الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٢ مساءً

الاشتغال باللاعبين الاحتياطيين في اليمن

عارف أبو حاتم
الخميس ، ١٤ ابريل ٢٠١٦ الساعة ٠٦:٠٠ مساءً
تحركات الحراك الجنوبي منتصف الأسبوع الجاري لإغلاق المنافذ البرية الجنوبية خطوة تأتي قبيل أيام من مفاوضات الكويت.. التحركات جاءت بمباركة من مسؤولين جنوبين في الداخل اليمني ولها هدف واحد فقط هو إقناع الرأي العام الدولي أن القيادة الشرعية بلا وجهة ولا قرار وغير قادرة على ضبط الداخل المحرر، في وقتٍ تريد فيه تحرير المتبقي!

والأسوأ من ذلك أن يتم تحديد اليوم الذي يسبق موعد بدء المفاوضات في 18 نيسان/ إبريل لـ"إعلان يوم استقلال الجنوب".. لا أحد يشك بجدية ما يفعلون، ولا متحمس في صفوفهم مؤمن بإيجابية أي تحرك قبل استعادة الدولة من عصابة الانقلاب، لكنها تحركات يُراد لها أن تضج هنا، وتؤذي هناك، وتستلفت أنظار كان الأولى بها أن تلتفت إلى قضية استعادة الدولة، وهذا مبتغى إيران من تحركات كهذه.

ضجيج مندفعين توالت عليهم الخيبات من بقاء وحدة اليمن، بعد أن حكمها نظام صالح 17 عاماً منفرداً، تعامل فيها مع الجنوب وأهله –وهم الشركاء الحقيقيون في تحقيق الوحدة- بنفس العقلية التي تعامل بها مع الشمال وأهله منذ جاء إلى الحكم في 17 يوليو 1978.. ظلم وسرقة وإفقار وفساد ونهب بلا حدود، وتفريط بالسيادة.. وزاد في خيبة هؤلاء المندفعين أن النخبة الحاكمة التي جاءت بها ثورة فبراير 2011 كانت أسوأ بكثير من عهد صالح، وإن كانوا جميعاً بلا استثناء قد خرجوا من مشكاة واحدة هي عباءة صالح وحزبه.

حماسة تقود مندفعين وسط الظلام، فتصوروا أن الانفصال هو مجرد نقطة عسكرية تقف على الحدود الشطرية، وهي كفيلة بترتيب ما بعدها من التبعات، ومن خلف هؤلاء جيل "محنط" من القادة المنفيين في قصور وفنادق الخارج يدفعونهم إلى الانفصال وهم أعجز من أن يضبطون أمن محافظة واحدة.
مرةً اجتمع هؤلاء "المحنطون" مع السفيرة البريطانية يذكرونها بمحاسن الاحتلال البريطاني لبلادهم "الجنوب" مقارنة بنظام الوحدة (!) ثم طلبوا منها التدخل لإقناع بلادها بضرورة منح جنوب اليمن حق تقرير المصير، فردت ساخرة: "حين يكون لديكم قائد ثلاثيني يمكنني أن أفكر بالأمر"!

يخرج واحد من مليون من مواقع التواصل الاجتماعي ويذهب لضبط الحدود البرية عبر نقطة عسكرية تمارس سلوكاً عنصرياً فجاً ضد ابناء الشمال، متوهمين أن ذلك سيلفت نظر العالم لمطالبهم، وهم يعلمون أن رئيس الدولة اليمنية الواحدة ورئيس حكومتها الوحيدة ووزيري داخليتها ودفاعها ورئيس استخباراتها ومحافظ بنكها المركزي، وأهم الوظائف السيادية كلها بيد الجنوبيين، ويعلمون أيضاً أن دول التحالف لا تساوم في وحدة اليمن وسيادته.

هؤلاء الضاجون هم اللاعبون الاحتياطيون في منتخب إيران العسكري، تستدعيهم كلما دعت الحاجة!.. ولأنهم لا يستطيعون المجاهرة بالولاء لإيران، فقد قرروا طرق أبواباً أخرى، وعرضوا خدماتهم على من فتحوا لهم الأبواب، وهذه نقطة يجب التوقف عندها، فلا شيء أسوأ من أن يكون الحاكم بلا خيال، ومن يتلاعبون اليوم بورقة الحراك الجنوبي محاولين ترويضه، سيكررون تجربة صالح في ترويض القاعدة، وتجربة هادي في ترويض الحوثي، واستمالته للعمل السياسي المدني.

اللاعبون الآن بورقة الحراك الجنوبي هم ذهنية حاكمة مستنسخة من ذهنية صالح حين تلاعب بالأوراق القابلة للاشتعال، تلاعب بالقاعدة لابتزاز الجوار بالإرهاب، وتلاعب بالحوثي لكسر القوة العسكرية التي بيد حليفه "محسن".. كان يعتقد أن هاتين القوتين يمكن توظيفها عند الحاجة، ويسهل السيطرة عليها إذا دعت الضرورة، وكانت النتيجة أن تراكم الحريق المشتعل حتى التهم وجهه في عملية نوعية مجهولة الفاعل، والغريب أن آخر قرارات صالح الرئاسية كانت توجيه النيابة العامة بعدم التعاطي الإعلامي مع ملف تفجيرات جامع النهدين التي استهدفته وأركان حكمه.

الحديث عن التلاعب بالأوراق المشتعلة يأخذني بالتداعي، ولا أظن فكرة ترويض "الحراك الجنوبي المسلح" قابلة للصمود، فهذه جماعة ولّت وجهها شطر طهران منذ وقت مبكر، ولا يزال كثير من قادتها يتنقل بين بيروت وطهران، ويبدون تأييداً لكل فعل تقوم به الحركة الحوثية، وليس آخره احتجاز شاحنة أسلحة في محافظة شبوة كانت في طريقها من معسكر العبر الحدودي إلى المقاومة الشعبية في تعز.

أعرف يقينا أن هناك قضية جنوبية عادلة، وتستحق النظر لها، والتوقف عندها، فهؤلاء شركاء في القرار والثروة وليسوا موظفين عند أحد، كما فعل بهم صالح، وحين آلت إليهم دفة الحكم، تصرفوا بذهنية المنتقم، واعتقدوا أن خلاصهم سيكون من كل ما هو شمالي، متغافلين عن حقيقتين ماثلتين؛ الأولى: أن مليشيا صالح والحوثي اجتاحت الجنوب في ظرف ثلاث ساعات فقط، وعبثت به ولا تزال بأدوات ورجالات جنوبية خالصة.

والأخرى: أنهم ذهبوا يكافحون البسطاء الشماليين في أراضيهم وتركوا البلاد ومؤسساتها مغنماً لتنظيم القاعدة الذي لا يستطيع أحد إنكار وجوده (وإن كانت قناعتي أن ثلاثة أرباع هذا التنظيم هم من رجال صالح في الجنوب) على غرار رجال صالح والحوثي العاملين في تهريب النفط والسلاح في سواحل شبوة الجنوبية حتى هذه اللحظة.

وإذا أضفنا إلى ذلك إهمال دور ومكانة المقاومة خلال 10 شهور مضت منذ تحرير الجنوب من المليشيا فإننا سنصل إلى قناعة تؤكد أن في الجنوب من لا يريد للجنوب أن يستقر، خدمة لمشاريع إيران الآنية والمستقبلية.
*عربي 21