الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٣ صباحاً

لماذا فشلت مشاورات السلام اليمنية ؟

نصر طه مصطفى
الأحد ، ١٤ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ٠٩:٤٥ صباحاً
منذ اللحظة الأولى لانعقاد الجولة الثانية من مشاورات السلام اليمنية في الكويت يوم ١٦ تموز (يوليو) الماضي بدا أنها ذاهبة باتجاه الفشل من خلال الكلمتين الناريتين اللتين ألقاهما رئيسا وفدي الحوثي وصالح في الافتتاح، فقد كانت الكلمتان متشددتين ولا توحيان بأي رغبة جادة في السلام، وامتلأتا بعبارات التهديد والوعيد باتجاه الطرف الحكومي والسعودية ودول التحالف... كما أنهما جاءتا في اتجاه مضاد تماماً لتوجهات المبعوث الدولي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي خلص من الجولة الأولى التي استمرت خمسة وسبعين يوماً إلى أن تجزئة عملية تنفيذ الحل في إطار رؤية عامة متفق عليها هي الأمر الأنسب والأكثر واقعية، وهي نتيجة خلص إليها كذلك من إجمالي لقاءاته ومشاوراته مع المجتمع الدولي وإجراء مقاربات كبيرة مع المرجعيات الثلاث الأساسية للعملية السياسية والحل السلمي في اليمن وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والقرار الدولي رقم 2216 الصادر تحت الفصل السابع والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة... فقد خلص المبعوث الدولي إلى أن هذه الجولة يجب أن يقتصر البحث فيها على القضايا الأمنية والعسكرية التي تشمل الانسحابات من المدن والمحافظات وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وفتح المنافذ الإنسانية ورفع الحصار عن المدن والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وفي حال تنفيذ كل ذلك يبدأ البحث في الحل والاتفاق السياسي بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة تشمل جميع الأطراف.
وخلال ثلاثة أسابيع تلت افتتاح الجولة الثانية من مشاورات الكويت لم يتزحزح موقف الانقلابيين ولم يتغير وظل على تشدده وإصراره على إنجاز اتفاق يبدأ بتشكيل سلطة تنفيذية رئاسية وحكومية جديدة أي أنهم - باختصار - يريدون من المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يرسموا ويشرعنوا انقلابهم بل ويجبروا الوفد الحكومي اليمني أن يقبل ذلك ويستسلم له... وبالتأكيد كان ذلك محل رفض كامل من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي الذي لا يقبل بحال من الأحوال - على رغم كل ما يمارسه من ضغوط على الحكومة اليمنية - أن يخرق القانون الدولي ويشرعن انقلاباً وتمرداً مسلحاً قامت به ميليشيات مسلحة لا تقبل مفهوم الدولة ولا تستطيع التعامل مع استحقاقات العصر من ديموقراطية وانتخابات وحرية سياسية، وهو الأمر الذي لم يستطع ممثلو الحوثي وصالح استيعابه خلال المشاورات وظلوا يتعاملون من منطلق أنهم سلطة الأمر الواقع التي ستجبر العالم كله على الخنوع لهم على رغم أنهم في الحقيقة لا يسيطرون على أكثر من ٢٢ في المئة من إجمالي الأراضي اليمنية ولا يديرون سوى ثماني محافظات فقط من إجمالي اثنتين وعشرين محافظة يمنية. وأثبتت فترة عام وتسعة شهور من سيطرتهم على العاصمة صنعاء فشلهم الذريع في إدارة السلطات التي تحت أيديهم مما جعلهم يرتمون مجدداً في أحضان الرئيس السابق علي عبدالله صالح ويعقدون معه اتفاقاً سياسياً مفاجئاً يوم ٢٨ تموز الماضي تنازلوا له بموجبه عن نصف سلطاتهم وتراجعوا بموجبه عن إعلانهم الدستوري وكان بمثابة إعلان صريح عن عجزهم الكامل ومسؤوليتهم الكاملة عما وصل إليه اقتصاد البلاد من انهيار تام.
وسنتطرق في مقال آخر إلى دواعي ومآلات هذا الاتفاق الذي تم في ذروة مشاورات الكويت وتسبب في صدمة للمبعوث الدولي والدول الراعية للعملية السياسية والسلمية.
كان الوفد الحكومي اليمني قد قرر مغادرة الكويت مع نهاية المدة المقررة للمشاورات وهي ٣٠ تموز إلا أن الرعاة الدوليين طلبوا منه التمهل لأنهم يبذلون جهوداً حثيثة مع دولة الكويت لتمديد المشاورات أسبوعاً إضافياً واحداً فقط غير قابل للتمديد، وأبلغوه بأن هناك اتفاقاً للسلام سيعرض على الوفدين خلال ٢٤ ساعة، وأبدوا استنكارهم لاتفاق إنشاء مجلس سياسي حاكم بين الحوثي وصالح، واعتبروه محاولة لعرقلة المشاورات ولذلك حرصوا على إضافة بند للاتفاق ينص على حل هذا المجلس.
وفي ظهر آخر أيام المشاورات الموافق ٣٠ تموز عقد المبعوث الدولي اجتماعين منفصلين مع وفدي الحكومة والمتمردين وسلمهما نص الاتفاق المقترح وأبلغهما بضرورة الموافقة عليه وأنه يمثل خلاصة مشاورات امتدت تسعين يوماً على مرحلتين كما أبلغهما بموافقة حكومة دولة الكويت على تمديد المشاورات أسبوعاً واحداً فقط تنتهي يوم ٧ آب (أغسطس).
بعد ساعة واحدة من استلام وفد الانقلابيين نص الاتفاق المقترح عادوا للقاء ولد الشيخ ورموه بين يديه وأبلغوه رفضهم له جملة وتفصيلاً وعدم استعدادهم حتى للتعاطي معه أو مناقشته أو حتى تعديله، فيما دخل الوفد الحكومي في نقاشات داخلية مكثفة استمرت إثني عشرة ساعة متواصلة تم خلالها التواصل مع الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته ومستشاريه وكذلك مع عدد من سفراء الدول الراعية إما للاستفسار عن بعض بنود الاتفاق أو طلب ضمانات بتنفيذه في حال الموافقة عليه. فقد كان من الواضح من نصوص الاتفاق أنه أعد أساساً باللغة الإنكليزية وأن النسخة العربية كانت مترجمة، وهو ما يعني أنه أعد من قبل الرعاة الدوليين في أروقة الأمم المتحدة، كما كان واضحاً من نصوصه أنه كان أحد نتائج ومخرجات اجتماع لندن الذي انعقد خلال النصف الثاني من شهر تموز بين وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا، فقد تمثلت نصوص الاتفاق روح البيان الذي صدر عن الاجتماع الرباعي.
كان المطلوب من الوفدين الموافقة على الاتفاق كما هو - أو هذا ما أبلغ به الوفد الحكومي - باعتباره تضمن أفكارهما ومطالبهما والضمانات التي يريدونها. وبقدر انزعاج الوفد الحكومي من بعض نصوصه إلا أن تقديراته أن الاتفاق متسق مع المرجعيات الثلاث والمحاور الخمسة المتفق عليها مع المبعوث الدولي بنسبة تتجاوز ٧٠ في المئة وأن سلبياته يمكن تجاوزها بالجهود المخلصة للتنفيذ والرعاية الدولية، ومن ثم أعلن الوفد الحكومي الموافقة عليه بعد أن صدرت إليه تعليمات الرئيس هادي بذلك.
وكانت موافقة الوفد الحكومي صدمة للطرف الآخر ومحل ترحيب من دول الإقليم والعالم، وخلال الأيام الخمسة التالية بذل المبعوث الدولي وسفراء الدول الراعية جهوداً حثيثة لإقناع الانقلابيين بالموافقة وإظهار إيجابيات الاتفاق لهم وأنه في المجمل يحفظ حقوقهم السياسية ويضمن لهم الشراكة مستقبلاً لكنهم ظلوا مصرين على الرفض وبذلك أهالوا التراب على أول اتفاق جاد لإحلال السلام في اليمن وإنهاء الحرب قبل أن يرى النور.

"الحياة اللندنية"