الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٦ مساءً

حين قال الأب بدرالدين الحوثي: لاتحرجني

غمدان اليوسفي
السبت ، ٠٢ يوليو ٢٠١٦ الساعة ٠٢:٢٣ صباحاً
في حوار أجرته صحيفة الوسط عام 2004 سُئل بدرالدين الحوثي: "أنت كمرجع شيعي موجود هل تقر بشرعية النظام القائم؟" فكان جوابه صريحا: "ماعلينا من هذا الكلام..لا تحرجني".

هنا كان أول انقلاب على الشرعية، وأسس لمرحلة جديدة لقيام دولة ليست تلك الدولة التي صارع اليمنيون من أجلها طويلا.

بعد اثني عشر عاما من ذلك الانقلاب، وعامين من وصول ابنه إلى صنعاء، يأتي السؤال الملح من أين يبدأ الحوار مع الحوثي؟

سؤال ندرك أن الإجابة عليه لايمكن إلا أن تأتي في سياق إعادة خط سير الحياة إلى السياق الطبيعي، الذي تقوم عليه إدارة الشعوب وفقا للعدالة والمساواة المجتمعية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

بعد ثمانية أعوام من انقلاب العائلة الحوثية على الدولة أتت (الوثيقة الفكرية والثقافية للزيدية) التي تم التوقيع عليها سنة 2012 من قبل من مايسمى بعلماء المذهب الزيدي، والتي بموجبها ألغت كل حق لأي من أبناء الشعب اليمني في التطلع إلى أي عدالة اجتماعية أو سياسية، وحكم بتسليم رقاب الجميع لرحمة خليفة الله في أرضه، والذي حدد بـ"عبدالملك الحوثي" كإمام تحدث عنه أبوه "بدر الدين الحوثي" مسبقا في مقابلة صحيفة الوسط، وحضر كمؤسس للزيدية الحديثة التي خطتها تلك الوثيقة وراعِ رسمي لها.

جاء في الوثيقة المشؤومة إن "الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو أخوهُ ووصيُه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم الأئمة من أولادهما"، وأن "الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها".

هنا يأتي المسمار الإلهي في هاتين الفقرتين محددا مسار حياتنا، بأن المصطفى لإدارة البلاد بأمر الله هو الحوثي، كونه السليل الإلهي لعلي ابن أبي طالب وأولاده، وكونه هو من هيأه الله في هذا العصر ليكون "مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها" كما تقول الوثيقة، أما بقية الشعب فهم مجرد أمة تسبح بحمد الحيوانات المنوية التي تدحرجت على مدى أربعة عشر قرنا لتنجب لنا هذا الرجل..!

أغلقت الوثيقة حتى مجرد التفكير بالاجتهاد وطرحت ضرورة "رفض الإجتهاد الذي يؤدي إلى التفرق في الدين، أو مخالفة نهج الآل الأكرمين، أو إلى الإضرار بوحدة المسلمين واعتباره مفسدة في الدين".. هكذا جاء النص، وحرَمَ على الجميع مجرد التفكير في مخالفة الآل الأكرمين الذين هم- بنظر الوثيقة: عبدالملك الحوثي، وطابور الآل، وقوائم المعينين الذين صدرت لهم قرارات من (خادم الإمام) محمد الحوثي..!

بالعودة إلى مقابلة صحيفة الوسط مع الحوثي، والتي أجريت عقب الحرب الأولى في 2004 وأعادت نشرها في 8 ديسمبر 2010، قال بدر الدين الحوثي، إن "الإمامة في البطنين إذا كانوا مع كتاب الله، وكانوا مع صلاح الأمة، فهم أقوى من غيرهم في هذا الشأن، وأن "الإمامة خاصة بآل البيت" وأن "الاحتساب أو الحسبة يمكن أن يكون في أي مؤمن عدل أن يحتسب لدين الله ويحمي الإسلام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولو لم يكن من البطنين".

هذا هو الشرط، الذي يمكن تشبيهه هنا بشرط التوظيف الذي يقول "أن يكون حسن السيرة والسلوك"، والحوثي يقول "الإمامة في البطنين إذا كانوا مع كتاب الله"، وهذه الميزة تصلح لأي مجرم قام بالتفجيرات والإعدامات من عمران إلى إب إلى عدن، وهو يقول إنه مسيرة قرآنية.

سُئل الحوثي عن كيف يمكن التوفيق بين الإمامة والاحتساب؟ قال إنه "لا يوجد تعارض لأنه إذا انعدم الإمام يكون الاحتساب"، مضيفا: "لأن الإمام هو أقوى على القيام بحماية الإسلام وإصلاح الأمة"..! لكن المحاور كرر السؤال حول "كيف نوفق بين كلامك في ضرورة وجود إمام وبين الاحتكام للدستور الذي يقوم على أساس الاختيار الديمقراطي؟"، فقال: "ما نقدر نوفق بينهم، ولا إلينا منهم"..!!

هكذا بكل بساطة، حسم الحوثي حينها أن الإمام هو الأولى بالسلطة، طالما والإمام موجود، لا داعي للمحتسبين ليحكموا، فالإمام متوفر، والإمام يتجسد وفقا لهذه التصنيفات والمعايير في ابنه عبدالملك..!!

كانت المقابلة مع بدر الدين الحوثي بمثابة دستور، بُنيت عليه بعد ذلك الوثيقة الفكرية التي تم التوقيع عليها بعد ثمانية أعوام من تلك المقابلة. وهنا يتجلى المشهد السياسي في اليمن بأخطر السيناريوهات والأبعاد، حيث صار الاستيلاء على السلطة هو الأهم ولو قتل نصف الشعب وماتوا جوعا وتشردوا، لأنه يرى أن حسين ابنه كان يدافع عن الإسلام ووجب دفع الضرر، وهو ذات المبرر الذي يسوقه الآن الشعار الفضفاض.

اعتبر الحوثي الأب إن شعار الحرب على أمريكا وإسرائيل يستحق إن يراق الدم لأجله، لأنه حصل الضرر على الإسلام، كما يقول. وعن السؤال: "لماذا لم يتبنى حسين قضايا الناس المتمثلة بالفقر والفساد؟، كان جوابه "لا، لا..حماية الإسلام أهم من كل شيء..هناك إسلام وكفر وأمريكا تريد أن تنتقص من القرآن".

لم ينجح الشعار حينها في أوساط الشعب المطحون بالفقر، فحاول نجله عبدالملك، بعد عشرة أعوام من حديث والده، أن يغير الطريقة والشعارات، ولدواعي كاريزمية احتفظ بالشعار الأساس، لكنه وضع إلى جانبه هذه المرة حصان طروادة، الذي أدخل الشعب معه في جنباته، فلامس قلوب وتطلعات البعض حين تحجج بتحريرهم من الجرعة والفقر والثلاثة المطالب التي ماتت بعد دخوله صنعاء..!!

من كل ما سبق، تتضح الخلاصة: أن الحوار مع الجماعة الحوثية لايمكن أن يتم بالطريقة التي يجري النقاش بها الآن، كون العالم كله يضع الحلول في وادي مختلف عن الوادي الذي يسبح فيه الحوثي ومليشياته، فهو، كما كان والده، لايعترف أساسا بأي شرعية، وليس مجرد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، بل يعتبر أن الشرعية هي شرعية الإمام المفوض في الوثيقة الزيدية، التي دُبِرَت بليل، أدخل الناس في ليال من العذاب بالبارود والسجون والإقصاء والتشريد والتعذيب وإلغاء كل ماله علاقة بالدولة.

الدولة الحوثية على وشك إنهاء الحياة السياسية القائمة على الشراكة في البلاد. والحوار معها لن يثمر شيئا إذا خرج هذا الحوار عن استيعاب مفهوم هذه الوثيقة. وهنا تتجلى القوة كحل أوحد، كون المسألة لم تعد نقاشا فكريا مع طرف يعتقد أنك مغتصبا لحقه الإلهي، وأن من واجبك فقط الطاعة للإمام الذي اصطفاه الله لأن يكون خليفة لعلي بن أبي طالب.

هذا الكلام ليس مجرد سخرية، بل السخرية أن نأخذ هذا الكلام على محمل السخرية.. فالشراكة اليوم باتت هي النكتة التي يضحك بها الحوثي علينا، وألآف الوثائق التي تُكشف تباعا عن الفساد السياسي والاقتصادي والديني والمذهبي والفكري والاجتماعي..الخ، لم تعد تحرجه، كونه يبني مشروعه بالطريقة التي يراها مناسبة لما خطط له، ولما اصطفاه الله له، حسب مايردده أئمة الزيدية.