الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٥ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (13)

عباس القاضي
الجمعة ، ١٦ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠١:٤٠ صباحاً
كان الأستاذ محسن موفقا, عندما سرد القصة, ليتعرفوا على المشكلة, فيتهيأ الجميع للسماع والمناقشة, وهنا بدأ المدرسون الذين تم التنسيق معهم مسبقا بإثارة الموضوع وطرح الأسئلة على الحضور, للخروج من هذه الإشكالية, وكأنه مطلب جماهيري, وارتفعت الأصوات وتداخلت, واللجنة صامتون يرقبونهم وهو يقلبون أيديهم ويلوون أعناقهم, وهنا ارتفع صوت الأستاذ, قائلا لهم : الحل موجود , وجئنا هنا لحل هذه المشكلة وخاطبتكم أنتم المدرسين لأنكم قادة التنوير في القريتين, وأردف الأستاذ قائلا : المشكلة لا تقتصر في ضياع بندر, المشكلة أساسا في إهمالنا بواجبنا لهذا الدين, نحن مطالبون بإيصال الإسلام إلى أقاصي الأرض, لتحقيق عالمية الرسالة , " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فكيف نبلغه إلى أصقاع العالم ولدينا أربعين أسرة من المهمشين بين هاتين القريتين.

سيقول بعضكم لا فائدة من دعوتهم إنهم منكفئون حول ذواتهم, وستضيع جهودنا, هذا الكلام والمبررات غير صحيح بعد تجربتنا, لثلاثة أيام مضت لدينا ثلاثة مع نسائهم, أصبحوا رجالا أسوياء مثلكم, فهاهم يعملون بالمزرعة لدى الحاج, ويأنفون أن يعيشوا بالطريقة التي اعتادوا عليها, هذا ما يتعلق بأمور الدنيا, أما ما يتعلق بأمور الآخرة, فنحن نحقر صلاتنا لصلاتهم , وخشوعنا لخشوعهم, أما نساؤهم هن الآن يتعلمن أمور العبادات ويتحفظن القرآن, ثلاثة مع نسائهم أصبحوا بين عشية وضحاها مثلكم.

وهنا وقف العشرة المدرسون أولا ثم وقف معظم الباقين, يتساءلون, كيف السبيل إلى ذلك ؟ هات المشروع وسنبدأ من الآن, فلفت كل إلى صاحبه مع ابتسامة رضا, بأن الفاعلية قد بلغت مداها, ويجب علينا طرح الموضوع.

تكلم الأستاذ محسن قائلا : لدينا ثلاثة مشاريع منفصلة هي : الدعوة والتأهيل والدمج, ولكن من تجربتنا البسيطة مع الثلاثة الذين بين أيدينا, وجدنا أن الدعوة هي الأساس, فيها تحيى النفوس وترتقي, وتشعر بآدميتها, وهذا وإن كان كل المحور الأول – المحور الدعوي –إلا أنه أساس للمحورين الآخرين, وهنا نرى أن يتم الدمج بين هذه المحاور بتعاون الجميع, بعد غرس الإرادة في نفوس المهمشين أنفسهم, ونبدأ بمشروع محو الأمية.

في المشروع رؤية استقيناها من تجارب أمم أخرى, وهي : الاستفادة من طلاب الثانوية في العطلة المدرسية, وذلك بإلزام كل طلاب بمحو أمية شخص ويكون قبوله في السنة التالية, بتقديم طلب يكتبه ذاك الذي كان أميا, لدينا 120 طالب, و80 طالبة في المرحلة الثانوية, مقابل 40 أسرة من المهمشين, ثلاث مواد للرجل مهمة الطلاب, ومادتين للمرأة مهمة الطالبات, أما الأبناء فمهمتكم أنتم أيها المدرسين, فقد رأينا أن الأبناء الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات , أن ينتظموا مع طلاب الصف الأول الابتدائي, والذين أعمارهم من عشر سنوات إلى خمسة عشر سنة, أن يدخلوا في برنامج محو الأمية لسنتين, ثم تكميلية سنتين, بعدها ينظموا مع طلاب الصف السابع, أما الذين أعمارهم فوق الخمسة عشر سنة, فيكتفون بمحو الأمية فقط, وسيتم التنسيق بواسطة الحاج لاستيعابهم كقوة عاملة ضمن محور الدمج.

كان هذا والثلاثة : غبش وعجب وزؤبه قد بدءوا عملهم في المزرعة, ونشاطهم على أشده, كيف لا, وهم يتوقون بأن يأكلوا من كدِّهم لقمة ممزوجة بالعزَّة والكرامة, ونساؤهم في بيت الحاج, يتحفظن ويتدربن على الصلاة وكان عبده غبش قد رأى حمارا يقتحم المزرعة فهبَّ لإخراجها وعلي زؤبة يجري خلفه, لا يدري ماذا جرى؟ رأى عبده غبش صميلا في طريقه, التقطها يهش بها الحمار, ولما لم تخرج ضربها على ظهرها فخرجت, ثم عاد وخلفه علي زؤبه , وظلوا في عملهم حتى أذن لصلاة الظهر, ذهبوا إلى المسجد, والتحموا بالحاج والشيخ والأستاذ, ومعهم من دعاهم الحاج لتناول الغداء بنفس البرنامج .

في مساء ذلك اليوم الأربعاء, كان عبده وسعيد جالسَين في الاستراحة بينما زؤبة ذهب إلى بيته, قال سعيد لعبده غبش :ضميري يؤنبني , قال غبش : لماذا ؟ قال سعيد : الطريقة التي سلكناها في دعوة علي زؤبه, أجدها غير سليمة, وأخاف إن هو اكتشفها يتراجع, ويعود لوضع أسوأ مما كان عليه , قال له عبده غبش: والحل في نظرك ؟ قال سعيد : نصارحه , فكر عبده غبش لفترة ليست بالقصيرة, ثم قال: أخاف أن يتراجع وسنكون قد أخطأنا من حيث أردنا الصواب, وأسأنا من حيث أردنا الإحسان, مثل كثير من الدعاة, الذين يَقْدِمون إلى الدعوة وهم لا يمتلكون أدواتها, لن نسامح أنفسنا لو تراجع, كنا تركناه لآخر يمتلك الحكمة ويدعوه بصورة سليمة, ثم تابع : شوف يا سعيد, مازال أدران أيام الضياع عالقة في أذهاننا, كنا بحاجة إلى وقت حتى نتعلم ما ينفعنا, ويقوي إيماننا, ونستزيد إدراكا وفقها, لقد حذرني الشيخ يوم أن علمني الصلاة وحاولت فيها أفسر الركعة والسجدتين.