السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٤ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (7)

عباس القاضي
السبت ، ٠٣ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
جلس الأربعة, الشيخ والحاج والأستاذ, ومعهم عبده غبش, وكان الثلاثة يناقشون تدشين الخطة, وهم ينظرون إلى أول ثمارها, وهو عبده غبش, الذي لا يعرف عن هذا المشروع شيئا, غير أنه يفكر كيف له أن يتعايش مع الوضع الجديد, والحي الذي يسكنه, والذي تحفه مخاطر المعاصي, وأولها زوجته علياء, التي لا تفارقها آلة التسجيل, واللهو, ولهذا قاطعهم قائلا : إلى الآن, لم أنم, برأيكم, هل أعود إلى بيتي؟ التي أنا متأكد أنها فارغة الآن, فعلياء تذهب مبكر, إلى القرى والسوق للتسوُّل, وهنا أطرق برأسه إلى الأرض, وصاح : وا خزءاااااه !, وضرب بطنُ كفِّه جبهتَه زوجتي تتسول, وأنا نائم ! آكل وأنا صحيح الجسم, قوي البنية, من كد رجل قد يكون أضعف مني ؟, أين كان حسي(عقلي) ؟ يا شيخ, يا حاج, يا أستاذ , أي الرجال كنت يوم أمس ؟ يقول هذا وهم منصتين لتعجبه وتساؤلاته, وكان عبده غبش يتكلم بشكل غير مرتب, يضحك أحيانا , ويبكي أحيانا أخرى, أراد الشيخ أن يخرجه من هذا الموقف ليغير من مجرى الحديث بقوله : لدي مقترح وهو أن نوفق بين الخطة المكتوبة, والخطة العملية , لدينا الأخ عبده غبش الذي لا يهمه خطتنا ولكنه جزء مهم منها, ومن أهم مفاصلها, أرى أن نقوم الآن, لتناول الإفطار, فالأخ عبده لم يتعود أسلوب أكلي, حيث كان العشاء خفيفا, ومن ثم ينام بعدها ويفكر بصيد آخر نقتنصه, قال الحاج صلاح : الإفطار جاهز عندي في البيت, ولدي غرفة الحراسة, تنفع مسكنا, ففيها: غرفة وصالة وحمام ومطبخ, ينام فيها, ويمكنه أن يستخدمها سكنا مؤقتا, فتلك البيئة ,لا بد أن يهجرها الآن, ليبدأ حياة جديدة, في بيئة جديدة.

رفع عبده غبش إصبعه طالبا الكلام قائلا : لن تغرب شمس هذا اليوم إلا وأصبح بجانبي صديق عمري سعيد عَجَب, فهو يساعدني في ضرب المرفع(قرع الطبل), وإذا حدث أكثر من عُرُس في نفس اليوم, أنتدبه للعرس الأقل أهمية, وقال عبده غبش واصفا سعيد عجب : سعيد يصدقني في كل شيء, لو قلت له عن الشمس في رابعة النهار, هذه قمر لصدقني, عندما نمر في الطريق ونحن اثنان, لا يمشي بجاني ولكن يمشي خلفي دلالة على إتباعي, واقتفاء أثري, عمري ما كلمته, وعينه في عيني, أكلمه وعينه على الأرض, قل له الأستاذ محسن : كيف ستفتح معه الموضوع ؟ قال عبده غبش : سأقول له تعال معي نصلي, وسندخل الجنة ونحن في الدنيا, فضحكوا جميعا, فقال عبده غبش : أتضحكون ؟ والله إنني أعيشها, وأنا ما صليت سوى فرض واحد, على الوجه الصحيح, وما أكلت سوى رغيف مدهون بقطعة جبن, أحس أنني أكلت من فواكه الجنة ومن لحومها, وشربت من عسلها ولبنها ! قطع عليه الحاج وجدانيته قائلا : هيا إلى الإفطار.
دخل صلاح بيته أقصد قصره المنيف, والثلاثة خلفه, وعبده غبش يقدم رجل ويؤخر رجل – كناية على التردد – يقول في نفسه : كيف لي أن أدخل قصرا كهذا! وأنا لم أتجاوز عتبة بيت متواضع, تفضلوا قالها الحاج, ودخلوا المجلس, ويا له من مجلس ! سعة وأثاثا ورئيا (إطلالة).

فرش سفرة الطعام, وجاءوا بالإفطار والحاج يهش ويبش, وعبده غبش متسمر في مكانه, وقد أحاط الشيخ والأستاذ با السفرة يرفعون أكمامهم استعدادا للفطور, الحاج خرج ليحضر القهوة, فقالا لعبده غبش اقرب , احمر وجهه رغم سواده, من الخجل قائلا : أعطوني لقمة آكلها وأنا في مكاني , لم أتعود أن آكل مع أسيادي, وهنا توقف الشيخ والأستاذ عن الأكل, قال الشيخ وبصوته الجهوري : ما ذا؟ ما ذا؟ أسيادي, أما زلت في ظلالك القديم ؟وعقب الأستاذ بقوله : من أعطانا حق السيادة عليك, اقرب, حضر الحاج ومعه القهوة, يقول سمعت صوتا عاليا , هل وجدتم شيئا في الطعام؟ قالوا : لا, لا, كنا نتناقش في شأن عام, وغمزا لعبده غبش أن يقرب حتى لا يغضب الحاج, ثم دنى ورأى من الطعام ما يشبع العين قبل البطن, وتذكر كيف كان يحرص على أكل السؤَّاري( بقايا الطعام ), وكان يأكل وهو يقول في نفسه : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين, ويتساءل , هل أنا مؤمن حقا, حتى أحظى بهذه العزة , وأنال هذه المكانة ؟ يا ليت قومي يعلمون, أين أنت يا سعيد عجب ؟ بل, أين أنتِ يا علياء ؟ لترين زوجك ماذا يأكل , ومع من؟ مع حاج وشيخ وأستاذ.

بعد أن تناولوا الإفطار , أمسك الحاج يد عبده غبش واستنهضه وذهب به إلى ملحق الحراسة قائلا له: هذا بيتك, تنام فيه الآن , وعندما تصحو نتفاهم على الخطوة التالية, وتنفيذ وعدك بمجيء صديقك سعيد عجب إلى المسجد, وتفكر كيف المدخل لزوجتك علياء, لأن مشروعنا فيه إخراجكم من هذا الوضع تماما تكونون فيه مثلكم مثل غيركم, كل هذا وعبده غبش منذهل !لا يتصور, كيف سيقبل جسمه هذا الفرش الوثير, وينام في غرفة فيها حمام ونوافذ الومنيوم.

تمدد عبده غبش ودثر جسمه باللحاف أحس بالاختناق, أخرج رأسه ووجهه, وضحك, ثم نام.