الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٧ صباحاً

الثورة اليمنية و إعادة صياغة المؤتمر الشعبي العام

محمد حمود الفقيه
السبت ، ١٠ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١١:١٦ صباحاً
هي الثورات وحدها التي يمكنها ان تغير السياسة العبثية في المجتمعات المختلفة ، وهي التي يمكنها ان تحول مجرى النهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد ، حالها حال البراكين حين تهب من باطن الأرض فتحدث تغييرًا في المعالم الجغرافية لكوكب الأرض حتى وان بلغت من عمرها مليارات السنين ، نعم انها الثورة الانسانية التي من خلالها تستقيم طباع البشر ، وتستعيد سلوكياتهم ، فالثورة كما قال أبو الأحرار الزبيري :
هنا البراكين هبت من مضاجعها * تطغي وتكتسح الطاغي وتلتهم

وهكذا الثورة حين تقوم فتكتسح الظلم وتقضي عليه أينما وجد ، وتصحح المسار الإنساني، وتعمل على بلورة وصياغة الانسان من جديد ، ذلك لأن الانسان كغيره من المخلوقات، يحتاج الى تجديد النشاط السلوكي، ويحتاج الى محطات تزويد الوقود كي يواصل الرحلة في طريق السمو من دون ان يقع في براثن الجهل ووحل الجور والفساد، فالخير في الانسان موجود بوجود الفطرة السليمة ، ولكن هناك عوامل تعرية تمر بالبيئة الانسانية كتلك التي تتعرض لها الطبيعة الجغرافية، فتحدث هذه العوامل على تعرية لبعض النشاطات الانسانية، منها السلوكيات الحياتية، ومنها كذلك الأعمال التي يؤديها الانسان يوما بعد يوم، من الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
وعلى هذا النحو _ فالثورة اليمنية السلمية التي نشبت ضد نظام علي عبد الله صالح، لا تختلف عن تلك التي قامت في ستينيات القرن الماضي ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيدة، ضد حكم الامامة في شمال اليمن، فالثورة الشبابية السلمية موشكة على الانتهاء وقد أطاحت بنظام صالح الفردي الذي تربع في عرش اليمنيين طيلة أربعة وثلاثون عاما.
وحسب تقديري فإني أتوقع ان تعمل هذه الثورة الشبابية السلمية على اعادة صياغة وهيكلة الأحزاب السياسية في اليمن، وخاصةً حزب المؤتمر الشعبي العام الذي وصل الى درجة الضمور وفقد مصداقيته في أوساط كثير من اليمنيين، وذلك بسبب موجات الفساد السياسي والإداري والمالي التي عصفت به في عهد الرئيس السابق صالح .. و للعلم فإن حزب المؤتمر الشعبي العام كان قد بدأ مسيرته الجماهيريه على أسس ديمقراطية ونهج مملوء بالعدالة والمساواة، وكان قد وضع دستور _ الميثاق الوطني _ لو طبقه في مسيرته السياسية لكنا الآن في خير ونعمة، ولكن مطامع المسؤولية الرخيصة والمصالح الدنيئة، جعلته يخلد الى الأرض منغمساً في ظلمات الفوضى والعبثية والفساد، فترك المؤتمر الشعبي الميثاق الوطني وراء ظهره، وانجر خلف المصالح الضيقة، وأصابه الغرور والكبرياء السياسيين، حتى أوصل البلاد والعباد الى حالة من الركود و الانحطاط والجهل والتخلف ، فلما تراكمت ذنوبه وازدادت معاصيه السلطوية، انفجرت ثورة الشباب السلمية، وأشعلت شرارة النار في وجهه، أحرقت شيبته وانهكت هيبته المحلية والعالمية، ودحرت ظلمه وظلامه، فأوقعته في شباك الرحمة، و أذاقته مراً عدد حلاوة سنينه الماضية .
ولا ننسى الشرفاء من إخواننا في المؤتمر الشعبي العام، الذين طالتهم يد الكبيرياء المقيته، فقد همش تاريخهم النظالي وأغلقت الأبواب عن دورهم العالي، وزحزحوا مع ميثاقهم الوطني الذي كتبت مواده الأنامل الأمينه الشريفة، ووضعوا في المقامات الجبرية، وأبعدت حقوقهم الدستورية وغلبوا على أمرهم لعدد من السنين .
لذلك فإنه لا يمكن التكهن بأن حزب المؤتمر الشعبي قد يزول بزوال ( الحزب الحاكم ) لا أعتقد ذلك، فالحزب الحاكم المتمثل بالعائلة المالكة وأعوانهم من المتنفذين والمتسلطين وأصحاب المنافع والمصالح كل هؤلاء يمكننا ان نسميهم الحزب الحاكم الذي أفل نجمه في سماء اليمن الجديد، أما بالنسبة للمؤتمر الشعبي العام فيمكنه استعادة دوره كشريحة سياسية في المجتمع اليمني، خاصة مع تكوين حكومة الوفاق الجديدة فيمكنه المنافسه مع شريكه السياسي المعارضة اليمنية المتمثلة باللقاء المشترك، وكذلك باستطاعته العمل على رفع معنوياته التي انهارت في فترة حكم صالح العائلي.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول ان الثورة الشبابية السلمية في اليمن ستساهم في اعادة صياغة حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي فقد فاعليته خلال الثلاثين عاماً الماضية، نتيجة احجامه. و تقييده من قبل اللوبي الحاكم الذي ضل نقطة تعثر في مسيرة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.