الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣١ صباحاً

لا تتركوا أبنائكم فريسة للتطرف والإرهاب

نُهى البدوي
الأحد ، ١٢ يونيو ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٠٧ صباحاً
يتسأل البعض عن حالة الاستغراب والصحوة المتأخرة التي تظهر عند بعض الأسر بعد معرفتها أن الانتحاري الذي فجر نفسه في هذا المكان أو ذاك، تربطه علاقة صداقة بأحد أبنائها، وتأتي صحوتها لعدم درايتها بعلاقة أصدقائه بالجماعات الإرهابية، إلا بعد سماعها عن أحدهم قد فجر نفسه ، لتجد نفسها في وضع مأساوي لتأخر علمها بوضع أبنها ، الذي لاشك أن سلوكه المتطرف قد انتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي والقيام بالعنف والخروج عن نطاق سيطرتها، وصعوبة تعاملها معه، وتشعر الأسرة بالندم لإهمالهم المتعمد وغير المتعمد لأطفالها، وترك مسئولية حمايتهم وتربيتهم على الغير كالمدرسة والمسجد والحارة، غير آبهه بأهمية الدور الرئيسي لها في تنشئتهم بصورة فكرية سليمة، وأن غياب دورها يجعلهم فريسة للتطرف والجماعات الإرهابية. لهذا تؤكد خلفيات منفذو الجرائم الإرهابية المتزايدة أن أسباب تطرفهم هو غياب الدور الإيجابي لأسرهم وضعف الأسرة في تحصينهم وحمايتهم من خطر التطرف، حيث أثبتت العمليات الانتحارية في الأعوام القليلة الماضية، اعتماد تنظيمي "داعش" و"القاعدة" على الأطفال لغرس الحقد والعدوانية فيهم وتجردهم من المشاعر الإنسانية، لسهولة توجيه عواطفهم لتصب نحو الكراهية على جهة معينة وتحويل شعورهم سلبياً وعدوانياً كأحد العوامل والمحفزات لإقناعهم بأن العنف هو السبيل الوحيد للتعبير عن آرائهم.

ويعرف التطرف بأنه يرتبط عادة بالانغلاق والتعصب للرأي، ورفض الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وأفكاره. والمتطرف فرداً كان أم جماعة، ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية ، فلا يؤمن بتعدد الآراء والأفكار ووجهات النظر، ويرفض الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره، ولا يبدي استعداداً لتغيير آرائه وقناعاته، وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً، وربما إباحة دمهم، فأولى الضحايا والفئات التي تسعى التنظيمات الإرهابية لوضعها تحت تأثير هذا الفكر هم "الأطفال" ليسهل عليها السيطرة على عقولهم وتحريف وعيهم وفقاً والبرامج التي تخدم أهدافها. لمعالجة ظاهرة التطرف ينبغي إيلاء جذور المشكلة أهمية قصوى باعتبار الظاهرة تبدا من الأسرة، وتتحول في سلوك الأبناء من فكر إلى عنف سلوكي عملي، ثم ينتشر لتدمير المجتمع ، مع التأكيد على أن التطرف بشكل عام هو نتاج مشكلات وعوامل متعددة، هي - الفقر.-الجهل والأميّة.- مناهج التعليم "المتشدّدة" - وجود أنظمة حكم متطرفة تمارس العنف والقهر وغيرها وتحتاج إلى منظومة متكاملة للتعامل معها؛ لكن إذا إردنا مجابهة الوضع الحالي علينا طرق باب الأسرة ثم المدرسة والمسجد والمجتمع ومؤسسات الدولة، للتقليل من مخاطر انتقال التطرف الفكري إلى التطرف السلوكي العنفي الإرهابي.

أن المشكلة القائمة عند بعض الأسر في المجتمع اليمني ، هي إهمالها للأبناء منذُ الطفولة مروراً بمرحلة الشباب ، وللأسف لا تصحوا من غفلتها إلا بعد أن تجد أحد أبنائها قد خرج عن سيطرتها وطاعتها، وأصبح مصدر للغلق وأثارة المشاكل في الأسرة نفسها والجيران أو الوقوع تحت تأثير الفكر المتطرف وفي مستوى خطر تجاوز قدرتها التي تمكّنها من احتوائه. ويعود إهمال الأسرة للأطفال، نتيجة الصمت عن التحول في سلوكهم حتى ينتقل إلى طور الفعل السلوكي العنفي ،ثم تتفاجأ بإرتمائهم في أحضان التنظيمات الإرهابية، الذي تتحول مع الأيام في نظرهم إلى أسرة بديلة لهم عن أسرهم وعوائلهم الأصلية. حيث يتبّين عند مراجعة أخطاءات بعض الأسرة أن معظم الأسباب التي أودت لانتقال أبنائهم من الفكر المتطرف إلى طور ممارسة الفعل المتطرف والإرهاب، يرتبط بالأسرة كالتقصير المبكر لملاحظة تُغير سلوكهم، عدم اهتمام الآباء والأمهات بعلامات الاضطراب السلوكي وبداية ظهور خطر الفكر المتطرف عندهم جراء اختلاطهم مع أصدقاء جدد - أصدقاء السوء- في المدرسة والحارة والمسجد ومقاهي الانترنت، كذلك عدم انفتاح الأسرة على الأبناء والنقاش معهم في بعض الآراء والاستماع إلى وجهات نظرهم ، مما يزيد من حالة الانغلاق للعلاقة بين الأبناء والأسرة، وإغلاق أي نوافذ يمكن يتنفس منها الأبناء فكرياً ودينياً، وغياب أساليب الترغيب من قبل أوليا الأمور للاستماع إلى آرائهم الدينية والسياسية، لغرس فيهم سلوك التعود للاستماع لآراء الغير وقبولها، وتصحيح المفاهيم والفتاوى الخاطئة؛ غياب هذه العوامل سيتيح للأبن الإصرارعلى التمسك الأعمى بما لديه من آراء وقناعات حتى وأن كانت خاطئة، وتحويلها إلى معتقد يرفض النقاش حولها ويقدس الدفاع عنها باستخدام العنف وسفك الدماء.

ليس الأيتام وأبناء الأسر الفقيرة هم الأكثر تعرضاً للوقوع في مصيدة الفكر المتطرف والإرهاب ، كما يرجع البعض تفسيرهم لانتشار ظاهرة التطرف، وأنه يعود بدرجة رئيسية للفقر وحاجة العوز لعدم وجود الأبوين والأسرة الذي ممكن تقوم بدور إيجابي لحماية أبنائهم، فهذا التفسير خاطئ حيث نجد اعداد كبيرة من أبناء الأسر الميسورة والأغنياء هم من يقعون فريسة للفكر المتطرف والجماعات الإرهابية، نتيجة غياب الدور الإيجابي للأسرة، وليس نتيجة عدم وجود عائل للأسرة، فإذا وجّد الطفل الجو الصحي المناسب في الأسرة لطرح افكاره وآرئه واستطاع تبادل النقاش في بعض المسائل التي تشغل باله مع من حوله في الأسرة، ستتولد عنده القناعة بأن الأسرة هي المكان الذي يصل فيه إلى حالة الأشباع النفسي والفكري.

لا بد أن يفرق الآباء بين التدّين والتطرف، فالأسرة لها دور إيجابي وسلبي في حماية الأبناء من الفكرالمتطرف، وغياب دورها يضاعف المشكلة كونه يعتبر تشجيع غيرمعلن عن أن الطريق الخاطئ الذي يسير فيه أبنائهم هو الطريق الآمن؛ فالدور الإيجابي: هو كل ما يسلكه الآباء ويتخذه بصورة اجتماعية وممارسة الرقابة غير معلنة لحماية أبنائهم، بتلمس هموهم والتفريق بين التدّين والتطرف ، وايجاد مساحة تجمعهم للنقاش الفكري في مجمل القضايا والراء السياسية والدينية تجعل الأبن يشعر أن المنزل هو المكان المناسب للتنفس وممارسة فيه لطرح الافكار والآراء والقبول بالرأي الآخر، وهذا بكل تأكيد سيحصنه من سلوك التعصب في الرأي والاعتقاد بأن هذا الرأي أو الفكر لا يخضع للنقاش، فهذا التعامل سيحمي الأبناء من الوقوع فريسة للفكر المتطرف؛ أما الدور السلبي: هو كرم الوالدين بتشجيع أبنائهم لتبنيهم آراء خاطة، نتيجة وقوع الأسرة تحت التضليل، والاعتقاد بكل ما يقوله أبنها هو صحيح حتى وأن كانت تحوم شكوكهم بعدم صوابه، فوقوعهم تحت التضليل يفقدهم قدرة التمييز بين التدّين والتطرف، كما أن كرمها في التشجيع يفقدها ممارسة الرقابة غير المعلنه على سلوكهم، فنجدها تشجع أبنها على حضور المحاضرات الدينية المنغلقة دون طلب منه معرفة ماذا ناقشت الحلقة وماهي الأفكار والآراء والبرامج التي تطرقت لها وما مدى صوابيتها ؟ أي أن الأسرة تغلق الباب أمام الأبناء لمناقشتهم في آرائهم وهذا يفتح المجال لهم للاختلاط بأصدقاء السوء ويصبحون في نظرها علماء ومشائخ في الدين لا تخضع آرائهم وافكارهم للنقاش، وبالتالي ينشئ الأبن متسلحاً بسلوك يرفض القبول بالرأي الآخر، وهذا يحفزه للتسلح بالفكر المتطرف العنيف والالتحاق بالجماعات الإرهابية.

أخيراً أتمنى من الأسر اليمنية أن تضطلع بدورها تجاه أبنائها وأن لا تتركهم فريسة سهلة المنال للفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية، وإيلائهم مزيداً من الحرص والاهتمام، لتحصينهم من الفكر المتطرف بإتباعها أساليب الانفتاح الفكري معهم، والترحيب بتبادل الآراء والنقاش حول كل الافكار والقضايا السياسية والدينية التي تشغل تفكيرهم ، وغرس فيهم سلوك القبول بالرأي والرأي الآخر؛ للتعود مبكراً على كيفية إقناع ألآخرين ولتحصينهم من الأفكار المتطرفة أوالوقوع في مصيدة التنظيمات الإرهابية " القاعدة وداعش" والتأكد من أنشطتهم وميول أصدقائهم في المسجد والحارة والمدرسة، ووضعهم تحت الرقابة العالية غير المعلنة بغية حمايتهم، قبل أن يقع الفاس في الراس أو يتفاجئوا بقيام أحد أصدقاء أبنائهم بتفجير نفسه في عملية أنتحارية في مكان ما ، كما حصل مع أسر كثيرة استيقضت من سباتها بعد أن أصبح أبنائها ضحية للفكر المتطرف والجماعات الإرهابية.