الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٣ صباحاً

انحناءة ترامب أمام الإسلام

القدس العربي
الاثنين ، ٢٢ مايو ٢٠١٧ الساعة ١١:٥١ صباحاً
أعلنت قمم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الملك سلمان ومسؤوليه، ومع قادة مجلس التعاون الخليجي، وأخيراً مع أكثر من 50 قائداً عربياً ومسلماً، عن تطورات سياسية وعسكرية واقتصادية في أهم ما يخص القضايا العربية – الإسلامية، والتي يضع الأمريكيون (وأغلب العرب والمسلمين) الإرهاب على رأسها، مروراً باستفحال الخطر الإيراني ونفوذ طهران الممتدّ والفاعل في أربعة بلدان عربية، وخصوصاً في الجرحين الكبيرين المفتوحين، سوريا واليمن، وصولاً إلى «أم القضايا»: المسألة الفلسطينية والنزاع العربي الطويل الأمد مع حليف الولايات المتحدة الأمريكية العتيد في المشرق العربي – إسرائيل.
كشفت هذه القمم عن تغيّر واضح في توجّهات الإدارة الأمريكية بين ترامب المرشح الرئاسي وترامب الرئيس، بدءاً من موقفه المتطرّف من الإسلام («الإسلام يكرهنا») والمسلمين («يجب أن نمنع دخول كل المسلمين إلى أمريكا») والذي تبدّى بعد استلامه منصبه الرئاسي لاحقاً بقراريه التنفيذيين اللذين حظر فيهما مواطني عدد من الدول المسلمة من الدخول للولايات المتحدة وباستخدامه المشهور لمصطلح «إرهاب الإسلام الراديكالي»، وهذه الأمور كلّها شهدت تغيّرا واضحاً، ليس بسبب الدعاوى القضائية التي أقيمت ضدّ قراره حظر المسلمين فحسب، ولكن بسبب هذه القمم الأخيرة والنتائج المتمخضة عنها والخطابات التي ألقاها وأبان فيها عن موقف متقارب جدّاً مع السعودية والمنظومة العربية عموماً في قضايا الإرهاب وإيران وسوريا واليمن و – إلى أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود – : فلسطين.
أغلب التحليلات تحدّثت عن تقارب متدرّج بين خطي واشنطن والرياض، فترامب السياسي في بدايات أيامه الذي رفع الشعارات المضادة للمسلمين والإسلام وأصدر القرارات ضدهم، هو نفسه ترامب رجل الأعمال الذي طالب أوروبا ودول الخليج العربي بدفع أموال «حمايتها» من أعدائها، والسعودية ودول الخليج، في هذا السياق، استطاعت بسياساتها الهادئة، وبتغاضيها عن تهجّمات ترامب على الإسلام وإعلان «تفهمها» لأسبابها الانتخابية، ثم بمداولات الرياض عبر وزير خارجيتها ووليّ وليّ عهدها وملكها شخصياً مع إدارة ترامب، وتراضيها على صفقات كبرى عسكرية وغير عسكرية، كل هذا جعل الخطين المتوازيين يلتقيان.
إضافة إلى الثقل الكبير للاقتصاد والدبلوماسية فقد كان طبيعيا أن يصطدم خطاب ترامب المتطرّف ضد الإسلام بجدران الواقع السياسيّ الجيوبوليتيكي الصلدة (مع تنامي الخطر النووي الكوريّ الشماليّ، وتجبّر إيران، وسقوط خيار التوافق مع روسيا، وتمكن الصين واليابان من احتواء الاستفزازات ضدهما)، وهو ما يحصل أيضاً مع سياساته الأمريكية الداخليّة التي تتلقّى صفعات مهمة وقد تصل يوماً ما إلى حدّ إسقاط الحصانة عنه.
وفي حين قامت وسائل الإعلام بتحليل هذا الفاصل التاريخي المهم، الذي، حسب الرئيس الأمريكي نفسه، قد يغيّر وجه المنطقة، انتبه بعضها إلى قضايا أخرى تعبّر عن التغيّر الحاصل، بأشكال مختلفة لا يمكن الاستهانة بها، لأنها لا تخاطب أرباب الاقتصاد والسياسة فحسب بل تتوجّه إلى مناطق غامضة في الدماغ البشري، وتعبّر عن نفسها بالرموز والإشارات والطقوس ولغة الجسد.
في إحدى «تغريداته» على موقع «تويتر» عام 2012 قام دونالد ترامب بالسخرية من الرئيس السابق باراك أوباما الذي انحنى للملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز واعتبر ترامب أن أسلوب أوباما شكل من أشكال الضعف عبر الاستجداء والطلب والانحناء، وهو أمر تكرّر لاحقاً مع انحناء أوباما للامبراطور الياباني، واشتعلت وقتها الانتقادات لأوباما على قاعدة أن الرؤساء الأمريكيين لا ينحنون أمام الشخصيات الأجنبية، سواء كانوا أمراء، ملوكاً أم أباطرة.
المشكلة أن الرئيس الأمريكي الحالي ظهر وهو ينحني للملك السعودي الحالي سلمان أثناء تقليده وسام الملك عبد العزيز، وسواء كان ذلك احتراماً لعمر الملك الذي لا يستطيع أن يصعد بالوسام إلى رأس ترامب، أم كان تغييراً في موقفه المعلن والساخر من أوباما (أو احتراماً لحجم الصفقات الهائلة التي تم إبرامها!)، فإن اللقطة التاريخية ستتركز في الأذهان وستكون (إضافة، ربما، إلى حمل ترامب السيف العربيّ ورقصه مع الأمراء السعوديين رقصة «العراضة» وغيرها)، أمام الأمريكيين والعالم، انحناءة ترامب أمام الملك السعودي، وبشكل غير مباشر، أمام الواقع، وأمام الإسلام.