السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٩ صباحاً

بين قهر الحكام وإرادة الشعوب: الربيع مر يوما من هنا!!

علي الذهب
السبت ، ١٠ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
شاء القدر أن أكون في مصر منذ أول يوم من يناير الماضي 2011م، متنقلا بين القاهرة والإسكندرية والمنوفية، وكان الوضع الأمني-جينها- متوترا ومفزعا للغاية؛ بفعل حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، ليلة الحادي والثلاثين من ديسمبر 2010م، غير أنه برغم الأبعاد الكثيرة للحادثة، والعدد الكبير من القتلى والجرحى التي خلفته في صفوف المحتفلين فيها، من أبناء الطائفة المسيحية، فقد كان الناس مأخوذين إلى ما يُعتمل من حراك ثوري في تونس، بعدما أقدم الشاب محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده قبل حوالي نصف شهر من هذا التاريخ، ولحاقه ببارئه في الرابع من يناير من العام الجديد 2011م.

وبعواطف المصريين الجياشة إزاء مثل هذه الأفعال، كادوا أن يقعوا في فخاخ الإعلام السلطوي المقروء والمتلفز، حين كان يحاول -عبثا- إلهاء الناس بهذه الحادثة وأبعادها ومن وراءها، وكذا افتعال قضايا أخرى تدغدغ مشاعر المصريين وتمنيهم بأمانٍ كاذبة لا تلبث أن تتلاشى مع بلوغ الغاية من ذلك، وقد بدا ملفتا للنظر تناوب الكثير من الوزراء والمسئولين على الظهور الإعلامي في القنوات المصرية المختلفة، والتي يعرف المواطن المصري زيف قولها وتضليلها، فيبادون بمهاجمة أولئك المسؤولين من خلال اتصالاتهم، بل، لقد سمعت إحدى المذيعات وهي تقول للمخرج باللهجة المصرية: "ما تشوفنا حد يقول حاجة حلوة"!!

من حسن حظ النظام المصري حينها، أنْ تزامن ما جري في تونس من حراك ثوري مع الفعالية الكروية المسماة "دورة حوض النيل الدولية الودية الأولى لكرة القدم" والتي كانت من البدع السياسية البائسة للنظام المصري السابق، التي كان يرمي من خلالها إلى معالجة التنازع القائم بين دول الحوض على حصص كل منها في مياه النيل، وهي -كما يبدو- من البدع التي لا تسمن ولا تغني من جوع، خاصة في مسألة دقيقة كهذه، لأنها تمس أمن مصر المائي والغذائي المستقبلي، وفضلا عن هذا القصد؛ فقد كان النظام المصري يسعى عبر مسألة كرة القدم إلى إلهاء هذا الشعب العظيم، ليقينه أنه يذوب حبا في كرة القدم مثلما يذوب حبا وجبة الكشري والملوخية.

وقد كان من المصادفة -أيضا- أن اكتملت تلك الفعالية في القاهرة في السابع عشر من يناير، بفوز منتخب مصر على منتخب أوغندا؛ وهو اليوم الذي هرب فيه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من تونس إلى السعودية، وترك الباب مواربا لمن يخرج بعده، وقد كان مبارك.

كان المصريون -صباح اليوم التالي- يضربون الأخماس في الأسداس، وحديث الغبطة يجري على ألسُنهم وشفاههم، ولا أخفيكم أن البعض منهم كان يقول: نحن أحق بذلك من التوانسه!! لكنهم- في ذات الوقت- يُكْبرون هذا الفعل وكيف أنه أرغم الرئيس على الهرب ليلا، ويُجِلُّون شباب تونس الثائر، ولا يخلو الحديث-بالطبع- من جلدٍ للذات، وكيف أنهم الأولى!! لكن، لا سبيل إلى ذلك، أما أنا فقد كنت أقول: إن لم يحدث ذلك في مصر، فكيف سيحدث في اليمن؟!! لكني، توقعت أنّ حدوث ذلك مع وصول شرارة الثورة إلى أرض مصر، وبلوغ التداعي الإعلامي العربي الحر ذروته؛ حاديا موكب الربيع العربي.

وكانت إرادة الله، ثم إرادة الشعوب؛ فما كانت إلا بضعة أيام وكانت ثورة الغضب في مصر، تعصف بكرسي مبارك الثلاثييني، فاتصلت بأحد الأصدقاء أذكّره بما كان بيننا من نقاش في الأيام القليلة الماضية، حول قطار الثورة الذي تأخر عن مصر واليمن، وكعادة الأخوة المصريين، بادرني بقوله:" آه.. كانت بِتتحضّر".

قد أكون-هنا- أتعبت القارئ الكريم وأنا أمضي به فيما يشبه الذكريات، لكنني أردت هنا أن أنقل مشهدا ما كان هناك، لعله يشابهه مشهد مماثل في اليمن، وإن كان وقع مع شخص آخر. والمهم عندي؛ أنه بتلاقح هذه الأفكار، وما فيها من معان ثورية مهمة، وما حملته أحداثها من تداعيات، جعلتني أحس بالرغبة لقولها، مذكرا بأن أي عمل عظيم، لا يأتي إلا من تضحيات عظيمة، وأن ذلك لا يكون مقصورا على شخصٍ أو أمة بعينها، ولذلك فقد ذكرنا البوعزيزي بقول الحارث بن سعيد بن حمدان(أبي فراس الحمداني):

تهونُ علينا في المعالي نفوسُنا ومَنْ يَخطُبِ الحسناءَ لم يُغلِها المهرُ

وفي ذات السياق، يذكرنا الطفل اليمني الشهيد أنس السعيدي، وكل طفل يمني غسل دمُه الطاهر قلوبنا الوجلة، أن التضحية تقابلها الحرية، وأن الأوطان إنما تحيا على مذابح أبنائها؛ فهل مَن سوانا من الأمم آكد يقينا منا في نوالنا الحرية، أو أنهم أمضى عزما في الصبر على بلوغها؟ لا، لا أعتقد ذلك؛ وشواهد التاريخ الكثيرة تؤيد ما أقول.