الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٤ صباحاً

اليمن بين المنهوب والمجلوب

د. أحمد محمد قاسم عتيق
الاربعاء ، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٦:٥٧ صباحاً
كشف الفيلم الوثائقي "السلاح المنهوب" على قناة الجزيرة مدى خطورة المؤامرات من قِبل عصابة الإنقلاب التي أمعنت في وأد الكرامة ،ونشر الموت، وسلب أدوات الحياة من بين أيدي اليمنيين، كما أنه قد أرسل رسائل هامة بكشف هذه الحقائق للعالم، وفضح أخلاق هذه العصابة التي لا هدف لها إلا الإنتقام من ثورة 11فبراير وعبرها من ثورتي سبتمبر وأكتوبر، التي عملت على إخراج اليمن من عهود الظلام إلى عصر التنوير.
*كان اليمن يعيش في العصور الوسطى بينما العالم يخطو نحو المستقبل في القرن العشرين فلا مدارس، ولا مستشفيات، ولا طرقات، ولا تعليم، يُماثل ما يحدث في دول العالم المختلفة في المجالات هذه كافة.
وحينما تَغلب اليمن على التخلف والمرض والجهل، وبدأ يخطو خطوات كبيرة بفضل ثورة 26سبتمبر1962م، و14 أكتوبر1963، ظهرت مصابيح العلم تُنير لليمنيين طريقهم إلى المستقبل . بُنيت المدارس ،اُبتعث اليمنيون للدراسة في الخارج ،تزايد إثر ذلك بشكل جميل حملت المؤهلات العلمية العليا، وانتشر التعليم في جانبيه المهني والنظري حتى غدى سوق العمل يكتظ بمن هم جديرين بإحداث تنمية وتقدم في البلد كبيرين ،بل قد أفاض هذا الخير وأمتد بمعاول البناء نحو دول عديدة في العالم ومنها دول الجوار.
*وبعد فترة وجيزة من الثورتين على الاستعمار والإمامة تسلم السلطة من يجهل أهمية التنمية والتقدم ،ويتقن فقط حياكة المؤامرات وعمليات القتل والموت (المخلوع). فلم تشهد اليمن زيادة في مضمون التنمية عدا ما قدمته الدول المانحة (الصديقة والشقيقة) من دعم لمشاريع التنمية في المجالات المختلفة.
ولم يشهد حكم المخلوع وهيمنته على اليمن لثلث قرن أي تطور جوهري في التنمية عدا تفريخ مشاريع في المحافظات المختلفة شكلية لا تستند إلى قاعدة بيانات تُظهر مدى نجاح هذه المشاريع استناداً لما تمتلكه في جانب الموارد البشرية والبنية التحتية وغيرها مما يساعد المشاريع المُفرخة على النجاح؛ لذلك هي تبقى ظاهرة إعلامية تُولد ميتة.
*اليوم نشهد إنجازات مختلفة ومن نوع آخر؛ إذ أن حصاد السنين من تراكمات الأموال ووفرتها وتوجيه أموال المساعدات والمنح والقروض ظهرت في حرص المخلوع بتوجيه كل هذه القدرات والأموال لبناء وتنمية مشاريع الموت فزاد في كميات الأسلحة والذخائر ما يكفي لقتل اليمن مرتين، ثم إنه بعد ذلك سلم أدوات الموت لمن يُماثلونه ويتفوقون عليه في الحقد على اليمن (الحوثيون).
فنرى أن اليمن الآن تعيش من اللحظات التي تقودها نحو الموت المحقق لأن عصابة الإنقلاب لا تمتلك رؤية تساعد على العودة نحو الأمن والسلم الاجتماعيين ولا تمتلك الجدارة في الانتصار على نفسها والتخلص من أنانيتها من أجل خروج البلد من معضلته الحالية على المستويات كافة ،لكنها أي عصابة الإنقلاب تُظهر براعة في جرّ اليمن نحو زيادة الموت؛ فبين ما نهبته من أسلحة بمساعدة المخلوع وما تجلبه عبر التهريب بمساعدة إيران تظهر خطط التنمية العظيمة في افتتاح المزيد من المقابر في صنعاء وذمار والبيضاء وغيرها من المحافظات وصولاً إلى عمران وصعدة. وفي المقابل تُمعن في هدم المدارس وتحويل ما تبقى منها إلى تخزين الموت ، وتختطف أبناءنا من على مقاعد العلم إلى جبهات القتال ، أفسدت التعليم في الجامعات والمدارس، وتريد تحويلها كُرهاً إلى حوزات تلهج بذكر السيد وتحفظ عن ظهر قلب ملازمه وأخيه، وهي ترى في ذلك الخير كله لليمنيين .
إذ أننا لم نعد نحتاج إلى المستشفى والطبيب المعالج فحروز السيد تكفينا عن ذلك، ولم نعد نحتاج إلى المدارس والجامعات وتحويلها إلى حوزات أفضل لنا من أجل تعلم مقولات السيد والخرافات، ولا نحتاج إلى القنوات التي توصلنا بالعالم فإن شاصات السيد وعتاولته خير من يفعل ذلك الامر بإيصالنا إلى التخلف والموت لملئ المقابر التي تُشاد كل يوم.
البحر يزخر بتهريب الموت إلى اليمن عبر السفن الإيرانية وما يساعدها من الأفارقة وبعض العرب وما يُخفى من هذا الأمر أعظم، فضلاً عما تختزنه عصابة الإنقلاب من أدوات الموت المادية والمعنوية. أي أن اليمن يسير بين المنهوب من السلاح والمجلوب منه نحو المقابر لأن الرؤية قد اُختزلت عند الإنقلابيين في جعل اليمنيين إما موتى تحت التراب ،أو الطاعة والخضوع المطلقين لهذه الإرادة الشوهاء التي لم تعد تدرك أمراً غير المحافظة على السلطة التي وصلت إليها بطريقة غير شرعية ،وهي على استعداد في سبيل ذلك أن تُضحي بكل اليمنيين من اجل هيمنتها على البلد ،واستبدادها باليمنيين، وتحقيق خضوعها بجدارة للمرشد في إيران.
عجيب هذا الأمر لم نرى يمنياً في التاريخ يقبل في أن يسوق نفسه نحو الذُل مثل هؤلاء الذين يرفضون كل مساعي السلم ،ويُمعنون في إذلال الشعب عبر تجويعه وسلبه أدوات الحياة والكرامة.
*هنا ننوه إلى كل أبناء اليمن ونُذكرهم أن سلطة الإمامة من أجداد هؤلاء قد عملت على عُزلة اليمن عن محيطه والعالم وحرمت اليمنيين من كل ما يتمتع به الإنسان من حقوق وحياة كريمة في الدول المختلفة وكان سبيلها في ذلك التجهيل وممارسة القطرنة بما يُناسب وعي ذلك العصر . وها هم أحفادها بمساعدة المخلوع يُعيدون ذات العملية في قطرنة اليمنيين عبر تزييف الوعي بممارسات الدجل ، والكذب، ونشر الخُرافة والأباطيل ،وتشويه الحقائق بُغية جر الشعب نحو الطاعة المطلقة لإرادة السيد ومن وراءه المرشد.
تُرى هل ما زال المُغرر بهم إلى جانب هذه العصابة يجهلون هذه الحقائق؟؟. فالموت ينتشر كل يوم والعلماء يُحاصرون في كل مكان ،والجامعات والمدارس إنحرفت وظيفتها عن التنوير والنهضة إلى تكريس الجهل أو مكاناً يختبئ فيه ويختفي المسلحين وسلاحهم، حوصر الناس في أقواتهم ، وارتفعت الأسعار ، وما من سبيل لليمنيين إذا ما واصلوا الاستسلام لهذه العصابة غير الموت جوعاً في بيوتهم أو على جبهات القتال ومن أجل رفع رايات السيد.
تباً لها من خيارات عفنة لا تليق بمكانتنا تاريخياً ودينياً.

كاتب وناشط سياسي