السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٩ صباحاً

من أرض الأعبوس، مواقف ودروس..

جلال الدوسري
السبت ، ٠٩ ابريل ٢٠١٦ الساعة ٠٨:٤٩ صباحاً
سبق لعزلة الأعبوس التابعة لمديرية حيفان بمحافظة تعز أن أُدخلت في معمعة الصراع القائم على العنف في أكثر من مكان من وطننا الحبيب.
وإن كان ليس من المستغرب أن تتوسع دائرة هذا الصراع ليمتد ويتغلغل في العُزل والقرى القريبة والبعيدة من المدن، حيث ندرك من خلال المتابعة والقراءة المتعمقة للأحداث أن كلا الطرفين سعيا ويسعيان لذلك وكل طرف لأسباب خاصة به يرى أن فيها تحقيق مكاسب له.
كما ليس هناك غرابة بأن كانت الأعبوس إحدى المناطق المستهدفة عمداً بإدخالها معمعة الصراع، وليس ذلك لأجل سبب واحد كما يرى البعض من ذوي النظرة القاصرة والتفكير الضيق الذين يقولوا بسبب موقعها الجغرافي الإستراتيجي المطلة بعض جبالها الشامخة على لحج وعدن.. وإنما هناك أسباب أخرى نراها صريحة واضحة وتتمثل بعضها بالآتي:ـ
1 ـ إستغلال موقع المنطقة للإسترزاق من أتباع لهذا الطرف وذاك، على إعتبار أنه يمر عبرها طريق رئيسية تربط بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية.
فاتخذوا هذا حجة بعذر أن كل طرف يعمل على منع الطرف الآخر من الوصول إلى المنطقة الأخرى.
2 ـ تاريخ المنطقة يشهد لمستواها العلمي والثقافي والسياسي والنضالي شمالاً وجنوباً. وكل طرف اليوم يعمل على محاولة الإنتقام من ما أثرته هذه المنطقة من عطاءات زاخراة معاكسة لمشررعات الطرفين الضيقة.
3 ـ ونتيجة لتراكمات تاريخية حقدية إنتقامية؛ يسعى كل طرف في محاولة إعادة تشكيل وعي وثقافة وفكر وعقيدة مجتمع المنطقة بحيث يريد كل طرف تشكيله لصالحه في إطار محاولات التشكيل العام.
.
دخل طرفا الصراع إلى الأعبوس وليتمركز كل طرف في مناطق معينة منها بشكل يمكن إعتباره متساوي.
وفي حقيقة الأمر أن المتمركزين والمتمترسين هنا وهناك ليسو من أبناء المنطقة ولا يوجد بين أي منهما من أبناء المنطقة ما يمكن إعتبار أنهم يمثلونها أو يعبرون عنها.. حيث تتواجد أعداد قليلة مع هذا وذاك من بعض الشباب الذين إما أنهم من المتحمسين بناءاً على ولاء وإنتماء سياسي أو مغرر بهم وإما من أصحاب المصالح الخاصة الذين يهمهم الحصول على قوت وتخزينة يومهم.
حيث والمؤكد أن الأغلبية العظمى من أبناء المنطقة يرفضون وبشدة تواجد كلا الطرفين وإن كانوا حتى الآن يقفون عاجزين عن الوقوف في وجهيهما وإخراج الطرفين من المنطقة.. إذ أنهم جميعاً تقريباً من كبار السن والنساء والأطفال. والرجال الرجال بعيدين عن المنطقة مقيمين في مختلف المدن وليس لهم من الأمر غير التفرجة بين صامت يترقب ومفسفس مبعسس يزيد الأمور تأزماً ونار الفتنة إشتعالاً.
بينما حقيقة القائمين على هذا التصارع في الأعبوس هم مجموعات من المرتزقة وقطاع الطرق المتقاولين للإسترزاق الرخيص على حساب أرواح ودماء وممتلكات أبناء المنطقة.. وهم ملفلفين بمعظمهم من الصبيحة ثم التربة وجبل حبشي والصلو وغيرها في طرف ما تسمى بالمقاومة، ومن الشويفة والقبيطة والدمنة وغيرها في طرف ما يسمى بالجيش واللجان الشعبية.
.
منذ أدخلت الأعبوس حلبة الصراع القذرة هذه؛ حلَّ البلاء على المنطقة وتضاعفت المعاناة على أهلها وهي التي تحتضن قرابة ألفين وستمأة أسرة نازحة من مختلف مناطق الصراع في الجمهورية.
فقد أزهقت العديد من الأرواح البريئة وسالت الدماء وتدمرت منازل وشردت أسر وتوقفت الدراسة وقطعت الطرقات، وانعدمت الإحتياجات من غذاء ومياه وأدوية و و و و و.
هذا، بالإضافة إلى حالات الخوف والهلع والرعب الشديد الذي صار يعانيه الأهالي في كل وقت وحين نتيجة الإشتباكات المتواصلة وتبادل إطلاق النار بين الطرفين من مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتوسطة، يضاعفها تحليق طيران العدوان والقصف الصاروخي على أهداف تأتي بمعظمها غير دقيقة وتأثيراتها كبيرة جداً على المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم.
.
وللأمانة، فإن ما هو مؤكد حتى اليوم عن أكثر الطرفين تبلطجاً وتفسخاً أدبياً وأخلاقياً وقيمياً هو الطرف الذي يمثل ما تسمى بالشرعية والمقاومة.. حيث يكثر الحديث عن أفعالهم المشينة والقبيحة التي تستخدم منهم للإسترزاق في التمترس بين بيوت المواطنين الأبرياء والدفع بالمغرر بهم منهم الى الموت في المقدمة عند تمثيل أي عملية للتقدم أو للصد مخطط لها أن يكون العائد منها ما يمكن الحصول عليه من الداعمين الكبار..
ناهيك عن ما يمارسونه من عمليات ترويع وإبتزاز وإذلال للمواطنين، والأدهى في الحقارة والنذالة هو ممارسة الإختطاف والتغييب لكل من قد يشكون به أو يفتح فمه بإنتقادهم أو الإعتراض على تواجدهم وعلى تصرفاتهم الدنيئة...
هذا، ويعلم الجميع أن من يقود تلك العصابات الرعناء هو شخص يدعى فهمان الصبيحي والذي تأكد أن له قريب يعمل مع الطرف الآخر وكلاهما يعملان بالتفاهم على الإسترزاق من الطرفين.
.
ومن أرض الواقع نجد أن المواطنين قد ضاقوا ذرعاً ولا حول لهم ولا قوة أمام ما يحدث إلا بالله العلي العظيم.
ويأتي الأسوأ من ذلك، أن تصل أنباء وبلاغات شكاوي المواطنين إلى ما يسمى بالمجلس العسكري لمحافظة تعز الذي وجه إحدى كتائبه بقيادة العقيد وليد الذبحاني لتولي أمر جبهة الأعبوس وهو التوجيه الذي كان بعض أبناء المنطقة قد أستبشروا به خيراً، فجاء الفعل مخيباً للأمال وقد أتضح أن هؤلاء الجند أوهن من أن يكونوا بديلاً عن المقاولين الأقدم منهم.. بل وقد أدخلوهم من أول يوم لمهمتهم في ورطة مواجهة تمثيلية مع الطرف الآخر خسروا فيها عدد من خيرة الشباب فيهم.. لينكسروا منها ويثبتوا أنهم غير جديرين بتولي أمر الجبهة فما بالك بمواجهة الطرف الآخر ودحره أو صده..
ومهما يكن من الأمر، فإنهم بقائدهم العقيد وليد الذبحاني صاروا رسمياً تحت عين المسئولية الكاملة عن كل ما يحدث للمنطقة وأبناءها..
ومسئوليتهم اليوم تتحدد بما حدث من إختطاف للأستاذ/ وائل حزام طارش
عضو المجلس الأهلي لقرية المحربي أعبوس الذي تم إعتقالة من قبل مقاولة الصبيحة وذبحان في الأعبوس وهو في طريق عودته من قرية ظبي إلى منزله بقرية المحربي..
وقد بلغت الصفاقة منتهاها والإنحطاط مداه في هؤلاء المجرمين أن يرد أحدهم على هاتف المختطف الأستاذ وائل حزام بأسلوب همجي بلطجاوي مايع، فحين سأله المتصل يستفسر عن المختطف بقوله: من معي؟!!!!! رد عليه ساخراً ومستهتراً بالقــــول: معـــك " المعمعي".
كما رد على شخص آخر بالقول: " عادنحنا باناخذكم علي واحد واحد". وعلى آر يرد بالقول: " يسب لنا ولمقاومة الصبيحية أنهم محتلين القرية"..
فأي معاملة مقاومين هذه؟!! وأي أساليب وتصرفات وسلوكيات وممارسات من أناس يفترض بهم أنهم يكونوا مثالاً لكل ما هو نبيل وخلَّاق وهم كما يقولون أنهم يمثلون الطُهر والخير في وجه الشر والنجاسة؟!!
.
طبعاً.. أكتب هذا والقلب يعتصر ألماً والنفس تنتحب حسرة على ما آل إليه الحال في الوطن عموماً.. ولم يأتي موضوعي هذا عن واقع الحال في منطقتي " عزلة الأعبوس " من باب العصبوية المناطقية الضيقة، وإنما من باب أن يعلم ويدرك الجميع أن هذا الذي يحدث في الأعبوس هو صورة مصغرة لواقع الحال في اليمم عموماً وفي محافظة تعز على وجه الخصوص.
.
وكل ما نتمناه في الأخير هو أن يصلح الله حال البلتد والعباد.. لتنتهي كل هذه الفتن والمحن التي إن استمرت لفترة أكثر فلن يكون بعد هذا إلا الدخول في ما معناه الكارثة.
ونسأل الله السلامة.
.
2016/4/3م ـ صنعاء.