الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٤ صباحاً

إنقاذ اليمن يبدأ من الجنوب

سامح راشد
الاثنين ، ١٥ مايو ٢٠١٧ الساعة ١٢:٥٧ مساءً
لا محل للسؤال عن دوافع اليمنيين والجنوبيين وأهدافهم، أو بالأصح بعضهم، من إعلان تشكيل مجلس انتقالي، فالدوافع واضحة، بعد استياء قيادات جنوبية ورفضهم حرمانهم مناصبهم وصلاحياتهم. حيث جاء الإعلان عن تشكيل المجلس بعد أيام من قرار الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إطاحة بعض تلك القيادات، خصوصاً محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي. والأهداف واضحة كذلك، فأي كيانٍ ينشأ على أساس جهوي لا يمكن تفسيره إلا بالسعي نحو الانفصال والانسلاخ عن الوطن. وهنا، تتضاءل وتتوارى الأسباب التي حاول عيدروس ورفاقه تسويقها لتبرير تلك الخطوة الانفصالية، فقد نفى أن الانفصال هدف ذلك المجلس الجديد، وقال إن الغاية منه تنحصر في إيصال صوت الجنوبيين والتحدث باسمهم، كما لو أن الصوت الجنوبي كان مسموعاً طوال الفترة الماضية التي تولى عيدروس في أثنائها منصب محافظ عدن، وإقالته هي التي أسكتته. لا يعني ذلك أن المسألة شخصية وحسب، لكن العامل الشخصي حاضر بالتأكيد، على الأقل في اختيار توقيت الخطوة. ليس فقط ارتباطاً بالتطلعات والحسابات الذاتية لمن قاموا بتلك الخطوة، لكن أيضاً بحكم اتصالات هؤلاء وعلاقاتهم (أو بعضهم على الأقل) بأطراف خارجية.
وهنا يتجلى البعد الأخطر في الخطوة السلبية على الواقع والمستقبل اليمنيين، فالأمر يتجاوز رغبة الجنوبيين في إيجاد كيان سياسي يمثلهم إلى مساعي دول في المنطقة ترفع شعار الحفاظ على وحدة اليمن، وتأييد استعادة الشرعية وتحقيق الاستقرار للشعب اليمني، بينما تمارس وراء هذا الشعار إجراءات سيطرة ونفوذ وتنظم شبكات من المسؤولين والساسة والعسكريين اليمنيين تعمل لحسابها. ولا شك أن قرارات الرئيس هادي هي التي دفعت إلى التعجيل بخطوة تشكيل مجلس انتقالي للجنوبيين. لكن المؤكد أيضاً أن تطلعات الجنوبيين الانفصالية كانت موجودة دائماً، وتنتظر فقط اللحظة المناسبة. لذلك، لم يكن مستغرباً أن يظهر علم جمهورية اليمن الجنوبي (السابقة) وراء عيدروس، وهو يلقي بيان إعلان المجلس الانتقالي، لكن المستغرب حقاً، أن يشير إعلان تشكيل المجلس إلى ما أسماه "استمرار الجنوب في الشراكة مع التحالف العربي لمواجهة المد الإيراني بالمنطقة، والشراكة مع المجتمع الدولي في الحرب ضد الإرهاب كعنصر فعال في هذا التحالف". فبهاتين الإشارتين، يغازل الجنوبيون التحالف العربي والمجتمع الدولي، ليقدم الكيان الجديد نفسه مبكّراً شريكاً على المستويين، الإقليمي (ضد إيران) والعالمي (ضد الإرهاب). وفضلاً عن أن الجنوبيين لم يتقدّموا إلى هذه الشراكة من قبل، فإن خطوةً تبتعد باليمنيين عن الوحدة والتماسك لا يمكن اعتبارها إلا تقويضاً لجهود الحدّ من نفوذ إيران الإقليمي، خصوصاً في اليمن، وتعميقاً للانقسام الذي يوفر بيئةً خصبةً للعنف والتطرّف.
قد يكون ذلك المجلس المزعوم مجرّد مناوشةٍ من الجنوبيين، ومن يقف وراءهم، رسالة تحذيرية لمنصور هادي والدول الداعمة له، بوصفه سلطة شرعية في اليمن. لكن، أياً كانت حدود الجدية في ذلك الإعلان الانفصالي، لا مفرّ أمام الدول الداعمة لوحدة اليمن واستعادة سلطته من اتخاذ ما يلزم من إجراءاتٍ لحيلولة دون تطوير ذلك الإعلان، وتدعيمه بإجراءاتٍ تكرّس النزعة الانفصالية، وتستغل الحس الجهوي وهواجس التهميش لدى الجنوبيين. لكن على المجتمعين العربي والدولي التعاطي مع هذا التطوّر السلبي بدرجةٍ عاليةٍ من الحرص والحذر، فالحرب مع الحوثيين وعلي عبدالله صالح صارت خياراً اضطرارياً نتيجة التأخر والبطء في مواجهة التمرّد الحوثي الذي بدأ جهوياً ثم صار سياسياً، قبل أن يتحول إلى انقلاب كامل. لذا، لا بد من استيعاب ذلك الدرس عند التصدّي لذلك التحرّك الجنوبي الانفصالي، بالجمع بين الحزم وسرعة الاستجابة له، مع التمسّك بالحوار ولغة السياسة في احتوائه، وتفويت الفرصة على من يريدون تحويله إلى تمرّد فعلي وانفصال كامل.

* العربي الجديد