الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٥ مساءً

لا تلوموا الأحزاب !!

صدام الحريبي
الخميس ، ٣٠ مارس ٢٠١٧ الساعة ٠٤:٠٥ صباحاً
يذهب البعض إن لم يكن الأكثر هذه الأيام إلى شن الحرب على الأحزاب السياسية وتحميلها كامل المسؤولية فيما ما يحدث من حروب وصراعات وانقسامات وغيرها ، وهذا بنظري خطأ كبير لم يدركه البعض ، فالأحزاب تعمل على خط واحد وهو الخط السياسي بعيداً عن باقي التعصبات التي لا تنته إلا بالحرب ..


فالتقسيمات الحزبية بنظري أرحم وأرقى وأفضل من التقسيمات المناطقية والمذهبية وحتى القبلية ، ﻷن الخلافات السياسية والحزبية يمكن حلها بأكثر من طريقة ويمكن أن تتقارب وجهات نظر الفرقاء فيها من خلال الجلوس على طاولة واحدة ومناقشات نقاط الخلاف ، ويمكن أن يقدم الجميع بعض التنازلات فيها ، لكن الخلافات الطائفية والمذهبية فمن المستحيل أن يتفق الفرقاء فيها ومستحيل جداً التنازل أو التقارب فيها ﻷنها عبارة عن عقائد وعادات وتقاليد يستحيل إجبار صاحبها على تركها أو حتى تعديلها ، وبالتالي مثل هذه النزاعات لا تخف إلا بسفك الدماء ولا تنتهي أبداً ..



ولذلك ارجعوا إلى سابق التاريخ وتفحصوا كيف كانت تنته الخلافات بين القبائل والطوائف ، كانت لا تنته إلا بالحروب أو الاتفاقات "السياسية" المؤقتة ، نعم الاتفاقات السياسية فقط ، وهناك دليل وهو عندما عقد الرسول عليه الصلاة والسلام اتفاق مع المشركين فكتب "عليا كرم الله وجهه" في الوثيقة بأن الاتفاق بين "رسول الل"ه ومبعوث المشركين ، فرفض مبعوث المشركين أن يتم كتابة "رسول الل"ه وإنما "محمد بن عبدالله" ، ﻷنه بنظر المشرك إذا تم كتابة اسم الرسول في الوثيقة بأن رسول الله فهذا اعتراف من المشركين بأن محمداً هو رسول الله وهم لا يعترفون بذلك ، فرفض عليا كرم الله وجهه ذلك ، ليتدخل نبي الأمة ويتعامل بحكمة وسياسة ويمحي كلمة رسول الله ، وقد كان هذا تنازلا سياسياً من الرسول وليس عقائديا أو قبليا ﻷنه لا يمكن تقديم التنازلات العقائدية ومثلها ..


الخلاصة هي أن من يوجهون اليوم جل غضبهم واتهامهم للأحزاب السياسية . عليهم أن يدركوا بأن الأحزاب في في كل مكان _ إلا ما شذ _ قد تعايشت منذ سنين طويلة وما كان يحدث هي خلافات سياسية فقط ولم تتطور هذه الخلافات إلى درجة سفك الدماء إلا عندما حضرت النعرات الطائفية والمناطقية ، ولذلك يجب أن نرفض المذهبية والطائفية والمناطقية وأن ندعم التعددية السياسية والحزبية وأن نستوعبها تماماً حتى تكون صراعاتنا سياسية _ إن وجدت _ لكي نحفظ دماءنا ودماء الشعوب ، فالحزبية أرحم وأخف وأرقى من الطائفية والمذهبية ..


وأختتم مقالي بمثال بسيط وهو أن هناك صراع سياسي بين المكونات الحزبية العلمانية في تركيا وبين النظام الحاكم والصراع شديد بينهم ، لكنه لم يصل أبداً إلى درجة القتل وسفك الدماء ﻷنه صراع سياسي ، لكن عندما تدخل الصراع المذهبي والعقائدي في الأمر ممثلا بجماعة "فتح الله كولن" الصوفية سفكت الدماء وسط الشوارع عبر محاولة الانقلاب التي حدثت قبل أشهر وكانت النتيجة هي العديد من القتلى الأبرياء وكذلك هدم العديد من البنايات وغيرها من الأمور التي هدمت وأنهكت ..
أرجو أن تكون قد وصلت رسالتي ..