الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٣ مساءً

ماذا يعني " الفيتو " الصيني ؟! .. وهل يؤسس لعودة لمنطقة الشرق الاوسط ؟!

عبدالوهاب الشرفي
الخميس ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ١١:٥٢ مساءً
‏اندهاش واسع خلفه الفيتو الصيني الذي استخدمت به الصين حقها في النقض للاعتراض على مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن هدنة في حلب كانت قد تقدمت به اسبانيا و نيوزلندا و مصر ، و ‏هذا الفيتو هو الثاني الذي تستخدمه الصين ضد مشاريع قرارات متعلقة بالملف السوري ، و هو امر ملفت في اطار السياسة الخارجية الصينية و يحمل رسائل مهمة فيما يتعلق بمستقبل هذه السياسة .

‏المتابع للسياسة الصينية يجد انها كانت تفضل الاقتصار على شأنها الداخلي وتتحاشى بقدر كبير التدخل في ملفات النزاع الخارجية وتلزم الحياد تجاهها غالبا ، ويمكن ادراك ‏تفضيلها الحياد في سياستها الخارجية بوضوح من خلال علاقاتها الدولية التي تجمع فيها النقائض من روسيا الى امريكا ومن ايران الى تركيا ومن السلطة الفلسطينية الى الكيان الاسرائيلي ، فلصين علاقات استراتيجية قوية مع كل الاطراف المتناقضة تقريبا .

‏حالة التفضيل في سياسة الصين الخارجية المنطلقة من عوامل سياسية بحته كانت في حالة واحدة هي موقف الدولة المقابلة من الاعتراف بتايوان كنوع من السعي لفرض الحصار عليها باعتبار تمسك الصين بها كجزء من اراضيها ، و ‏في غير مسئلة تايوان لم تكن المعاييرالسياسية محل حضور في العلاقات الخارجية الصينية بقدر ملحوظ ، وكانت الغلبة هي للمعايير الاقتصادية و لسياسة التعاون المشترك .

‏تحوّل الصين اقتصاديا الى اقتصاد السوق دفع بالصين لتّواجد في اكثر من مكان في العالم ، و تبعا لهذا التحول نشطت الصين في السعي لتوفير الموارد و لتوفير الاسواق ، ‏و بين الموارد والاسواق تخلقت الاستثمارات الصادرة والواردة من الصين واليها ، وضل الاقتصاد هو المتحكم في سياسة الصين الخارجية بدرجة رئيسية مع رفع مستوى دورها الدافع باتجاه احلال السلام في العالم. .

‏تشعر الصين بهيمنة امريكية مزعجة نتيجة مواقف الولايات المتحدة في العديد من الملفات التي تشهد منازعات مع الصين كتايون واليابان والفلبين ، ‏و مع الانزعاج الصيني من الدور الامريكي في ملفات مهمة منها ماتراه سياديا كتايوان الا انها لم تنزع يوما ما للمنافسة على الهيمنة السياسية مع الولايات المتحدة ، وان وجدت في منافستها اقتصاديا بصورة غير انتزاعيه .

‏اصبح لصّين مصالح اقتصادية في الخارج بقدر كبير ، و بات امن الموارد وامن الاسواق و امن الاستثمارات في طليعة اهتماماتها ، وامر متعلق بامنها القومي بصورة مباشرة لما سيخلفه اي اضطراب في هذه المجالات من اضرار على اقتصادها و دخلها القوميان ، و ‏هذا الوجود الكبير للمصالح الصينية في الخارج فرض عليها تغيير منطلقات سياستها الخارجية لاعتبارات امن هذه المصالح و التي تتاثر بمختلف الاحداث في اماكن تواجدها .

‏منطقة الشرق الاوسط هي واحدة من اهم المناطق للصين كونها تضم نسبة كبيرة من الموارد اللازمة للاقتصاد الصيني والنفط في المقدمة بالطبع ، و ايضا من الاستثمارات المتبادلة معها من والى الشرق الاوسط ، و كذلك من الاسواق ذات القدرة الشرائية العالية .

‏اهمية منطقة الشرق الاوسط للاقتصاد الصيني هذه جعلت الاحداث التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط ذات اثر مباشر على الصين ، واصبح تفاقم هذه الاحداث مهددا مباشرا لأمن الصين القومي و بات من الملزم حفاظا عليه ان تتدخل لمنع او للحد من اي تطورات في المنطقة قد تنعكس سلبا عليها .

‏ضلت الصين قوة ناعمة طوال الفترة الماضية ، وفي منطقة الشرق الاوسط كانت تبحث عن الفرص البينية لاستثماراتها و تتجنب المنافسة الحادة مع الغرب وامريكا فيها ، و لم تكن تعمل لفرض فرصها الاقتصادية عبر سياستها الخارجية في المنطقة . و ‏نافست الصين الغرب وامريكا في منطقة الشرق الاوسط في حدود الممكن ودون ان تصل بها الى المنافسة على الهيمنة في المنطقة وهذا الامر كان مجديا لتكوين مصالح للصين في منطقة الشرق الاوسط . ‏لكن الامر بعد تكوين تلك المصالح قد اختلف فالمهمة الان لم تعد تكوين المصالح بقدر ما اصبحت حماية تلك المصالح بالدرجة الاولى و هو امر متعلق بالامن والاستقرار في الشرق الاوسط بشكل مباشر .

‏لم يعد من الممكن للصين في سبيل حماية مصالحها في الشرق الاوسط ان تضل دون تفضيلات لها متعلقة بالامن والاستقرار في المنطقة ، وبالتالي اصبحت المنافسة على الهيمنة فيها امرا لا يمكن للصين ان تتجنبه بعد الان .

‏ تشهد سوريا احداث ملتهبة منذ سنوات وهي احداث بطبيعتها متعلقة بالامن والاستقرار ليس في سوريا وحسب وانما في محيطها ايضا بل وفي منطقة الشرق الاوسط ككل ، وكان لابد للصين من ان يكون لها موقف تجاه تلك الاحداث لاعتبار الاثار المترتبة عليها وتطوراتها المحتملة ، و قد تعاطت الصين بشكل ملحوظ مع الملف السوري منذ وقت مبكر .

‏تفاعلات الملف السوري ذهبت بعيدا واصبح الارهاب احد التفاصيل ذات الصلة بهذا الملف بدرجة رئيسية ، والارهاب بدوره هو المهدد الاول لامن واستقرار الشرق الاوسط وللعالم ككل ، و ‏ترى الصين ان من واجبها للدفاع عن مصالحها ان تدخل في الحرب على الارهاب و وجد من هنا اهتمام مشترك لها مع روسيا في المنطقة و التي تراها اكثر جدية في محاربته ، و ‏تعاطت الصين مع مسئلة الحرب على الارهاب بجدية وصلت لتوقيع اتفاقية مع روسيا للاشتراك سويا في هذه الحرب في منطقة باب المندب وذهبت لاقرار هذه الاتفاقية مؤخرا من مجلس الشعب الصيني ما يعني اعتناء عاليا من قبلها بهذه الحرب .

‏خطر الجماعات الارهابية واحتمالات التطورات في الملف السوري المهددة للامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط الحيوية بالنسبة للصين فرضت عليها ان تبدأ المنافسة على الهيمنة في المنطقة وبدئ من الملف السوري لكونه اكثر الملفات احتمالا للتطورات الضاربة للامن والاستقرار في المنطقة .

‏إستخدام الصين لحق النقض بحد ذاته ليس عملا عاديا لانه يقف امام مصالح الدول التي تتقدم بقرار لمجلس الامن ، و هذا الامر كان نادر الحدوث في السياسة الخارجية الصينية الغير نازعة للمشادات و التنازع فضلا عن المواجهه السياسية . ‏واستخدام الفيتو لمرتين في ما يتعلق بالملف السوري بالذات هي حدة اعلى بكثير من استخدامه في اي ملف اخر كون الملف السوري باتت تتجاذبه القوى العظمى بشكل مباشر وحاد ضمن صراعها حول النظام العالمي ، ولذلك يمثل استخدام الصين للفيتو في الملف السوري لمرتين نقلة حادة في السياسة الصينية الخارجية .

‏لم تكن الصين لتستخدم الفيتو في الملف السوري بالذات دون ان تحسب ذلك جيدا ، واستخدامه لمره و تاكيد استخدامه للمرة الثانية للاعتراض على مشروع قرار الهدنة الاخير في حلب هو اعلان صريح بقرار صيني محوري في اطار سياستها الخارجية ستغادر بموجبه مرحلة القوة الناعمة وستدخل مرحلة المنافسة على الهيمنة السياسية في منطقة الشرق الاوسط و من بوابة الملف السوري .