الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٩ صباحاً

المعنى السامي.. للمشاركة في الرأي..

محمد حمود الفقيه
الأحد ، ٠٤ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
ما ساقني الى كتابة هذه السطور هو أنني رأيت مشهدا أمامي ذات مره _هذا المشهد يتمثل في أنني لاحظت بعض المدراء وهو المالك في مؤسسة تجارية وهو يتحدث ويشرح لبعض من عماله عن كيفية طريقة عرض البضاعة داخل المحل ، المهم في الأمر انني أدركت ان رأي العامل في ما يخص عرض البضائع كان سديداً جدا في حين ان المدير اعترض على رأي الموظف وأمره بتغيير ما كان قد أجهد نفسه لحوالي أربع ساعات ، وهكذا فإن هذا نموذجاً واحدا من أولائك المدراء الذين سماهم بعض المفكرين ( بالمدير الفرعوني ) الذي لايعتمد إلا ما تراه عينه وتنطق لسانه وما كان على هوى عقله وقلبه ، فلسان حاله يقول : ”لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ” .

مثل هؤلاء الناس لا بد لهم من ان يراجعوا أنفسهم قليلا ويعلموا انه لا يمكن لأحدٍ ان يعيش بمفرده محاصر بين أفكاره وآرائه ، مقيداً في التدبير المفرد والتفكير المعزول عن منهم محيطون به من التاس .

ان مثل هؤلاء قد انتهت حياتهم بالفشل ولربما بالهلاك ، وقد أخبرنا القرآن الكريم في قصص الذين كانوا قبلنا على مر التاريخ ، مثل فرعون وقارون والذي حاج إبراهيم في ربه _ كل هؤلاء كانو منفردين بإرائهم مغمورون في كبريائهم أمام الآخرين ، ومنهم فرعون الذي نهايته كانت الغرق ،و قارون الذي خسف الله به وداره الأرض ، وكثير من الذين شرح لنا التاريخ عن حياتهم وأنانيتهم ، ولكننا لن نغفل عن عكس هؤلاء الناس الذين لا يمكنهم ان يقرروا لأنفسهم دون الرجوع الى من حولهم من أصحاب الخبرة والحكمة والعلم ، فلو تأملنا قليلاً في قصة ملكة اليمن في مأرب _بلقيس _ التي ما ان جاء خطاب سليمان عليه السلام ، فعندما خلصت من قراءته ، عرضته على أصحاب المشورة الذين من حولها وقالت: (( يا أيها الملاء افتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون )) ، لقد ضربت لنا هذه الملكة أروع الأمثلة التي من خلالها يمكن ان يطبق في حياتنا جميعاً ، فالرئيس بحاجة الى ان يكون كذلك ، والمدير بحاجة الى ان يكون أسوة بهذه الملكة العظيمة ، ضربت لنا مثلاً في عدم اتخاذ القرار المفرد ، ومثلاً في التواضع لعرض أكبر القضايا المصيرية على من يكون أهلاً في الرؤية والمشورة ، وكانت بلقيس باستطاعتها ان تقرر الرد على سليمان عليه السلام بمفردها دون الرجوع الى من هو أقل منها حكماً وشأناً ، ولكنها أبت ان تكون دكتاتوراً في زمانها ، وتعلمت من الحياة ان الانسان مهما عظم فهو ضعيف ، ومهما امتلك من قوة ومنعة ومال وجاه وسلطان فهو ناقص لا محالة ، فلا يمكن للمال أو القوة أو السلطان ان تعطي الانسان الكمال ، لأن الكمال من صفات الذي خلق الانسان وأوجده في هذه الدنيا ، وعلى هذا حين عرضت على القوم الأمر المصيري والقضية المشتركة التي تهم الجميع ، حصلت على تفويض كامل من قومها بما تقرره ان يكون وبما تتخذه من فعل ورد على رجل ليس بالرجل البسيط العادي ، إنما هو نبي ارسله الله تعالى و آتاه ملكاً لا يمكن ان يؤتى لأحد من بعده ، وبالتالي اتفق الجميع الملك والمملوك على قرار واحد وهذا سر صوابه .

إذاً فالمشاركة السليمه البناءة هي التي ستقود الانسان الى الطريق الصحيح ، وهي كفيلة بأن تحرر الانسان من العبودية والإستبداد ، وهي التي ستضع القوانين والدساتير التي من شأنها إصلاح الحاكم والمحكوم و الرئيس و المرئوس والراعي والرعية .

وهذه الأمثلة تنطبق أيضا على واقعنا السياسي ، خاصة في المجتمعات العربية ، نظراً الى القرارات الفردية و الأنانية المستفحلة في بعض الحكام _ وصلت الشعوب الى مستوي كبير من التخلف والفقر والجهل في عالمنا العربي والإسلامي ، والسبب هو جمود الفكر الفردي الذي لم يتيح للآخرين حق المشاركة في إبداء آرائهم ومقترحاتهم ، والنتيجة طبيعية ضعف القرارات المطلوبة لتسيير حياة الناس ، وذلك لأنها تحمل فكرة محدودة ورؤية غير واسعة النطاق عما يحدث في المحيط والبيئة الحياتيتين ، ونظراً لعدم شمولها على رؤية الغير والأفكار المتداخلة ببعضها البعض كي تفرز نتائج سليمة .

ومثال على ذلك _ الأب في بيته إذا لم يشارك أبنائه العملية الحياتية ، والأخذ منهم والقبول بمقترحاتهم و آرائهم حتى وان كانت ناقصة ، فإنه سيواجه تمرداً منهم وكراهية ستزرع في قلوبهم على مدى الأيام ، وستتعالى أصواتهم في البيت لأن يركن أبيهم جانباً من حياتهم ، ويدعهم يتدبروا أمرهم لأنفسهم ، ونفس الشي في المدرس مع تلاميذه وكذلك الرئيس مع شعبه ، والربيع العربي كان أكبر دليلا في مواجهة القرارات الفردية والأنانية الخبيثة التي جعلت من حكامنا تلبسهم الدكتاتورية وتغمرهم الكبرياء في شعوبهم ، حتى ان أفاقت هذه الشعوب المغلوبة سعت للتخلص منهم واحدا تلو الآخر .

ان المشاركة المثالية في الرأي تنطبق على الصديقين ، والأخوة والمجموعات كذلك الشعوب ، فما أجمل ان آخذ برأي أخي في الانسانية والدين والجنسية ، وما أخف ان أسمع كلام الآخر المنطقي ، لماذا لا نتغلب على الأنانية القاتلة ، والفردية والعنصرية البغيضة ، ألم يقول الله تبارك وتعالى معلماً نبيه رسولنا صلى الله عليه وسلم : ((وأخفض جناحك للمؤمنين )) ان هذا مثالاً للتربية ومثالاً للسلطة ومثالاً للحكم يمكن الأخذ به كي لا ينحرف المسار ...