الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٩ صباحاً

وللإسلاميين جاهليتهم كذلك (3-3)

أ.د أحمد الدغشي
الأحد ، ١٢ مارس ٢٠١٧ الساعة ٠٣:٠٥ مساءً
الزعيم المعصوم:
وفي سياق الآثار الجاهلية لمنزع التعميم الخاطئ تجاه الشريحة الهاشمية تجدر الإشارة إلى واحد من تلك الآثار السلبية كذلك، حيث جرّ مثل هذا التحشيد وتلك التعبئة إلى أن وصل الأمر بفئة محدودة - ربما يصعب القياس عليها من الإسلاميين دعك من غيرهم هنا- إلى درجة ـأن لا يبقوا في قاموس القدح والمثالب لفظاً أو حرفاً -بما فيها التكفير عند بعضهم- إلا واستخدموه تجاه خصومهم الهاشميين الحوثيين أو المتحوّثين، لكنهم لم ينبسوا ببنت شفه إلى يوم الناس هذا، تجاه حليف الحوثيين الأكبر علي عبد الله صالح وحزبه الذي لولاه ماكان الحوثيون شيئاً يُذكر، وظل موقف تلك الفئة على ذلك النحو، عبر كل مواقف صالح اللاحقة، بما فيها تلك الخطابات التي دعت إلى حرق أهل تعز وسحقهم، بوصفهم دواعش، أو تلك التي تطالب باجتثاث حزب الإصلاح، ومحوه من الخارطة، بالذريعة نفسها، ولا تتردد تلك الفئة أن تؤكِّد أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في تلك السلالة المذهبية، التي تدّعي أحقيتها بالحكم من السماء، أمّا صالح أو عائلته وحزبه، فلا ينبغي الاشتغال بها، إذ تظل ضمن (القوى الوطنية)، وسرعان، ماستدرك خطأها لاحقاً! ولسرعان ماتثور ثائرتهم تجاه من ينبههم بصدق إلى غفلتهم، التي هي واحدة من ضروب الجاهلية أيضاً- لينال هذا الناصح بدوره نصيبه من الردح والاتهام، بوصفه هو قاصر النظر غافلاً، على حين أنهم أوتوا الحكمة وفصل الخطاب، وآية ذلك منح الزعيم صفة (العصمة) أبداً!
(شرف) القتل ولا (عار) بني الخُمس:
لا أزال أتذكر- وأحسبه يستعصي على النسيان- ذلك الموقف الذي احتدم يوماً بين فئة من الشباب المتديّن حول أصل (الشريحة) العرقية التي تنتمي إليها إحدى الشخصيات الدعوية الاجتماعية المؤثرة، بعد أن ذكر بعضهم- وكأنما غار من ذلك الإعجاب والحضور والتأثير للرجل- فقال لكنه رغم كل ذلك التأثير، يرجع نسبه إلى إحدى الفئات الدونية من (بني الخمس) في منطقته، ولكنه خرج منها، ولا أحد يعرف بذلك السرّ إلا القليل خارج منطقته، فردّ بعض من يٌحسن الظن بالرجل، ويحرص على أن لايناله أيّ تاثير سلبي، جرّاء ذلك التصنيف، على خلفية ذلك الاتهام بأصله ونسبه، فقال: الحقيقة أنّ كل ذلك افتراء وكذب في حق الرجل، أمّا الحقيقة فهي أن جدّه قد أقدم على قتل أحدهم يوماً، في منطقته الأصلية، وحين خشي على نفسه الانتقام فرّ إلى منطقة أخرى غير معروف فيها، وربما عمل فيها بالخدمة لأهلها، ونحو ذلك، فظنّ الناس أنه ينتمي إلى تلك الفئة (الدونية)، على حين أن الحقيقة، كما قلت لكم (قاتل) فقط فرّ من الانتقام، أو القصاص!!
هنا تكمن المأساة في أبشع صورها، فصاحبنا(المتديّن) حين أراد أن يتلمّس للشخصية الدعوية المؤثرة المتهمة من قبل بعضهم بانتمائها إلى الفئات الدونية، لم يجد خيراً من ذلك التخريج للأمر، وقد يكون هو حقّا مابلغه، لكن تخيلّوا إلى أيّ مدى بلغت جاهليتنا الجديدة هذه نحن الإسلاميين، فقد حزّ في نفس صاحبنا أن يُتهم الرجل الداعية بانتمائه إلى تلك الفئة، وهي فئة أمام الشرع والقانون سويّة، بريئة، لاذنب عليها، ولا جُرم تدان به، لكن من الهيّن عنده، وفي عُرف أغلبية المجتمع إذا عُزى السبب في ذلك (الاتهام) أو ما يعدّونه (تهمة) إلى جريمة القتل التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلّم - كما روى ذلك ابن عمر - رضي الله عنهما-:
" لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، مالم يُصب دماً حراماً" (البخاري).
وقوله -صلى الله عليه وسلّم-:
" من أعان على مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
ومعلوم أن هناك خلافاً شهيراً بين العلماء حول قبول توبة القاتل، حتى يرى ابن عباس وغيره أن لا توبة لقاتل، وأن من آخر ما نزل من القرآن قول الله تعالى:
{ ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً} (النساء:93). (راجع- على سبيل المثال-: تفسير ابن كثير).
وجاهلية داخلية كذلك :
بقي أن نشير إلى أنّ من غير المستغرب في ظل استمرار تلك التركة المثقلة من التخلّف، وفشو تلك الثقافة المتخمة بوهم الاصطفاء عبر القرون، أن نلحظ أمرين:
الأول: تراجع بعض الإسلاميين (الهاشميين)- وأحسبهم قلّة محدودة - إلى مربع الجاهلية الصريحة في ثوبها العنصري القديم الجديد، الذي يصرّح بحقه في الحكم من منطلق الاصطفاء الإلهي والمشروعية السلالية، لفئة من المجتمع هم الهاشميون!
الثاني: نزعة الاستعلاء الجاهلية الخفية في مسالك بعض الإسلاميين (الهاشميين)، التي لاتزال تفعل فعلها حتى اليوم، دون أن تغادر مسلك بعضهم، حتى تجاه إخوانهم المتدينين في إطار الفكر الواحد، والثقافة الخاصة الواحدة، ناهيك عن تعاملهم مع أفراد المجتمع كآفة، وأن يشعر الزميل أو الصديق بين الحين والآخر أن التربية التي تُبذل في المحاضن الخاصة أحياناً، لم تتمكن من التغلّب على منزع شعوري أحياناً، ولاشعوري أحياناً أخرى، بين الإخوة والزملاء، يوحي بالتميّز العائلي، أو التفوق النسبي، لاسيما في أجواء هذه المرحلة المتخمة بالتفاخر بمنطق الحسب والنسب، الذي عاد جذعاً اليوم، في ظل سيطرة الحوثيين وحليفهم صالح على مقاليد السلطة في البلاد.
وهنا يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلّم حين وصف حال أمته من هذه الناحية فقال- كما روى ذلك أبو مالك الأشعري رضي الله عنه- :
" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لايتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة..." (أخرجه مسلم وغيره).
والمعنى أن كون المرء مسلماً لايعني عصمة له من الانزلاق إلى ذلك المسلك، إن هو لم يق نفسه بجملة الأساليب التربوية الوقائية المفترضة. وإذا كان شرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلّم لم يق صحابياً جليلاً كأبي ذرّ - رضي الله عنه- من الانزلاق إلى ذلك المنزلق، فوصفه - عليه الصلاة والسلام - بالمسلك الجاهلي في ذلك، فتنبه له، وعالجه من فوره، فكيف بغيره؟! وقد جاء في حديث المغرور بن سويد قال:
" لقيت أبا ذرّ بالربذة وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة، فقال: إنني ساببت رجلا فعيرّته بأمّه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلّم: يا أبا ذرّ أعيرته بأمِّه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية..." الحديث ( أخرجه البخاري ومسلم).