتل الزبيري ؟

موسى المقطري
السبت ، ٠٢ ابريل ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٥٣ مساءً
تمرُّ علينا هذه الأيام علينا ذكرى رحيل الاستاذ الشهيد محمد محمود الزبيري الرائد الالمع للحرية في تاريخنا اليمني الحديث .

القاضي الزبيري وهب وقته وجهده وامكانياته لتوطيد قيمة الحرية ، والانعتاق من سلطة الحكم الفردي الذي استعبد الشعب وصنفهم كعمال في اقطاعية خاصة يملكها شخص يعتبر نفسه صاحب حق الهي في ذلك .

الزبيري جاء من صنعاء القديمة ، وتربى في حضن الزيدية الهاشمية إلا أنه لم ينساق لهفواتها ، ولم يقتنع بخرافاتها بشان الحكم والرعية ، واعتبر ما يحصل لايمت للدين بصلة بقدر ما هو اشباع لشهوة الحكم والتحكم لدى الائمة لا غير .

تنوعت مصادر بناء شخصية الرجل من علمه الواسع بالشريعة ، ثم تأثره بفكر جماعة الاخوان المسلمين أثناء تواجده بمصر ، وبين ذاته وتأثره مخالطته لرجال القضية الوطنية في صنعاء وعدن والقاهرة .

توافقت رغبة الانعتاق لدى الزبيري بما وجده لدى الاخوان المسلمين ، فهم يؤمنون بقيمة الحرية وفعل التحرر ، ولا يميلون لفكرة احقية سلالة او مذهب بالحكم ، فالحاكم وفقا لادبيات الجماعة خادم للشعب لا مخدوم ، والكفؤ هو الاحق بلا تفريق بين سلالة وأخرى .

ظل الزبيري حياته يؤصل هذه القيم وكانت مسيرة نظاله ترتكز على احقية الشعب باختيار حاكمه فقارع الامامة مع رفقائه الاحرار وكانت الخاتمة ان ذهب الحكم الامامي غير مأسوف عليه .

واصل الزبيري نشاطه في سبيل تحرر الشعب من اي وصاية فقارع من حاولوا تحوير الثورة لحسابهم ، وعارضهم فلمَ ترضَ عنه القوى واجتمعت عليه فعاد للشعب باعتباره صاحب الحق ومنه واليه تذهب السلطة وتعود .

هذا كله جعل من الزبيري هدفاً لاعداء الحرية وهواة الاستعباد ، والمشهد يتكرر في كل عصر ومصر ، مع اختلاف الادوات والاقنعة والمسميات .

قتل الزبيري في ظروف غامضة وتم لاحقا التستر أو إخفاء قاتله ، واغلق الملف بأسلوب غريب وكأن الراحل لم يكن قائد ثورة ، وصانع حرية، ورقم صعب في معادلة التحرر من الاستبداد .

حتى اليوم لم تظهر بوضوح الجهة التي اغتالت الزبيري ، إلا أن الصحفي المتميز سعيد ثابت نشر ذات مرة صورة وثيقة هامة حصل عليها يمكننا الاستدلال منها على الفاعل .

الوثيقة عبارة عن رسالة موقعة من الشهيد الزبيري للمرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر فيها حديث عن قضايا كانت حاضرة وفيها نص يذكر فيه الزبيري أنه إذا حصل له اي مكروه فإن الفاعلين هم المصريون .

انا أميل لصحة هذا الاعتقاد فالتدخل المصري برغم ما أفاد اليمنيين ، فإنه كان يخفي أطماع من عبد الناصر بالحكم والسيطرة ، وكان يراد ان يكون قائد الجيش المصري في اليمن هو الحاكم الفعلي ، وهذا ما كان يعارضه الزبيري ومعه لفيف من الشخصيات الوطنية .

ومما يؤكد هذا المذهب إن جبهة الملكيين لم تكن في صالحها قتل الزبيري في ذلك التوقيت ، لانه كان وقتها في خلاف مع المصريين وكان ينادي بأن يمتلك اليمنييون قرارهم ويتصالحوا مع بعضهم ، وهذا الخطاب يستهوي الجانب الملكي يومها ، وهو ما حصل فيما بعد وتم استيعاب قيادات مؤثرة كانت في صف الملكيين في صف الجمهورية وهدئ الصراع القائم .

اليوم يعيد التاريخ نفسه ويعود مدَّعو الحق الالهي للظهور بوجوه جديدة محسَّنة ، وينبري أبناء الزبيري وأحفاده لردعهم ، وفي طريق الحرية تتساقط رؤوس الاحرار ويروون الارض بدمائهم الطاهرة .

المشهد يتكرر مع فارق ان القضاء على الاماميين الجدد اسهل من ذي قبل ، لأن يمنيو القرن الواحد والعشرين ليسوا يمنيو عصر الامامة العالقون في بؤرة الجهل والتخلف .