الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠١ مساءً

تطورات التكفير المتبادل بين الحوثي ومتشددي دماج

عبدالرقيب العزاني
الخميس ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٢:٥٦ مساءً
حركة الحوثي برغم ما تحمله من أفكار قد تبدو أنها لا تدخل في الإطار العام للمنهج الإسلامي السائد في اليمن إلا أن هذا لا يستدعي تكفيرهم بأي حالٍ من الأحوال، وما شد انتباهي هذه الأيام وخصوصاً بعد أحداث اعتداء مليشيات الحوثي على دماج مركز فصيل سلفي متشدد يتبع مؤسس دار الحديث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، ظهور موجة تكفير تظهر من الطرفين، فبعد أن أعلن الحجوري الجهاد ضد من سماهم الرافضة الزنادقة الى آخر تلك الألقاب التي توحي بإخراجهم من الإسلام، يأتي الخطاب الحوثي بأن من يقطن دماج هم على علاقة تامة بالمخابرات الأمريكية والصهيونية ويصفهم بأنهم عملاء أمريكا، واشتد هذا الهجوم عليهم بعد أن أعلن عبدالملك الحوثي بأنه سيستمر في حربه ضد عملاء أمريكا، ومن المتبادر للذهن أنه لا يوجد في صعدة ومحيطها عملاء لأمريكا غير أولئك الذين يختلف معهم الحوثي عقائدياً أو يختلف معهم سياسياً، وهذا التكفير الضمني الذي يقوده الحوثيون يقابله تكفير من الطرف السلفي المتشدد، وهذا التكفير المتبادل يرفع من درجة التوتر ويرشح المزيد من الدماء.

استنكر أحدهم(سلفي متشدد)عليّ حين قلت في مشاركة لي في صفحتي على الفيسبوك "الإخوة الحوثيون" و"الإخوة الشيعة" وقال: كيف يسوغ لك أن تصفهم بالأخوة وهم كفار، فقلت له: لم اسمع أحداً من علماء أهل السنة المعتبرين قديماً وحديثاً أنه كفر الشيعة وأخرجهم من الإسلام، وهذا منزلق خطير جداً، في كل محاوراتي مع أي من الفرق الإسلامية لا يسوغ لي أن أكفر مسلماً لأنني في معرض المحاورة لست قاضياً ولأن التكفير حكم قضائي لا يجوز أن يصدر بفتوى، ومن يصدر الكفر على جماعات وفئام من الناس جزافاً فهو يرتكب جرماً بحق الدين ويتصدر أمراً هو من اختصاص القضاء.

في ندوة في العاصمة القطرية الدوحة سمعت محاضرة قدمها النائب السلفي وليد الطبطبائي حملت عنواناً "السنّة يعيشون قصة حب من طرف واحد مع الشيعة" وذكر من علامات هذا الحب أننا نعتبرهم مسلمين وذكر بأنهم ينعمون بالحقوق والمواطنة في ظل الدول التي يحكمها السنة وأضاف بأن الشيعة "كلما أصبحوا أغلبية ساموا السنة الويل والعذاب". واستشهد على ذلك بحالتي إيران والعراق بعد الاحتلال الأمريكي.

ولا أريد هنا أن أسرد أقوال علماء السنة في عدم تكفير الشيعة الاثناعشرية وما ذكرته هو شخصية يعرفها الكثير بأنها تنتمي الى التيار السلفي الذي يعتبره البعض من أشد تيارات السنة خصومة مع الشيعة الاثناعشرية.

فالحوثيون ظاهرة متطرفة جداً في الأفكار والأحكام يتفوقون على تطرف سلفية أتباع الشيخ الوادعي رحمه الله في دماج بأنهم يمارسون تطبيق أفكارهم المتطرفة بقوة السلاح بينما هؤلاء (أي: سلفيو دماج) لا يتعدى تطرف أفكارهم الآراء القولية، بمعنى أنهم لا يمارسون تطبيقها في الواقع العملي بالقوة، وهم جماعة لا تؤمن بالعنف كطريقة لفرض أفكارها، ولا تؤمن بحمل السلاح في ظل حكم ولي الأمر لأنهم يرون في ذلك خلقاً لكيان دولة داخل الدولة مما يتعارض مع فهمهم للنصوص التي تدعو الى طاعة ولي الأمر كما هو منهجهم السياسي المعروف.

لكن استعداء الحوثي لهم ومحاصرتهم الحصار الظالم الغشوم قد يساهم في أن تتحول الجماعة الى العمل المسلح إلى جانب العلم الشرعي، فأول نداء صرخ به الشيخ الحجوري بعد تعرض طلابه للقتل والقنص والجوع هو نداء الجهاد ضد من أسماهم بالبغاة والمعتدين والزنادقة، وهذا النداء يمكن أن يقود الى تحول جدي في التفكير لدى الجماعة بأن يمارسوا الى جانب العلم الشرعي العمل المسلح على الأقل لإيجاد توازن قوى في محافظة صعدة بمقابل قوة الحوثي والتي ستكون في كل الأحوال هي الأقوى نتيجة الخبرة القتالية وكثرة العتاد والسلاح،وهذا التحول سيكون من باب حماية الوجود والدفاع عن النفس خصوصاً وأن نظام الدولة انتهى ولم يعد بقدرته أن يقوم بحمايتهم.

وسيكون الحوثي بعمله هذا قد شابه ما فعله السلطان خوارزم شاه عندما تحرش بقبائل التتار التي كانت مشغولة بالرعي وبالصيد فكان أن تجمعت هذه القبائل تحت قائد واحد واجتاحت دولته وشردت به فمات طريداً شريداً.