الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٩ مساءً

بوووسة للشعب

أحمد غراب
الأحد ، ٠٤ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٥٦ مساءً
ظل سائق التاكسي يلوي طول اليوم بالسيارة ولم يجد مشواراً واحداً، وبعد ربع دبة بترول أوقفته سائحة أجنبية، فقال الرجل في نفسه:” يا عظيم الفرج، مشوار بالدولار، فليسقط الريال”.

ورغم أن المشوار كان طويلاً إلا أنه أوصلها بسرعة الصوارخ، وعلشان عيون الدولارات كان متفانياً في تجاوز الإشارات وتطفيش الموترات وتحدي المطبات.
وبعد أن أوصلها بحمد الله وسلامته إلى حيث طلبت، مسح على يده وقال: بسم الله نستفتح، فإذا بها تقسم له بالعربية المكسرة “ما في فلوووس”.

فجنّ جنونه وهتف غاضباً: “ذلحين أنت سائحة وإلا لاجئة ؟! من أين جيتي من البوسنة والهرسك”؟.
فخرجت من التاكسي بهدوء شديد واقتربت منه وطبعت بوسة على خده وانصرفت.

فلم يجد أمامه سوى أن يشغل السيارة ويعود للمنزل وهو يغني كالبعير السكران: “بوس بوس ما في فلوس، دوس دوس يا منحوس، بطري نكع فوق مخلوس”.

أول ما وصل البيت استقبلته زوجته عند الباب ومدت يدها وكأنها موكلة بقبض روحه:”اقطب مصروف البيت”، فاقترب منها بحذر وطبع بوسة على خدها وقال لها:”هذا الشغل كله حق اليوم”.

تذكرت هذه الحكاية، وأنا أتأمل تفاصيل المشهد في اليمن، فهناك تقاسم حاصل لكل شيء، والشعب خارج نطاق القسمة، فالمشكلة بالنسبة لهم ليست في شعب عاطل جائع حاله واقف، وكهرباؤه منطفئة، ويتحمل ظلماً وبهتاناً مائة وأربعين بالمائة زيادة في المشتقات النفطية، ويعاني من الفساد والفوضى بجميع أشكالها، الحكاية كلها أن هناك اختلافاً على مصالح وأدوار وتقاسمات وكل الصراعات الدائرة، الشعب يدفع ثمنها، فهو المفارع والضحية والغريم والمغروم.
دبة غاز بألفين وخمسمائة مع بوسة لشعب يمتلك 86 مليون متر مكعب من الغاز.

دبة بترول بثلاثة آلاف وخمسمائة مع بوسة للشعب المطوبر والباحث عن السوق السوداء.

ثروة سمكية بالمليارات: جحش وزينوب وحبار، كله لهم والشعب له بوسة.

شواطئ بطول ألفين وثلاثمائة كيلو متر تحلب لهم، نصيب الشعب منها لا أقول بوصة بل بوسة.
لو عاملوا هذا الشعب على أنه وارث لورث النص أو الربع أو حتى الثلث أو حتى ورث من مات وعليه دين، يعني المسؤولين في هذه البلاد يعاملون معاملة “الموترات” في قانون المرور عابري سبيل، والشعب يعامل معاملة الحافلات يتحمل خسارة الحوادث، ولو عاملوه بقانون المرور لهانت ولقالوا: ثلثين وثلث، ولكن الشعب يتحمل الغرامة كاملة.

فالدبة البترول والدبة الغاز اليمنية دخلت موسوعة جينيس العالمية باعتبارها الأغلى، لا أقول عالمياً بل تاريخياً.
ولوعاملوا الشعب هذا معاملة “المفقوش” الذي تعرض لإصابة أو ضربة لحجر طائشة، أو نيران صديقة، فهو يستحق “أرش” وهم لم يؤرشوه، بل أرشوا لأنفسهم، فهم لكي يتفقوا يجب أن يحصلوا على خسائرهم وتعويضاتهم كشرط لأي مبادرة أو اتفاق، في حين الشعب يحصل على بوووسة.

باختصار الحكاية ليست 22 مليون نسمة يعيشون مأساة يومية تندى لها الجبين وإنما حكاية 52% للمؤتمر و48 % للمعارضة، وبووووسة للشعب.

ما أستغرب وأندهش وأتعجب له هو أي وجوه تلك التي لا تشعر بالحياء أو بالخوف من الله وهي تعيش على عرق ومعاناة شعب ثلثه يعاني من مجاعة حقيقية ومئات الآلاف منه نازحون؟!!
كيف ترضون على أنفسكم أن تبيتوا في قصور مزدانة بالكهرباء والمولدات والطاقات والشعب غارق في ظلام مرعب وجو خانق من روائح المواطير والخنادق والبنادق والمآزق؟.

عطروا قلوبكم بالصلاة على النبي.