الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠١ مساءً

في مصر واليمن وسوريا وكل أرض.. شعب للإيجار

يونس العرومي
الاربعاء ، ١٢ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ١١:١٢ صباحاً
لولاهم ما تجرأ علينا حاكم، ولا بطش بنا مستبد، ولا استباح ظالمٌ وطناً بأكمله، ولا سيطر الفساد السياسي والمالي على مجتمعٍ بأسره، ولا ضرب التخلف دولاً بأكملها.

هم من يُزين للحاكم المستبدِ تجاوزه بحق الوطن والناس، هم من يعطي بريقاً جميلاً لقبح الطاغية، وغطاءً جيداً لبطشه.

هم جماعةٌ من الناس ارتضوا أن يكونوا سلعة إيجار، يستأجرها الحاكمُ بضعة أزمان، ليمرر مشروع هدمٍ ترفضه الأمةُ جمعاء.


هؤلاء المستأجَرين، لا يظفرون بشيء ولا أجر، بل يبيعون المستقبل والحاضر بلا ثمن، ويتوجب عليهم لاحقاً أن يدفعوا لمن استأجرهم أثماناً باهظة من حاضرهم ومستقبلهم.

كنا في اليمن، في آخر انتخابات جرت هناك، ضمن حملة المعارضة، وقررنا أن نوزع في حينا أظرفاً بطريقة مبتكرة، عليها شعار حزبٍ معارض من الخارج، وفي الداخل برنامجه السياسي إضافة إلى توضيحات تتعلق بالحالة الراهنة وبأهمية أن يدلي المواطن بصوته وكيف أن ذلك يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على مستقبله وطريقة معيشته، وفيها توضيح وبيان بالأرقام لفساد النخبة الحاكمة.

كان الظرف مغلقاً وفيه كل المحتوى، غير أننا لاحظنا أننا بعد أن نعطي الشخص ظرفاً يتبعنا حتى الشارع، يطلب ظرفاً آخر، وكان صديقي لحظتها يعبر عن سعادته باهتمام الناس بالأمر، لكننا ذُهلنا حين فتح هذا الشخص الظرف ثم رماه في وجوهنا وهو يقول: ظننته مالاً.

يريد ما تعود عليه: أن يكون سلعة إيجار، يُأجِرُ حاضره ويبيع مستقبلهُ بثمنٍ بخسٍ لا يتعدى ٥٠٠ ريال يمني (حوالي ٢ دولار أمريكي)، هكذا تعود أن يكون، وهذا وأمثاله هم من وقفوا في صف النظام الحاكم حين انطلقت ثورة فبراير، كان الثوار الشباب يعرضون عليه المستقبل حراً كريماً، وكان يريد أن يكون مرة أخرى مجرد سلعةٍ للإيجار.

نجحت الثورة وكان ما كان، وظل هذا الشخص وأمثاله سلعةً مفضلةً للحاكم المخلوع، يستأجرهم كل حين، حشوداً وهمية لإظهار الغلبة والتفوق، يجمعهم اليوم على شيء، ويدعوهم في الغد إلى نقيضه.

هذا في اليمن، أما في مصر فتجلت الظاهرةُ بطرقٍ أكثر قبحاً، يخرج الناس ضد الحاكم في الشوارع فيُقتلون، يُقتلون لأنهم قرروا أن يكون الحاكم هو المستأجَرُ، لا المستأجِر، قالوا بكل وضوح نحنُ المُلاكُ وأنت الخادم، وصفق أناس كُثر لمقتلهم، كان هؤلاء الناس الذين صفقوا قد ارتضوا منذ أمدٍ طويلٍ بدور الشخوص المستأجَرة أدمغتهم.

في سوريا الجريحة وشعبها الحزين، تجلت الظاهرة قبحاً فاضحاً، فكان يكفي أن يتخلى الجميع عن الأسد لتنعم البلاد والناس بالأمان، غير أن أناساً اختاروا أن يكونوا أُجَراء لدى الحاكم الطاغية، بثمنٍ باهظ بالطبع: حريتهم ووطنهم سوريا.

صحيح أن هؤلاء "الشبيحة" والتكتلات العسكرية التي يجمعها خليط من المصالح، والنزعات الطائفية، أقلية، إذا ما تم مقارنتها بغالبية الشعب الثائر، لكن هؤلاء رغم قلتهم قد سببوا للبلد ولملايين النفوس آلاماً عظيمة، وجراحاً غائره، ستمتد لسنوات.

هذه الظاهرة ليست عربية وحسب، في تأريخ كل الشعوب تتعرض البلدان في مراحلها المختلفة إلى ظاهرة الفئة الشعبية التي ارتضت أن تكون معاول هدم، ومجرد شخوصٍ للإيجار، ففي فرنسا ما بعد الثورة، مثلاً، راحت الجماهير تصفق وبحماس، لنابليون، حين راح يلغي الحريات ويؤسس لمرحلة جديدة تغاير أهداف الثورة الفرنسية.

الزعماء الصادقون المخلصون لشعوبهم ليسوا بحاجة للحشود، يمتلكون الأهداف الكبيرة والوسائل الجيدة لتحقيقها، وهكذا فعل مانديلا حين وقف بين شعبه واختار أن يكون على النقيض من رغائبهم في الانتقام ورد الإساءة، اختار المستقبل، وأن يكون الناس كمثله قادة لا سلعة إيجار يستخدمها الحاكم ليراكم السلطة والنفوذ.

في كل زمانٍ ومكان ثمة شعب للإيجار، لا تكن أنت سلعة للإيجار، فكِر ثم فكِر، وانخرط مع جموع شعبك الباحثين عن مستقبلٍ جيدٍ لك ولهم، ادعمهم، فكر في المستقبل، لا تنشغل كثيراً بهذا الخراب والدمار الذي يحاصرنا من كل جانب، هذا الخراب الذي تسوقه نخبة الحكام المخلوعين كدليل إدانة ومحاولة بائسة تمنعنا من المضي نحو الغد.


"مدونات الجزيرة"